أزمة القانون او حين يحمل القانون في طياته بذور وفاته: قراءة في تصريحات السيد رئيس الجمهورية بخصوص القانون عدد 2020/38 المتعلق باحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي
بقلم الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي. أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس و المحامية لدى التعقيب
1- في لقائه بالسيد وزير التشغيل و التكوين المهني يوم أمس الموافق التاسع عشر من نوفمبر 2021 تعرض رئيس الجمهورية الى القانون عدد2020/38 المؤرخ في 13اوت2021 المتضمن احكام استثنائية للانتداب بالقطاع العمومي ولاحظ ان هذا القانون قد وضع لكي لا يطبق باعتبار العديد من الأوامر التطبيقية التي يحيل اليها و التي لم تصدر بعد و يعرف من وضع القانون انه لن تصدر تلك الاوامر منتهيا الى مرور القانون بأزمة.(1)
2- و هكذا يصرح رسميا بظهور شكل جديد للازمات في بلادنا فعلاوة على الازمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ها نحن امام ازمة قانونية.
3- في الحقيقة ان ازمة القانون تتجاوز مناط القانون عدد 2020/38 المنظم لاحكام استثنائية خاصة بالالتحاق بالوظيفة العمومية .فالمتتبع لمختلف النصوص الصادرة في السنوات الأخيرة و التي قدمت على أساس كونها تساهم في فتح افاق الشغل امام الشباب لا يفوته ان يلاحظ ان اغلب هذه النصوص ان لم نقلها كلها قد صيغت بطريقة تحمل في طياتها أسباب تأخير او عرقلة نفاذها .و قد سبق لشراح القانون في تونس ان وضعوا الاصبع على العلة بخصوص هذه القوانين و انتهوا الى التأكيد على دخول القاعدة القانونية في منعرج خطير يأخذ شكل الازمة .و لئن كان من المؤسف ان نقف عند هذه الحقيقة (أولا) فانه من اللازم البحث في سبل تجاوز الازمة (ثانيا) كل ذلك في مقاربة هادفة الى ارجاع الأمور الى نصابها.
أولا: ازمة القانون أو الحقيقة المعلنة: الأسباب اوالتجليات والنطاق
4- يبدو للوهلة الأولى انه من الصعب ان نفهم او نتفهم الحقيقة المعلنة و التي مفادها انه يمكن للمشرع ان يشرع و الا يشرع في نفس الوقت .فالمعادلة صعبة و الأصعب منها هوان نفهمها و ان نقف على أسبابها كل ذلك في علاقة بمفهوم القاعدة القانونية.
1- الاطار القانوني للأزمة
5- يعرف القانون بكونه جملة القواعد القانونية المجردة و المطلقة و الملزمة التي تحكم العلاقات داخل المجتمع. و يصبح القانون ملزما بعد نشره في الرائد الرسمي و مضي الاجل المحدد لافتراض العلم به من طرف السواد الأعظم للناس .و يفترض ان يدخل القانون حيز التنفيذ بمجرد إصداره .ويحصل في بعض الأحيان أن يؤخر دخول القانون حيز التنفيذ لمدة معينة و لاعتبارات موضوعية يرتئي المشرع مصلحة في مراعاتها فيصرح صلب نص الفانون ذاته بعدم توافق دخوله حيز التنفيذ مع تاريخ صدوره و قد كان ذلك في العديد من المناسبات منها في سنة 1956 لما اخر المشرغ دخول مجلة الأحوال الشخصية الى غرة جانفي 1957(2) و كذلك في 2016 لما صرح المشرع بتأخير دخول قانون الاستثمار حيز التنفيذ الى تاريخ لاحق حدده ب غرة جانفي2017(3) و هو التاريخ الذي حدده المشرع لاستكمال اصدار النصوص و الأوامر التطبيقية لذلك القانون .و تبقى صورة التأخير المعلن لدخول القانون حيز التنفيذ صورة استثنائية و لكن بمنأى عن التثريب باعتبار المصلحة التي يرجوها المشرع من وراء التأخير.
6- و يكون الأمر على خلافه أذا صمت المشرع عن اعلان التأخير في دخول القانون حيز التنفيذ مع احالته على مجموعة من النصوص التطبيقية التي قد تأتي أو قد لا تأتي باعتبار أن وضع تلك النصوص من عدمه يبقى رهين إرادة المشرع في تفعيل النص القانوني من عدمه .و يمكن ان نجد في القانون عدد 2020/38 و غيره من الاحكام القانونية الأخرى شكلا من اشكال تعثر تطبيق القانون بسبب الإحالة على نصوص تطبيقية لم يوضع سقف قانوني لوضعها.
2- تجليات الأزمة
7- "القانون هو مراة المجتمع" ومعناه أن القاعدة القانونية عندما تسن فهي يجب أن تراعي حاجيات المجتمع بمختلف شرائحه. و بعبارة اخرى فان الأصل في الأشياء ان القانون يكتب ليطبق. فاذا تعلق القانون بالشباب و بمطامحه فيجب ان يكون القانون نافذا مفعلا مستجيبا بصفة حقيقية و فعلية لتطلعات الشباب.
8- و المتامل في النصوص القانونية الصادرة في البلاد التونسية في السنوات الأخيرة لا يفوته ان يلاحظ توجهات المشرع نحو توفير فرص العمل للشباب عملا بما اقتضاه دستور 27 جانفي 2014.
اقتضى الفصل من الدستور 8 ما يلي :"الشباب قوة فاعلة.
تحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدرات الشباب و تفعيل طاقته وتعمل على تحمله المسؤولية و توسيع اسهامه في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية".
كما نص الفصل 40 من الدستور عللى ان "العمل حق لكل مواطن و مواطنة و تتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة و الانصاف."
9- و في اطار حرصه على تفعيل هذه المبادئ الدستورية الداعمة لحقوق الشباب الاجتماعية و الاقتصادية تدخل المشرع التونسي لدعم فرص التحاق الشباب بالوظيفة العمومية من خلال القانون عدد 2020/38 المؤرخ في 13 اوت 2020 و كذلك من خلال دعم فرص العمل في القطاع الخاص وتطوير مهارات الشباب لبعث مشاريع خاصة بهم .و في هذا الاطار صدر القانون عدد 2020/20 المؤرخ في 17 افريل 2018 المتعلق بالمؤسسات الناشئة او السترتاب(4) و كذلك القانون عدد 2020/ 30المؤرخ في 30 جوان 2020 و المتعلق بالاقتصاد الرقمي و التضامني(5) و القانون عدد 2020/37 المؤرخ في 6 اوت 2020 المتعلق بالتمويل عبر الجمهور(6).
10- ان قراءة تحليلية و نقدية لمختلف هذه القوانين ابان صدورها قد انتهت بنا الى التساؤل عن الجدوى من وضعها في ظل اعتماد المشرع لمنهج تشريعي تغيب معه ضمانة التفعيل و عن تقنية الإحالة اتحدث.
11- تعتبر الإحالة من التقنيات التي قد يعتمدها المشرع عند وضع قانون من القوانين و مفادها ان يحيل الى قانون اخر بغاية توسيع مجال انطباقه على الصور و الحالات التي يحكمها النص الجديد و يكون ذلك في صورة الإحالة على نص سابق الوضع .و تكون الإحالة على نص لاحق يأخذ صبغة النص التطبيقي في اغلب الأحوال .و يكتسي هذا النص التطبيقي أهمية بالغة باعتبار ان تطبيق النص القانوني الذي أحال عليه تبقى رهينة صدوره .فاذا صدر الامر التطبيقي تم تفعيل القانون و اذا لم يصدر بقي القانون مجرد حبر على ورق. و يجدر التذكير بان الاحالة تبقى تقنية استثنائية و ان النص القانوني يجب مبدئيا ان يتضمن معاني كماله و نفاذه .و عليه و اذا ما احوجت الضرورة الى اعتماد تقنية الاحالة فيجب ان يكون الاجراء محدودا بما معناه ضرورة التقليص في عدد النصوص التي تقع الاحالة عليها و تحديد سقف زمني لصدورها.
12- بالرجوع الى جملة القوانين التي سلف بيانها و منها القانون عدد 2020/38 المتعلق باجراءات استثنائية للالتحاق بالوظيفة العمومية نلاحظ ان هذا القانون و غيره من القوانين المذكورة اعلاه قد اعتمدت تقنية الاحالة ووسعت في مجالها من حيث العدد كما وقع تغييب السقف الزمني الذي يجب ان يتم خلاله استكمال الاوامر التطبيقية بغاية تطبيق تلكم القوانين.
11- و ترتب عن كل ذلك ان بقيت ترسانة القوانين الداعمة لفرص العمل في صفوف الشباب حبرا على ورق و وجدت القاعدة القانونية نفسها في مازق لانها بدت غير قادرة على تحقيق الاهداف المنتظرة منها الا و هي نفاذها. و طرح السؤال حينئذ عن الجدوى من اصدار قانون لا ينفذ. فلماذا هذا المنهج التقنين.
3- أسباب الازمة
هل يمكن للمشرع ان يشرع و الحال ان نيته تتجه الى انعدام التشريع او بالأحرى الى عدم تنفيذ التشريع.
12- ان قراءة لجملة الاحكام السالف التذكير بها تسمح بالانتهاء الى التأكيد على كون إرادة المشرع لم تتجه الى الاستجابة الحقيقية و الفعلية لانتظارات الشباب الطامح للالتحاق بسوق الشغل. و هوامر يتعارض مع جوهر فكرة الحق ذاته ضرورة ان الحقوق وضعت لتمارس و تفعل. فان يوفر المشرع للشباب الفرص في العمل فمعناه ان يكون ضامنا لممارسة تلك الحقوق التي ثار من اجلها الشباب التونسي في 2011 و نادى للإطاحة بالفقرو البطالة و التهميش .فان لم يفعل المشرع فانه يكون قد أخذ باليسرى ما أعطاه باليمنى .و يبدو ان السبب وراء كل ذلك هو محاولة امتصاص غضب الشباب الذي ثار في 2011 على الفقر و التهميش و البطالة و الحرمان.
13- و لو كانت النية متجهة فعلا الى تطبيق هذه القوانين لوقع استكمال اوامرها التطبيقية في اجال قصيرة تتجاوب و تطلعات الشباب كقوة فاعلة مثلما ورد ذلك في دستور 2014.
ان انتهاج المشرع هذا المنحى ق في محاولة منه للحد من تداعيات ازمة اجتماعية و اقتصادية كانت و لا تزال تواجهها البلاد التونسية قد أدى الى ظهور ازمة جديدة الا و هي أزمة القاعدة القانونية التي جردت من اهم مقوماتها المتمثلة في الإلزامية و النفاذ و النجاعة .و اصبح من المتأكد التصدي لهذه الازمة.
ثانيا: تجاوز أزمة القانون
14- لا تجاوز للازمة دون ارجاع الأمور الى نصابها ووعي المشرع من جديد بالاهداف الحقيقية التي من أجلها توضع القاعدة القانونية. فالقاعدة القانونية و مثلما جاء ذلك على لسان رئيس الجمهورية لا يمكن باي حال من الأحوال ان تكون أداة لامتصاص الغضب او تجميل الواقع وزرع الأوهام .بل يجب ان تستجيب للمتطلبات الحقيقية للمجتمع فتؤطرها بطريقة تضمن نجاعتها و نفادها.و هو ما يفترض وعي المشرع بحجم مسؤوليته و تداعيات خياراته على المجتمع بأسره.
15- ولعله من المؤسف ان نتحدث عن وعي المشرع بحجم مسؤوليته و كذلك حجم انتظارات من وضع فيهثقته .فالاصل في الأشياء هو وعى المشرع بالاهداف التي يشرع من أجلها. و نأمل ان يكون خروج المشرع عن هذا الأصل مجرد ظاهرة شاذة تحفظ و لا يقاس عليها .و في انتظار التصويب يبقى المشوار طويل من اجل السيطرة على الأزمة غير المسبوقة التي تعرفها بلادنا و التي رمت بظلالها على رحاب القانون .فهل نودع عصر الازمات و الخيبات و نستقبل من جديد عصرا تحترم فيه الصلاحيات و الصلوحيات.
الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي
أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس و المحامية لدى التعقيب
(1) حول مضمون التصريحات يراجع موقع Tuniscope,Tunise le 18 novembre 2021.
(2) ان تأخير دخول مجلة الأحوال الشخصية حيز التنفيذ كان يهدف الى التدرج في قبول محتواها الحداثي و قد اعلن المشرع في الفصل الثاني من الامر المؤرخ في 13 اوت 1956 و المتعلق بإصدار مجلة الأحوال الشخصية مايلي :تدخل اكام هذه المجلة حيز التنفيذ في غرة جانفي 1956.
(3) الفصل 26من القانون عدد 2016/71 المتعلق بالاستثمار
(4) القانون عدد 2018/20 المؤرخ في 17 افريل 2018 المتعلق بالممؤسسات الناشئة
(5) حول دراسة نقدية لهذا القانون تراجع
Najet Brahmi Zouaoui, loi n 2020/30 du 30 juin 2020 relative à l’économie solidaire et sociale ? Où en est-on ? Leaders du 1er Mai 2021.
(6) يراجع بحصوص هذا القانون Najet Brahmi Zouaoui, L’application de la loi relative au Crowdfunding est-elle pour demain ? Leaders du 22 septembre 2020
- اكتب تعليق
- تعليق