داعش كرات نار تبحث عن هشيم: قراءة تفاعليّة في كتاب "داعش" لمحمد النفطي
بقلم نورة عبيد - صدر عن ليدرز للنشر بتونس، كتاب "داعش" للجنرال المتقاعد "محمد النفطي". كتاب من الحجم الكبير يحتوي على 347 صفحة، ناطق باللغة الفرنسيّة، في طبعة اولى، مارس 2021. ولقد سبق لمحمد النفطي أن أثرى المكتبة الفكريّة الوطنيّة بكاتبين؛ الأوّل مبحث على شكل دعوة لتأسيس الأمن في تونس مقاربة تحليليّة سوسيولوجيّة. و الثّاني؛ "وإذا الثورة سئلت" مقاربة في الثورة التونسيّة 17 ديسمبر 2010/ 14 جانفي 2011.
عمل شموليّ يطرح أسوأ معاصرة موظّفا القراءة التاريخيّة والحضاريّة والسياسيّة التي ظهرت في منعطفاتها وفورتها وأهدافها.
هذا العمل يعتبر منجز حضاريّ؛ فيه دراسة تفصيليّة عن تشكّل "الكيان الداعشيّ" في الجسد الاجتماعيّ والسياسيّ العربيّ الإسلاميّ.
كتاب للمعرفة فيه نصيب وازن. فالمؤلف يُكْرِمُ القارئ إذ يهديه قائمة مصادره ومراجعه، ليساعده على مناقشته مناقشة الندّ للندّ؛ فكرة ومبحثا وتحليلا واستنتاجات، حتّى إذا بلغت تأويل ما عرض يترك لك حريّة المنزع والتأويل. سلاحك المعرفة وبرهانك الوقائع.
يحتوي الكتاب على أربعة أقسام تكشف بنيته ومرجعيّته التاريخيّة. فقد اهتمّ محمد النفطي في مسالة داعش بتشكّل الظاهرة قبل الإسلام وأثناءه حتّى"عشّشت وترعرعت" كمكوّن أساسيّ من مكوّنات الشّخصيّة العربيّة والإسلاميّة. وكصورة من صور الذات الواقعيّة والتخييليّة والحربيّة في ارتباطها بالجهاد والمقاومة.
ولئن كان لداعش جذور عربيّة وإسلاميّة لا يمكن دحضها - حسب الكاتب- تاريخيّا واجتماعيّا و"شعريّا". إذ من صور الفكرة في تمثّل الذات، القدرة على الجهاد وكبح النفس وبلوغ منتهى القدرة والسيطرة والقوّة والنصر والانتصار في حالة الحرب، فداعش أيضا مظهر من مظاهر القدرة على التسيير والتغيير والتحكّم والحكم. فلا غرابة إذن أن تتحوّل فكرة "داعش" إلى دولة "داعش" استنادا إلى المرجعيّة الدينيّة لإدارة الصراعات الايديولوجيّة في كلّ الحقبات التاريخيّة التي توسلّت بداعش نظريّة دينيّة لإقامة دولة "شرعيّة".
ولم يكن لداعش أن تطفو من جديد على سطح وقائع سياسيّة لولا التحوّلات الجيوسياسيّة التي توسّلت بداعش آليّة من آليّات الصراع ووسيلة من وسائل إدارة الاختلاف الذي سرعان ما تحوّل غلى حرب. في قلب القراءة الجيوسياسيّة لداعش، باعتبارها أداة حرب تتقاذفها القوى المتنازعة باسم الشرعيّة على "حوزة المصالح" التي تخدم مراكز القوى الإقليميّة في العالم.
داعش فكرة تحدث الزوبعة في وجدان المنفعلين وتهيّجهم تهييجا يخرج بهم عن طبيعتهم المدنيّة السلميّة وتحوّلهم إلى همج باسم الدين. إنّها كفكرة تنمّي في القائلين بها والعاملين على مذهبها وهم السّلفيون، العنف والتعصّب الأعمى لفكرة الدولة الإسلاميّة الشرعيّة. فتنحدر بهم إلى شقاء الانتماء المذهبي والقبليّ وما يسْتَتْبِعه من اقتتال تنتفي معه أيّةُ إمكانيّة للتعايش السّلميّ!
إنّ جغرافيّة البلدان والأمم والأديان تختزل مساحاتها على "الجهاد". وتتحوّل ساحة الحرب مجالا رمزيّا يحقّق الكرامة والنخوة والدولة الإسلاميّة. فكأنّ قائل يقول "جاهدْ أنت مسلم، لا تجاهد أنت كافر!" ذلك هو شعار داعش القديم الجديد. وتلك هي الحرب الداعشيّة كرات نار تبحث عن هشيم.
Daesh
Géopolitique du Conflit
Sur les traces des Almohades, Habitus. Thumos. Idéologies
De Mohamed Nafti, Général de Brigade (r)
Editions Leaders, mars 2021, 348 pages, 25 DT
نورة عبيد
كاتبة تونسيّة
- اكتب تعليق
- تعليق