تونس: بعض حيثيات ما بعد الثورة مباشرة
بقلم عبد اللطيف الفراتي - فيما عدى الدساترة (عفوا التجمعيين) ، فإن بقية الشعب قد أصابته " لوثة " من الفرح، ذكرتني بفرحة يوم الإستقلال ـ وفرحة يوم 5 جويلية ليلا بعد إعلان نجاح استفتاء استقلال الجزائر، عندما كان المعلن أن الثمن – ثمن ذلك الاستقلال – كان باهظا تمثل في 500 ألف من الشهداء ، ليرتفع الرقم بعد 10 سنوات إلى مليون ليستقر بعد عشر سنوات أخرى عند مليونا ونصفا، ما دفع أحد أكبر الكتاب الصحفيين الفرنسيين للقول :" الموتى الجزائريون وحدهم الذين يتوالدون".
كانت الفرحة عارمة، وفي ما عدا رد فعل من نائب اسمه عادل الجربوعي حاول جمع مظاهرة دفاعا عن التجمع، وفي ما عد عبير موسي التي كانت من الشجاعة بحيث وقفت معلنة عن موقف مضاد، فقد لزمت زعامات التجمع الدستوري الذي يدعي أنه يجمع في صفوفه أكثر من 2 مليون منخرط جحورهم، ولم يندفعوا للدفاع عن مقراتهم، ولا مواقعهم القيادية أو ما أدنى وقد احترق بعضها، تلك حال البلدان المتخلفة بأحزابها الكرتونية، فالمواقع للتظاهر أو للمظهر، وليس للنضال، وتميزت المنظمات الجماهيرية في قيادتها بتأييد الرئيس بن على إلى آخر لحظة، تاركة لمناضليها " شرف" قيادة " الثورة "، ثورة بلا قيادة ولا فكر ولا أفق.
أسفرت مجمعات القصبة 1 والقصبة 2 التي تولاها " الحفاة العراة " كما سماها الذين تجمعوا في المنزه من علية القوم، على حرمان أحمد نجيب الشابي، من توقه إلى رئاسة الجمهورية التي اعتقد واعتقد معه الكثيرون، أن قطوفها أصبحت دانية له وأصبت في الكف، القصبة واحد والقصبة 2 فرضت قيام مجلس تأسيسي، وهو الثاني في تاريخ البلاد المعاصر، تم فرضه على رئيس الحكومة محمد الغنوشي، ثم الباجي قائد السبسي خلفه في رئاسة الحكومة، وهكذا لم يعد موجب للقصبة 3 وهو التجمع الثالث الذي فشل فشلا ذريعا، لأنه لم يعد له موجب.
تضافرت جهود حزب العمال بقيادة حمة الهمامي المغادر للسجن، وجهود النهضة بقيادة راشد الغنوشي العائد من منفاه في لندن، وكل منهما يستبطن أمرا:
• حمة الهمامي يعتقد أن الذين خرجوا في " الثورة " سيدفعون لقيام نظام شيوعي يفرض عدالة التوزيع للثروة، وهي ثروة ليس لها وجود
• الغنوشي يستهدف قيام حكم قائم على فرض الشريعة في معاملات الدولة وقوانينها وبين الناس.
ومن سوء التفاهم هذا اندفعت تونس نحو عشرية تأخرت بها ، بحيث إذا صح العزم فلن تعود بعدها تونس إلى مستوى سنة 2010 إلا بعد 10 أو 15 عاما.
في الأثناء وبمناسبة حصول لقاء في بيت المرحوم مصطفى الفيلالي بمحضر كل من حمادي الجبالي وزياد الدولاتلي القياديين البارزين في النهضة، والمحامي الطاهر بوسمة والمنجي الكعبي الأستاذ الجامعي والدكتور حمودة بن سلامة وأنا بادرنا سي الطاهر بوسمة وأنا للقول: "كل الدلائل تشير إلى أنكم ستنجحون في الانتخابات بنسبة كبيرة لن تصل إلى الأغلبية، والنصيحة أن لا تتصدروا، للحكم فليست لكم لا القابلية ولا الكفاءات لذلك" وكان جوابه: "لا نستطيع، مناضلونا لن يغفروا لنا ذلك،" وبدا لي شخصيا أن زياد الدولاتلي ، رغم هدوئه ، يتململ في مقعده.
وسيكتب مصطفى الفيلالي بعد عامين في جريدة الصباح " هل بقيت في تونس دولة؟"
عبد اللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق