تونس عشيّة عيد الأضحى: من القيام بالشعيرة الدينية إلى التضحية بوزير الصحّة العمومية، قراءة في القرار والدلالات!
بقلم أ. عادل بن يوسف - مساء عيد الأضحى الثلاثاء 20 جويلية 2021 وفي خطوة مفاجئة يعلن رئيس الحكومة هشام المشّيشي من مكتبه بالقصبة عن إقالته لوزير الصحّة العمومية (المقال بطبعه)، الدكتور فوزي المهدي. ثمّ يتوجّه إلى وزارة الصحّة بباب سعدون ويجتمع بإطاراتها ليقول: " اتخذت قرار إقالة وزير الصحة بعد أن عاينت سوء التسيير في قيادة هذه الوزارة التي تزخر بالكفاءات والمراجع العلمية والإدارية...".
وبقطع النظر عن الأداء المتواضع - إن لم نقل الكارثي أحيانا - لوزير الصحّة منذ تعيينه على رأس الوزارة يوم الاثنين 24 أوت 2020، على مستوى التواصل الإعلامي والإخلالات العديدة لمنظومة "إيفاكس" (Evax) وغياب التلاقيح ومكثّفات الأوكسيجين والمعدات الطبية الأساسية للإسعاف و التسريبات المروّجة حول سوء استخدام للمساعدات الطبية الضخمة الواردة من المنظمات الدولية (منظمة الصحة الدوليةOMS) ) والدول الشقيقة والصديقة (وآخرها تلك التي وردت ولا تزال ترد منذ بداية شهر جوان الحالي من طرف أكثر من 10 دول في شكل أموال ومساعدات طبية: أسرّة آلية - أسرّة إنعاش - مكثّفات أوكسيجين - مستشفيات ميدانية - تلاقيح...)، فإنّ حملة "الأبواب المفتوحة للتلقيح"، كانت مسرحية سيئة الإخراج من طرف رئيس الحكومة هشام المشّيشي يوم عيد الأضحى بالذات لأربع أسباب رئيسية على الأقلّ وهي:
1 - وجود صراع داخلي صلب وزارة الصحّة العمومية على مستوى القرار وإدارة جائحة الكورونا بين الموالين لحزب حركة النهضة والأحزاب الحليفة لها في الحكم من جهة، وبين خصومها من جهة أخرى. وكذلك بين المؤيدين لتدخّل الإدارة العامة للطب العسكري التي يديرها الدكتور القدير مصطفى الفرجاني في شؤون الوزارة من جهة، وبين المعارضين لذلك من جهة أخرى. علما وأنّ هذا الأخير قد أثبت كفاءته ونجاحه مع الأطباء والضباط العسكريين العاملين معه بالإدارة العامة للطب العسكري بتونس وسائر جهات البلاد في التصدي لجائحة الكورونا في حملة التلقيح بكل من تطاوين وسليانة وباجة... في ظرف زمني قياسي. كما لا ننسى أنّ الدكتور فوزي المهدي هو ابن المؤسّسة العسكرية (قسم أمراض القلب بالمستشفى العسكري الحبيب ثامر بتونس)، ولا يخفى على أحد حساسيّة قادة حركة النهضة بتونس من المؤسّسة العسكريّة منذ تسلّم الجيش للحكم في مصر يوم 30 جوان 2013 إثر حراك شعبي واسع ضد حكم الإخوان المسلمين بقيادة العضو السابق في مكتب إرشاد الإخوان المسلمين، محمّد مرسي عيسى العيّاط يطالب بتنظيم انتخابات رئاسيّة مبكّرة.
2 - رغبة حركة النهضة في إعادة الدكتور عبد اللطيف المكي ("الجنرال" كما يحلو لأنصار الحركة نعته) على رأس وزارة الصحّة التي غادرها في جانفي 2020 مع 05 وزراء آخرين تابعين للحركة بحجّة "تكوين حكومة غير سياسية" بعد فشل المصادقة على حكومة الحبيب الجملي...، بدليل تردّد اسمه وحضوره في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في المدّة الأخيرة. وفي هذا الإطار هناك من يرى أنّ الدعوة إلى التلقيح يومي العيد واليوم الموالي له كانت ببادرة خطّط لها مسبقا أنصار حركة النهضة صلب وزارة الصحّة دون تنظيم وترتيب مُسبقيْنِ مع الساهرين على منظومة (Evax) على مستوى أعداد المواطنين الذين سيتمّ تلقيحهم والجرعات المتوفرة بكل مركز من مراكز التلاقيح بمراكز الولايات دون سواها والتوقيت الخاص بكل مواطن، بل بمجرّد إعلام صادر عن الوزارة...، يعتبر بمثابة الفخّ هدفه إحداث حالة من "الفوضى" - غير الخلاّقة طبعا - الكفيلة باتخاذ قرار سياسي من قبل رئيس الحكومة هشام المشّيشي بإقالة الدكتور فوزي المهدي والتمهيد لعودة "الجنرال" إلى الوزارة بثوب المنقذ لتونس والتونسيّين من الأزمة الصحيّة الحادة التي ألقت ولا تزال تلقي بضلالها على كل القطاعات في تونس منذ أكثر من سنة ونصف وهو ما سيحسب انتصارا للحركة النهضة وقيادتها بعد انفراج الوضع الصحّي وتراجع الجائحة !
3 - رغبة قيادة حركة النهضة وحلفائها بالائتلاف الحاكم في فكّ العزلة المفروضة عن حكومة هشام المشّيشي من قبل رئاسة الجمهورية منذ أشهر والتحرّك الدبلوماسي الرسمي لرئيس الجمهورية، الأستاذ قيس سعيّد منذ شهر جوان الفارط في علاقة بجائحة كورونا باتصاله برؤساء وملوك عديد الدول الصديقة والشقيقة طالبا إيّاهم مساعدة تونس طبيا على تجاوز مخلفات سلالة "دلتا" (Delta) الهندية الأخيرة لفيروس كورونا...
4 - رغبة حركة النهضة وحلفائها في إقناع رئيس الجمهورية، الأستاذ قيس سعيّد بضرورة التوجّه نحو تشكيل حكومة سياسية تكون فيها الحركة ممثلة بوزارات سيادة ووزارات تقنية... هامة، لها مكانتها في هذه الظروف الصحية والاقتصادية- الاجتماعية ... الدقيقة من تاريخ تونس تؤمّن لها المصالحة مع قواعدها في ظلّ الملفات الكبرى التي تمّ الكشف عنها مؤخرا من طرف التفقدية العامة للقضاء: ملف الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمّد البراهمي و 6268 ملف إرهابيّ و 1361 قضيّة إرهابيّة بتونس وخارجها... الخ.
و لا شكّ أنّ "التضحية" بالدكتور فوزي المهدي عشية يوم العيد وتكليف وزير الشؤوون الاجتماعية و الوجه النقابي، الأستاذ محمّد الطرابلسي بوزارة الصحّة بالنيابة (الذي قبل صباح اليوم بعد أن اعتذر رسميا ليلة أمس)، لن يحلّ أزمة إدارة وزارة الصحّة للجائحة لأنّها في اعتقادنا عميقة وهيكلية صلب مصالح الوزارة بباب سعدون وخارجها نتيجة سرعة تفشي السلالة الجديد من فيروس كورونا بكامل أنحاء البلاد: بدءا بولاية مدنين نحو تطاوين ثم نحو قبلي في اتجاه ولاية القيروان ومنها إلى ولايات الساحل الثلاث وولاية نابل بالوطن القبل وأخيرا إلى الولايات الأربع لتونس الكبرى) وذلك نتيجة فتح الحدود مع الشقيقة ليبيا يوم 22 ماي 2021 دون اشتراط دفتر تلقيح أو تحليل مخبري (PCR) للتأكد من سلامة الوافدين على تونس من الجار الجنوبي من حملهم للفيروس... وسرعة انتشار العدوى بالسلالة الجديدة من نوع "دلتا" بدليل ارتفاع عدد الإصابات والوفيات (194 حالة وفاة يوم الخميس 15 جويلية و 205 حالة وفاة ليلة العيد (يوم 19 جويلية 2021).
كما بلغ إجمالي عدد الإصابات المعلن عنها بفيروس كورونا في تونس عشية عيد الأضحى: 548.753 و 17.644 وفاة، و 438.356 حالة تعافٍ (وفق أرقام وزارة الصّحة). وهي أرقام مرجّحة للارتفاع على إثر "مهزلة" الأبواب المفتوحة للتلقيح يوم عيد الأضحى أمام مراكز التلقيح بمختلف المدن التونسية وما رافقها من فوضى وتدافع واقتراب جسدي وعنف مادي ولفضي ...بين الراغبين في تلقي اللقاح من الشباب والكهول (بين 18 و 50 سنة) والساهرين على هذه المراكز من إطارات الصحّة العمومية وأعوان الشركات الخاصّة المكلفة بالتنظيم، استوجب أحيانا تدخل قوات الأمن واتخاذ وزارة الصحة قرارا بتعليقها رسميا عشية العيد. وهو ما سيرشّح في اعتقادنا إلى ارتفاع عدد المصابين بالسلالة الجديدة للكوفيد في الأيام القليلة القادمة.
ويقيننا أنّ طريقة إدارة جائحة ضخمة بمثل جائحة كوفيد 19 فشلت كبرى دول العالم كالولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا...، في مواجهتها إبّان موجتها الأولى سنة 2020 لا يكون بقرار إقالة وزير الصحّة العمومية الذي حسب ما يبدو للعيان لم يدّخر أيّ جهد في التصدّي للجائحة، بل يستوجب رؤية شاملة وثاقبة تأخذ بعين الاعتبار كل ظروف وحاجيات البلاد وواقعها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي المتردي منذ اندلاع الجائحة في تونس مطلع شهر مارس 2020 والتي يمكن تلخيصها في النقطتين التاليتين:
1 - تشريك كل الأطراف: وزارة الصحّة العمومية (الإدارة العامة للصحة العمومية والمديرين الجهويّين للصحة العمومية) ووزارة الدفاع الوطني ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية (الإدارة العامة للأمن العمومي - الإدارة العامة للشؤون المحلية - الديوان الوطني للحماية المدنية...) والمنظمات الوطنية (الاتحاد العام التونسي للشغل - اتحاد الصناعة والتجارة والصناعة التقليدية - الاتحاد العام للفلاحة والصيد البحري - الاتحاد الوطني للمرأة التونسية - الهلال الأحمر التونسي - البنك الوطني للدم...) والسادة الولاة ومديري المستشفيات العمومة والجهوية ومديري المستشفيات الميدانية وعمادة الأطباء وعمادة الصيادلة... وجمعيات المجتمع المدني بكل أنواعها، على الصعيدين المركزي والجهوي والمحلي... لتدارس واقع الجائحة بأرقام ومعطيات دقيقة ومحيّنة عن الحالة الوبائية والتجهيزات والإطارات الطبية وشبه الطبية المتوفرة بكل شبر من التراب الوطني.
2 - الخروج بخريطة طريق متصلة بالجائحة على المدى القريب والمتوسط تتضمّن خطة عمل على الصعيد المركزي ثمّ على الصعيدين الجهوي والمحلي من: انتداب واسع للإطار الطبي وشبه الطبي العاطل لمعاضدة الإطار الحالي المنهك بالعمل دون انقطاع منذ أكثر من سنة ونصف بكامل جهات البلاد وإسعاف (أرقام خضراء- سيارات وطواقم إسعاف طبي...) وأدوية ومستلزمات طبية للإقامة والعلاج بالمسشفيات العمومية والميدانية الخاصة بالكوفيد (أسرّة وأسرّة إنعاش ومكثّفات أوكسيجين وآلات قيس للأوكسيجين والسكري وضغط الدم...)، وأخيرا وهو الأهمّ توفير التلاقيح (مهما كان نوعها ومصدرها)، بدءا بالمتقدمين في السن مرورا بالكهول، وصولا إلى الشبّان واليافعين مع الأخذ بعين الاعتبار المصابين بالأمراض المزمنة وذوي الحاجيات الخصوصيّة... التكثيف من مراكز التلقيح والسماح للصيدليات الخاصة بتقديمها مقابل تكفّل وزارة الصحّة بمعاليم الجرعات والحُقن وما يرافقها من مستلزمات والأجهزة الخاصة بتخزين اللقاح.... الخ.
ولو تواصل انتشار هذه السلالة الجديدة واقتربنا من العودة المدرسية والجامعية يوم 15 سبتمبر 2021 فإنّ الكارثة حتما ستحلّ في كل أسرة من الأسر التونسية لأنّه يوجد بتونس أكثر من 03 ملايين بين تلميذ وطالب ومدرّس وأستاذ ومدرّس ومرشد بيداغوجي ومتفقد وموظف وعامل بمؤسسات التعليم بمراحله الثلاث.
يقيننا أنّ كل الأطراف التي ستدير حملة التلقيح ستغلّب مصلحة الوطن عن مصالحها السياسية والشخصيّة نداء للواجب الوطني ودقّة المرحلة، كي يتسنى إنقاذ ما تبقى إنقاذه من البلاد وأرواح العباد وحتما سيكون القادم أفضل.
أ. عادل بن يوسف
(جامعي وإعلاميّ)
- اكتب تعليق
- تعليق