شهادة عبد السلام القلال الموثقة عن بورقيبة و بن صالح وبناء دولة الاستقلال
بقلم عفيف البوني - في 674 من الصفحات من الحجم الكبير، ضمها كتابان أصدرهما قبل فترة الاستاذ عبد السلام القلال وهما (الحلم والمنعرج الخطأ) و(الحبيب بورقيبة، زعيم أمة ورئيس دولة)، نقرأ شهادات حية وموثقة خالية من اللغة الخشبية، وهما عن فترة تأسيس دولة الاستقلال وعن أهم شخصيات بناتها من رجال الدولة. وشهادته هذه، بصفته شاهدا ومشاركا في رصد وفي صنع الاحداث من موقعه كمسؤول سام سياسيا واداريا، وكمناضل في الحركتين الطلابية والوطنية الدستورية.
ومؤلف الكتابين خريج الصادقية ثم جامعة السوربون وبها درس علوم القانون وغرف من الثقافة الحديثة، ثقافة العقل والعلم وحسن التصرف وحب الاضافة والعطاء.
تحدث القلال عن تجربته، عن معايشته للرجال وللأحداث وصنع الانجازات والمكاسب في العشرية الاولى من الاستقلال ما بين سنتي 1960 و1970حيث عمل واليا بكل من الكاف والقصرين، وفيها أعطى علمه وخبرته لحزبه الدستوري ولتونس، وكانت صلته واتصالاته يومية ومباشرة بكل أجهزة الدولة ومسؤوليها، لذلك فهو مطلع وراصد وشاهد ثقة، وبحكم ثقافته المتينة السياسية والادارية والقانونية، استطاع ان يسجل بأمانة وصدق الوقائع وما رافقها من الأقوال والخطط، وما كان من نتائج تطبيق سياسة الاشتراكية الدستورية والتعاضد، من النجاحات ومن الانتظارات والاخطاء، وسنأتي عليها من وجهة نظره، وأنا أقدر أن صاحب الشهادة صادق، في ما كتب وعما شهد ،فهو تكلم عن أحداث مضت، يعرفها الاحياء النزهاء ولم يطعنوا فيها، وعن رجال دولة قضوا، هو في شهادته، لا ينتظر من ورائها الا الوفاء للرجال والصدق في قول الحقائق، حبا منه لمن ضحوا وعملوا وناضلوا وبنوا تونس في أصعب الظروف، وهو أحدهم من موقعه المسؤول، في فترة توليه ولايتي الكاف والقصرين، هو هنا يشهد،عن التاريخ، وفاء لقيم الرجولة واحتراما لشرف المسؤولية، وقد عاين كما كل الشرفاء والوطنيين، كيف حاول حكامنا خلال العشرية ما بعد 2011، أن يزيفوا التاريخ الوطني وأن ينكروا تحقق الاستقلال، وان يكذبوا جهارا وليلا ونهارا وان يشوهوا سمعة ونضال الحركة الوطنية الدستورية وفي مقدمتها بورقيبة، ولذلك هو هنا يقدم ا قراءة هادئة لنمط التنمية في عشرية الاشتراكية الدستورية والتعاضد.
عبد السلام القلال، يقدر بأن بورقيبة هو رجل دولة وزعيم أمة، وقد عايشه يوميا في كل اقاماته بجهة الكتف حول مائدة يوغرطة واستراحته في الكاف، ويعتبر ان لبورقيبة مشروعا وطنيا ونظرية عمل، في السياسة وفي إدارة دولة صغيرة تكبر بسياسة حكيمة، وفي ادارة العلاقات الدولية وله خبرة وحنكة في الممارسة الديبلوماسية، وقد مكنته من النجاح في ارساء أسس أركان دولة فتية بسياسة حداثية بامكانيات محدودة ولكن بذكاء كبير.
مشروع بورقيبة في نظر القلال، كما فهمه، تلخصه، ثلاثة رسائل تاريخية بها عصارة تفكير ورؤية بورقيبة رجل الدولة وصاحب المشروع والمثقف المستنير هي:
رسالته التاريخية للمقيم العام بيروطون، ورسالته من سجنه في سان نيكولا، ورسالته الى الملك محمد الأمين باي عام 1953... وبورقيبة كان حريصا على ارساء الاستقرار عبر الوحدة الوطنية وعلى الاصلاح والتحديث، وكان مستشرفا جيدا ومبكرا لخطر وفساد الاسلام السياسي، وكان عقلانيا ومستوعبا لاتجاهات السياسة الدولية في شأن لعبة الأمم والصراع على المصالح وبين الارادات، وحول المسألة الفلسطينية...
قضايا كثيرة واحداث مهمة تعرض لها القلال بتفاصيل تفيد المؤرخين المنصفين لا يسمح المجال بذكرها كلها، وكلها تسفه بالدليل، الذين انتصبوا يحكمون تونس في غفلة من التاريخ، منذ عشر سنوات، وتخيلوا انهم يمكن أن ينجحوا في طمس أو تشويه تاريخ الرجال وتونس المعاصرة،.
القلال شهد بأمانة ونزاهة، لم يكتف بذكر الإيجابيات والانجازات فقط، بل انه بين وباسهاب أخطاء تلك العشرية، وتلك الأحداث جعلته يقدم استقالته من المسؤولية، ويمارس مهنته الحرة وباستقلال عن الغير، أي المحاماة، وذلك حين رأى وقوع سياسة الدولة في أخطاء أسماها بالمنعرج الخطأ، وهو يقصد، أن الاشتراكية الدستورية//التعاضد قد كانت تجربة رائدة، في التنمية بمقياس ذلك الزمن، الا أن التعميم بالاكراه والتسريع بارتجال قد كان قرارا خاطئا، وهو ما أدى الى أزمة اقتصادية وسياسية عامة، عام 1969، وعلى اثرها استقال، وهو هنا يبحث عمن يتحمل سبب ذلك المنعرج الخطأ... الرئيس؟ أحمد بن صالح؟ أم الولاة وبيروقراطية الدولة والأطراف التي ليس لها مصلحة في سياسة العدالة الاجتماعية.... في رأيه، كان التعميم والتسريع هو سبب الفشل والقلال يذكر أخطاء بورقيبة مثل الرئاسة مدى الحياة و26 جانفي 1978 وأحداث الخبز 1984 وموضوع الصراع على الخلافة ونجد في الكتابين صورا تسجل أحداثا تاريخية حية لقرارات ولسياسات.
كم نحن في حاجة لنقرأ هذه الشهادات من رجال صادقين، وبها نصحح الاكاذيب، حتى لا نحرر الاخطاء ولا تتوفر الفرص لمزيفي التاريخ من العابرين المضللين من يسار ويمين…
عفيف البوني
- اكتب تعليق
- تعليق