أخبار - 2022.05.17

خديجة توفيق معلى: هل هو تخريبٌ مُمَنهجٌ لمطار تونس قرطاج الدولي؟

خديجة توفيق معلى: هل هو تخريبٌ مُمَنهجٌ لمطار تونس قرطاج الدولي؟

بلا مقدِّماتٍ ومُمَهِّداتْ، يعيش مطار تونس قرطاج حالةً مفزعة من تدني مستوى إدارة شؤونه والخدمات فيه لم يسبق له مثيل!. فكلما كنت أصل إلى أرض الوطن ثم أحتاج لمغادرته بحكم ظروف عملي، إلا وأصابُ بالذهول للحالة المُزرية التي أصبح عليها مطارنا العريق الذي كان يُعَدُّ من أحسن المطارات مقارنة بالعديد من أمثاله في المنطقة العربية والإفريقية.

وقد كنت أَهِمُّ  كل مرَّة بكتابة مقالٍ، أو إطلاق صيحة فزعٍ حال مغادرته، لكنَّني سرعان ما أتراجع بعد ذلك، مُهدئة نفسي وإقناعها أن ما يحصل هو حالة استثنائيةٌ أختلق لها من خيالي عديد الأسباب المعقولة وغير المعقولة، لابد زائلة عمَّا قريب. ولكنها لم تزُل وكل ما أخشاه أن تصير حالة مُزمنة.

إنَّ ما يحصل في مطارنا لم يعد استثناءً، بل أصبح هو القاعدة ! لذلك قررت فور مغادرتي المطار هذه المرة بعد ساعتين هما بثقل يومين كاملين فيه، مليئين بالإحتقان والكمَد ليس لما آل إليه حال المطار فحسب، بل حال بلدنا بأكمله من ورائه. والمطارات هي دائما مرايا لحال بلدانها.. قررت أن أتوقف عن اختلاق الأعذار لكل من هُم بالأساس مسؤولون عن إدارة شأن هذا المَعلم ذي الصيت الدولي العالي لزمن طويل، وكل من لهم دور فيما شاب مطارنا من هينات.

وكائنا من يكونون وراء هذا التخريب المُمنهج الصارخ، تظل الوزارة أو الوزارات المعنية ورئاسة الحكومة هي المسؤولة كلها بالمراقبة وبإثبات المَفاسد وبمُحاسبة المُتسببين فيها، ثم بالإصلاح وفي أسرع الأوقات!

السيدة رئيسة الحكومة، والسادة وزراء النقل والسياحة والثقافة، والداخلية!

إن حيرتي عميقة ومُؤلمة بشأن سبب أو أسباب السكوت عمّا وصل إليه حال مطارنا من فوضى وإهمال على مستويات مختلفة. فمَوقعي المُواطني لا يُمكنني من الإضطلاع بمسؤولية إجراء تحقيق من أجل إكتشاف مَن يمكن أن تكون الجهةَ الخفية وراء هذا العمل التخريبي.. ولكن موقعك، سيدتي رئيسة الحكومة، ومسؤوليتك تُمكنانك بل تُحتمان عليك أن تقومي بذلك والإسراع بالمحاسبة وبالإصلاح.

ومهما تكن أسباب عدم القيام بذلك، فإني كمواطنة تونسية تَغير على سمعة بلدها، وأنا التي بحكم طبيعة عملي التي تُلزمني بالتنقل بين عديد بلدان العالم، أدرك جيدا قيمة المطار، أي مطار، في تقديم صورة ناصعة لعابريه عن حال البلد الذي يأويه، إن كان إزدهارا أو إنحطاطا وتخلفا، أدعوك بكل إحترام، إلى تكليف خبراء أكفاء بالقيام بزيارة ميدانية إلى المطار لضبط خطة عاجلة لإنقاذه وإصلاح حاله.

كوني على يقين السيدة رئيسة الحكومة أن الحملة الحالية لإنعاش السياحة التونسية، ونحن على أبواب موسم سياحي نأمل أن يكون مزدهرا وناجحا، لن تُؤتِي أكلها إذا ما بقي المطارعلى هذه الحال المزرية. هذا إضافة إلى قرب عودة أفراد جاليتنا المقيمة في الخارج إلى أرض الوطن مع عائلاتهم لقضاء عطلتهم السنوية، خاصة وأن غالبيتهم قد حُرمت من ذلك لسنتين كاملتين بسبب ما فرضته جائحة كوفيد من غلقٍ وتضييقاتٍ على السفر والتنقل، مما يجعل أعدادهم هذه الصائفة أضعافا مضاعفة. فهل من حسن الإستقبال أن نكافئهم بساعاتٍ وطوابير من الإنتظار ومن الإلتياع بتصرفات غريبة كثيرة أخرى؟؟

دعنا نبدأ من البداية، فلقاعة الوصول والمغادرة أكثر من عشرين شباكا المفروض أن تكون مفتوحةً جميعها لتسهيل استقبال ركاب أربع رحلات في المعدل التي عادة ما تصل في نفس التوقيت وذلك لتفادي أن تصل الرحلات الموالية دون أن يكون مسافرو الرحلات الأربع تلك قد تمكنوا من إنجاز إجراءات الوصول أو المغادرة.
أشهد أنني لاحظت بأم عيني في سفرياتي الأخيرة، أنه لم يكن مفتوحاً أكثر من خمسة شبابيك في أحسن ألأحوال. والسؤال الذي يطرح نفسه بكل بساطة: لماذا؟
هل أصبحت وزارة الداخلية تفتقد إلى أعوان أمن قادرين على تأمين دخول وخروج المسافرين؟ فأين ذهب الأعوان السابقون الذين كانوا يقومون بتلك المهام قبل ذلك؟ كنت شخصيا لمَّا أصل إلى المطار، ألاحظ شخصا مسؤولا تعودت على رِؤيته، يقوم، بمجرد وصول أول طائرة، بحَثِّ الأعوان على التوجه إلى كل الشبابيك لتسهيل عبور المسافرين قبل أن يصل مسافرو الطائرة الموالية. لكن حاليا، الظاهر أن هذا الشخص فَقَدَ أمله في قدرته على حث الأعوان، وأصبح يمكث في مكتبه الذي يقع على يسار شبابيك الوصول، مطبقا المَثل الشعبي: "لا عين ترى ولا قلب يوجع"!

فتحُ عددٍ قليلٍ من الشبابيك إنجرَّ عنه إزدحامٌ لا مثيل له إلى درجة أنه لديك بمُعدل ألف مسافر واصل أو مغادر يقفون لأكثر من ساعة في طوابير لا نهاية لها، وفيهم كبير السن، والمريض والمرأة الحامل والأطفال... وحين يتعب البعض من الوقوف وهم في حالة نفسية متوترة لخوفهم أن تضيع عليهم رحلتهم. نجد أعوان الأمن عوض محاولة إستيعاب الموقف وتهدئة الخواطر، يصرخون في الجميع، ووجوهُهم مكفهرة وعليها شبه علامات نفور من هذا العمل الذي يتطلب منهم حسن إدارة الموقف وهو في غير مقدورهم.

بجري كل هذا أمام أعين ومسامع السائحين الذين صدقوا إعلانات الدعاية لجمال تونس وحسن ضيافتها لزائريها...

وبعد كابوس الإنتظار الطويل لمغادرة تونس، أو الهروب منها، تتجه الأغلبية إلى المقهى بحثا عن قارورة ماء إرواءً لضمئهم، يفاجؤون هناك من أمرين غير سارين، أولهما الغلاء المشط لثمن الماء أو القهوة أو أي شيء آخر، وثانيا عدم القدرة لإستعمال الدينار التونسي للشراء. وهذا ما لم أجده شخصيا في أيٍ من الكَمِّ الهائل من المطارات التي أعرفها والتي تقبل عملة البلد وكل العملات الأخرى. فهل من جهة يمكنها أن تفسر أو تبرر مثل هذا القرار؟

لقد حاولت شخصيا أن أجد أي تفسير يشفي غليلي، لكنني أعترف بفشلي في فهم بواعثه، وهو القرار الذي أراه في منتهى الغباء. لماذا غباء؟ لأن العديد من الأجانب، وهم يغادرون بلادنا، من الطبيعي أن يرغبوا في التخلص من ما بقي لديهم من عملة دولتنا لأنهم بمجرد المغادرة، تصبح تلك العملة لا قيمة لها.

وبالتالي، فهم يستغلون هذه الفرصة لشراء قهوة وأي شيء آخر بالرغم من غلائه، للتخلص من عملة لا قيمة لها خارج الحدود. وحتى إن جاء التبرير بأن المقهى قد تم التفويت فيه لمستثمر تركي أو من أي جنسية أخرى، فمن حق مطار تونس أن يفرض عليه أن يقبل عُملة بلدنا، وبإمكان هذا الشخص إستعمال المداخيل بالدينار التونسي لدفع أجور العاملين هناك على سبيل المثال...

السيدة رئيسة الحكومة، يمكنني أن أواصل تقييم الحالة المزرية لمطارنا وكتابة صفحات طويلة عن باقي التفاصيل المُكدِّرة، لكنه لن يكون لتقييمي هذا أي قيمة مضافة إذا لم يتبعه تقصٍّ حقيقيٌ ودرسٌ جدي لضبط خطة عاجلة من أجل إيقاف التدهور المتزايد الحالي. وهذا العمل موكول إليك لتكليف الجهة أو الجهات الراجع إليها الأمر بإشراف مباشر منك للمبادرة بالفعل، حالا ودون إبطاء !! 

فهل تُجدي با تُرى صيحتي هذه نفعا؟ فتجدَ منكِ ومن باقي المسؤولين المعنيين آذانا صاغية؟؟

لأنني متفائلة بطبعي وأسبق حسن النية، آمل أن يحصل ذلك، وسأظل أتابع الحالة بين كل سفرة وأخرى مُتعهدة بكتابة ورقة وردية عند إتمام الإصلاحات في القريب العاجل وقبل مداهمتنا بموسم الصيف والموسم السياحي الذي ننتظره مُمتازا وموسم عودة أفراد جاليتنا بالخارج إلى أرض الوطن في عطلتهم السنوية. وكل عام وبلدنا خيرٌ مما هو عليه أو مما أصبح عليه!

خديجة توفيق معلى

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.