أخبار - 2021.05.11

تونس: نحو مقاربة جديدة لتأمين سلامة المالية العمومية وتقليص اللجوء الى التداين الخارجي

تونس: نحو مقاربة جديدة لتأمين سلامة المالية العمومية  وتقليص اللجوء الى التداين الخارجي

بقلم رضا الشكندالي. أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية

مقدمة

تعتمد هذه المقاربة على إعادة هيكلة ميزانية الدولة الى أربع موازنات منفصلة لتأمين سلامة المالية العمومية وتفادي الإفلاس المالي للدولة حتى في أصعب فترات الأزمات الاقتصادية. وتتكوّن هذه الميزانيات الأربعة من ميزانية أولى للأجور والدعم مرتبطة بميزانية ثانية للنفقات المبوبة تحت مسمى "النفقات الأخرى" وهي نفقات تتعلق بالاستهلاك العمومي وبالنفقات الطارئة ومن ميزانية ثالثة للتنمية وميزانية رابعة للديون تمكّن من تحديد سقف التداين الخارجي انطلاقا من حجم مبلغ التداين الداخلي. هذه المقاربة تمكن من التوازن المالي لميزانيتي الأجور والدعم ونفقات الاستهلاك العمومي وكذلك لميزانية التنمية. وتحدد الميزانية الرابعة الخاصة بالديون المبالغ المطلوبة لتمويل استخلاص الديون الداخلية والخارجية. وانطلاقا من هذه المقاربة الجديدة تموّل كل ميزانية بمصادر مخصصة لها مختلفة عن الميزانيات الأخرى وتشرف على كل ميزانية إدارة خاصة.

تمكّن هذه المقاربة من التقليص في حجم ميزانية الدولة لسنة 2021 بأكثر من 7 مليار دينار لتصبح 45.3 مليار دينار مقابل 52.6 مليار دينار مقدّرة في قانون المالية لسنة 2021. كما تمكّن هذه المقاربة من التقليص من الحاجة للتداين الخارجي من 16.6 مليار دينار الى 8.6 مليار دينار. ويتوزّع هذا التراجع ب 7 مليار دينار في حجم ميزانية الدولة الى 3.1 في نفقات الاستهلاك العمومي والنفقات الطارئة من 6.2 مليار دينار الى 3.1 مليار دينار وفي نفقات التنمية ب 1.8 من 7.1 مليار دينار الى 5.3 مليار دينار وفي الفائدة على استخلاص الديون الداخلية ب2.4 مليار دينار لتمكّن الدولة من الاقتراض الداخلي بنسبة فائدة صفرية تموّل من أرباح البنك المركزي أو من أرباح البنوك التجارية خاصة وأن هذه الأخيرة استفادت كثيرا من السياسة النقدية المتبعة والتي أدت الى تفاقم ما يسمى باقتصاد الريع.

ميزانية خاصة للدعم والأجور

تعتبر نفقات الأجور والدعم من النفقات الأساسية التي توجه مباشرة الى ااهستهلاك وبالتالي تموّل هذه الميزانية بالموارد التي لها علاقة بالاستهلاك وهي الضريبة على الدخل والأداء على القيمة المضافة ومعلوم الاستهلاك ومعاليم أخرى غير مباشرة. وإذا طبقنا هذه المقاربة على ميزانية الدولة لسنة 2021 فإن المبلغ الجملي لمجموع موارد ميزانية الأجور والدعم تقدر ب 25.2 مليار دينار بينما تقدر نفقات الأجور والدعم ب23.5 مليار دينار وهو ما يمكن من تأمين فائض مالي لميزانية الدعم والأجور يقدر ب 1.7 مليار دينار يموّل مباشرة نفقات الدولة للاستهلاك العمومي والنفقات الطارئة.

وعندما ترتفع الأسعار وتتنامى معدلات التضخم المالي، عادة ما تنطلق المفاوضات الاجتماعية والتي تؤدي الى الترفيع في الأجور وهو ما ينعكس سلبا على عجز موازنة الدولة. لكن عندما نذهب في المقاربة الجديدة لميزانية الدولة، فإن ارتفاع حجم أجور يؤدي بالضرورة الى تنامي الموارد المتأتية من الضريبة على الدخل من ناحية بما أن هذه الضريبة مستوجبة على أجور الوظيفة العمومية ومن الأداءات والمعاليم المستوجبة على الاستهلاك من ناحية أخرى بما أن الأجور مرتبطة أشد الارتباط بالاستهلاك. فالاستهلاك، عندما يوجّه الى المنتوج المحلي، يكون أكبر دافع للنمو الاقتصادي وبالتالي لتنمية الموارد الجبائية للدولة.

ميزانية الأجور والدعم بالمليون دينار

ق. م. 2021

فارق النفقات

الموارد

النفقات

 

 

          الضريبة على الدخل

9 603,8

     الأجور

20 118,0

 

 

          الأداء على القيمة الضافة

7 614,0

     الدعم

3 401,0

 

 

          معلوم الاستهلاك

3 637,8

 

 

 

 

          معاليم أخرى غير مباشرة

4 314,6

 

 

 

 

المجموع

25 170,2

 

23 519,0

23 519,0

0,0

فائض

1 651,2

 

ميزانية الاستهلاك العمومي والنفقات الطارئة

تموّل نفقات الاستهلاك العمومي والنفقات الطارئة بفائض ميزانية اأعجور والدعم وبالمعاليم الديوانية وموارد الخزينة ولا يمكن أن تتجاوز هذا المبلغ بأي حال من الأحوال. وقد قدرت ميزانية الدولة لسنة 2021 حسب المقاربة الجديدة هذا المبلغ ب 3.1 مليار دينار وهو مبلغ يتوافق مع ضرورة التخفيض في نفقات الاستهلاك العمومي للدولة خاصة بعد الترفيع في بعض مكوناته بأكثر من 40% خلال السنة المنقضية وهو ما أثار جدلا كبيرا في أوساط الخبراء الاقتصاديين والذين لاموا الحكومة هذا التبذير في النفقات في وقت تطالب فيه بتطبيق إجراءات التقشف على المواطن التونسي بعد التداعيات الصحية والاقتصادية للموجة الثالثة للوباء.

ميزانية الاستهلاك العمومي والنفقات الطارئة بالمليون دينار

ق. م. 2021

فارق النفقات

الموارد

النفقات

 

 

فائض ميزانية الأجور والدعم

1 651,2

النفقات الطارئة

3 104,8

المعاليم الديوانية

1 353,6

 

 

موارد الجزينة

100,0

 

 

المجموع

3 104,8

 

3 104,8

6 174,1

3 069,3

ميزانية التنمية

تعتبر نفقات التنمية من النفقات الأساسية لدعم الاستثمار ودفع النمو الاقتصادي. لكن عدم قدرة الدولة على انجاز المبالغ المرصودة في موازناتها بعنوان نفقات التنمية خلال السنوات الأخيرة يجعل من رصد مبالغ مرتفعة لها أمرا غير ذي جدوى خاصة في أوقات الأزمات الحادة كالأزمة التي تعيشها حاليا. فالاستثمار الخاص في هذه الحالات لا يتأثر فقط بالسياسة الجبائية للدولة بل بقدرة هذه الأخيرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وقدرة الأحزاب السياسية على التعايش فيما بينها حتى يعمّ الاستقرار السياسي والاستقرار الاجتماعي. وإذ تعتبر نفقات التنمية، في الفترات العادية، من النفقات التي يمكن للدولة أن تحفّز بها القطاع الخاص على الاستثمار وخلق الثروة، فإن المقاربة الجديدة تخصص لهذه النفقات مصادر تمويل مرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالاستثمار كالضريبة على الشركات وعائدات المساهمات والمؤسسات ومداخيل التخصص وقسط من الأموال المصادرة وإتاوة عبور النفط والغاز ومداخيل أخرى غير جبائية. وتحدد هذه المقاربة مبلغ نفقات التنمية بمبلغ الموارد الجبائية وغير الجبائية المتعلقة بها حيث تكون موازنة التنمية متوازنة من حيث النفقات والموارد. وإذا طبقنا هذه المقاربة على ميزانية الدولة لسنة 2021، فإن حجم ميزانية التنمية لا يمكن أن يتجاوز مبلغ 5.3 مليار دينار وهو ما هو تمكنه الموارد المخصصة لهذه النفقات بينما خصصت ميزانية الدولة لسنة 2021 حجما يفوقه ب 1.8 مليار دينار وهو 7.1 مليار دينار. ويعتبر المبلغ المقترح لنفقات التنمية مبلغا يستند أكثر الى الواقعية خاصة وأن نسبة إنجاز المشاريع العمومية خلال السنوات الأخيرة لم يتجاوز 70% في أحسن الحالات وهو ما يقارب نسبة نفقات التنمية المقترحة مقارنة بالمبلغ المقدر في ميزانية الدولة لسنة 2021 وهو 74.5%

ميزانية التنمية بالمليون دينار

ق. م. 2021

فارق النفقات

الموارد

النفقات

 

 

 الضريبة على الشركات

3 201,3

نفقات التنمية

5 324,3

 

 

 عائدات المساهمات

800,0

 

 

 

 

 

 

 

 

مداخيل التخصيص

0,0

 

 

 قسط من الأموال المصادرة

50,0

 

 

إتاوة عبور النفط والغاز

306,0

 

 

 مداخيل أخرى غير جبائية

967,0

 

 

المجموع

5 324,3

 

5 324,3

7 148,0

1 823,7

ميزانية الديون

تعتبر هذه الميزانية من أهم الميزانيات على الإطلاق، فهي التي تعكس صورة الدولة التونسية في الداخل إذ تعبر عن منسوب ثقة الشعب التونسي في حكومته وفي الخارج إذ تعتمد مؤسسات الترقيم السيادي على نسبة المديونية العمومية كعامل من العوامل الأساسية لقياس ديمومة الدين العمومي والتصنيف الائتماني. وتعتمد هذه المقاربة على نسبة صفرية للفائدة على الدين الداخلي إذ لا يمكن للدولة أن تقترض من مؤسساتها الوطنية كالبنوك العمومية والبنك المركزي بنسبة فائدة عالية حيث قدّرت الفائدة على الديون الداخلية المستوجبة في ميزانية الدولة لسنة 2021 مبلغا يعادل المرة ونصف مبلغ الفائدة على الديون الخارجية (2.4 مليار دينار). ويمكن للبنك المركزي أن يمول الفائدة على رقاع الخزينة من أرباحه السنوية أو من أرباح البنوك التجارية والتي استفادت بصورة كبيرة من السياسة النقدية المتبعة. وقد قدرت ميزانية الدولة لسنة 2021 الفائدة على الدين الداخلي ب 2.4 مليار دينار.

وإذ يعتبر اللجوء الى الاقتراض الداخلي المقترح في ميزانية الدولة لسنة 2021 ضئيلا جدا بالمقارنة مع الظرف المالي الصعب الذي تعيشه تونس هذه الأيام وصعوبة مهمة الحكومة التونسية في اقتلاع اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي إلا بشروط قاسية قد لا تقدر الحكومة التونسية على تنفيذها، فإن الترفيع في هذا المبلغ أصبح من الضرورة القصوى حتى وإن أدى الى تغيير الفصل 25 من القانون الأساسي للبنك المركزي حول التمويل المباشر لميزانية الدولة. وإذا قارننا المبالغ المخصصة للاقتراض الداخلي في الموازنات السابقة، نلاحظ أنها تجاوزت المبلغ المخصص لميزانية الدولة لسنة 2021 ففي سنة 2016 اقترضت الدولة من الداخل 3.9 مليار دينار وفي السنة الماضية تجاوز هذا المبلغ 14 مليار دينار. تقترح هذه المقاربة نفس مبلغ الاقتراض الداخلي لسنة 2016 وهي السنة التي سبقت اتفاق الصندوق المدد مع صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة 2.9 مليار دولار مع بداية حكومة الشاهد وهو ما يمكن من التقليص في التداين الخارجي الى حدود 8.6 مليار دينار عوضا عن 16.6 مليار دينار مقدّرة في ميزانية الدولة لسنة 2021. وإذا احتسبنا هذا المبلغ بالدولار، فإن قرضا من الصندوق ب 3.1 مليار دولار يعد كافيا لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2021. ويعتبر هذا المبلغ ممكنا بما أن حصة تونس لدى الصندوق تساوي 750 مليون دولار وأن الحد الأقصى الذي يمكن لتونس أن تطلبه يقدر ب 435% من هذا المبلغ وهو 3.2 مليار دولار.

ميزانية الديون العمومية

ق. م. 2021

فارق النفقات

الموارد

النفقات

 

 

الاقتراض الداخلي

3 888,6

الدين الداخلي

4 995,0

7 429,0

2 434,0

الهبات

800,0

          أصل الدين

4 995,0

 

 

 الاقتراض الخارجي

8 653,4

          الفائدة

0,0

 

 

 

 

الدين الخارجي

8 347,0

8 347,0

0,0

 

 

          أصل الدين

6 506,0

 

 

 

 

          الفائدة

1 841,0

 

 

المجموع

13 342,0

 

13 342,0

15 776,0

2 434,0

مجموع الموارد

45 290,1

مجموع النفقات

45 290,1

52 617,1

7 327,0

خلاصة

تمكّن هذه المقاربة من الحد من نفقات الدولة الى حدود 45.3 مليار دينار عوضا عن 52.6 مليار دينار مبوّبة في ميزانية الدولة لسنة 2021 أي بتراجع ب 13.8% في نفقات الدولة وهو تمشي ذهبت فيه أغلب الدول في العالم مثل فرنسا واسبانيا وغيرها من أجال إدارة أفضل للأزمة الصحية. ويتوزع هذا التقليص في نفقات الدولة الى الحد في نفقات الاستهلاك الحكومي ب 3.1 مليار دينار وفي نفقات التنمية ب 1.8 مليار دينار وفي استخلاص الديون ب 2.4 مليار دينار. كما يبينه الجدول التالي.

 

قانون المالية لسنة 2021

المقاربة المقترحة

الفارق

الأجور والدعم

23 519,0

23 519,0

0,0

الاستهلاك العمومي والنفقات الطارئة

6 174,1

3 104,8

-3 069,3

نفقات التنمية

7 148,0

5 324,3

-1 823,7

استخلاص الدوين الداخلية

7 429,0

4 995,0

-2 434,0

استخلاص الديون الخارجية

8 347,0

8 347,0

0,0

النفقات الجملية

52 617,1

45 290,1

-7 327,0

وكنتيجة لتطبيق هذه المقاربة على ميزانية الدولة لسنة 2021، تتقلص الحاجة الى تعبئة الموارد الخارجية من 16.6 مليار دينار الى 8.6 مليار دينار أي 3.1 مليار دولار وهو مبلغ مقدور عليه إما من خلال قرض من صندوق النقد الدولي بنفس المبلغ أو الاقتراض من بعض الدول الشقيقة والصديقة والتي أعربت عن استعدادها لمساعدة تونس في هذا الظرف العصيب.

رضا الشكندالي
أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.