المقاوم التونسي الثائر: علي بن خليفة النفاتي
بقلم علي الجليطي - في إطار مزيد التعريف برجالات تونس الذين طبعوا ببصمتهم تاريخ تونس والذين كانت لهم مكانة في صنع الأحداث وطوتهم آلة الزمن بحيث الذي لا يكاد اليوم يذكرهم أحد وربما لا يعرف عنهم شيئا الغالب من شبابنا، رأيت أن استحضر بشكل موجز وبعيدا عن التحليلات الأكاديمية ما يتوفر من المعلومات عما كان يعرف "بالعجوز المتمرد" و"المقاوم الثائر" وهو الشيخ علي بن خليفة النفاتي الذي كان بطلا من أبطال تونس في القرن التاسع عشر ورمزا من رموز مقاومة الاستعمار، وأن أقدمه للقراء في حلقات مبسطة عبر هذا الفضاء عسى أن يجد فيها الراغب في المعرفة سراجا يسلط ولو بقدر يسير الضوء على هذا الرجل القابع في تاريخ حركتنا الوطنية.
تذكر المصادر(1) أن علي بن خليفة بن راشد النفاتي ولد بشنني قابس سنة 1807، وهو من عرش "نفّات" وعائلة "أولاد خليفة" المنحدرة من قبيلة بني سُلَيْم النجديّة العربيّة التي قدمت مع الزحف الهلالي واستوطنت في المناطق المنحصرة بين مدينتي قابس وصفاقس. تولت عائلة "أولاد خليفة" حُكم القبيلة على امتداد قرون، ولم ينتزع منها إلا في فترات وجيزة، حيث شغل عدد كبير من أفرادها مناصب إدارية عالية، كخلفاء (جمع خليفة) وكواهي وعُمّال (برتبة الوالي في وقتنا الحاضر).
ويعتبر علي بن خليفة ثمرة تربية عائلة بدوية محافظة وميسورة تميزت بالترحال بين الحياة الحضرية في المدن والحياة البدوية في القرى والأرياف. وقد عُرف بمجالسة شيوخ العروش لاكتساب الخبرة والتجربة ومخالطة الشباب الميال للفروسية والصيد. لذلك يقال أن الفتى قد جمع بين التحصيل العلمي والتشبث بأخلاق الفروسية والارتباط بقيم الحرية.
ومما تذكره المصادر أن علي بن خليفة قد اشتهر بين أهله بالتقوى والورع والحرص على إقامة تعاليم الإسلام والتمسك بالولاء الشديد للدولة الإسلامية الممثلة آنذاك في الخلافة العثمانية باعتبارها في تلك الحقبة لا زالت تُعدّ مركز الإسلام وان بدت عليها علامات الشيخوخة والانحدار. وتشير من جهة أخرى إلى حنكته الإدارية والعسكرية حيث تدرج في سلك الوظيف من رتبة "خليفة" إلى "كاهية" ثم إلى "عامل" وطن الأعراض الذي يغطي جهة الجنوب الشرقي. أما على المستوى العسكري فقد وصل إلى رتبة عقيد ثم إلى رتبة فريق أو أمير لواء.
وعند انتصاب الحماية الفرنسية في تونس بتاريخ 12 ماي سنة 1881 كان الرجل يشتغل خطة عامل على الأعراض ويقطن بداره بقرية (شنني) بولاية قابس وتسمى دار الفريك (أي الفريق). وانطلاقا من الإيمان الذي كان يغمر نفسه واعتقاده الشديد بأن طاعة الخليفة العثماني تعتبر أمرا دينيا مقدسا، وأن من يخرج عن طاعته يجب محاربته ولو كان الباي نفسه، فقد أعلن عامل الأعراض الثورة علي الباي سنة 1881 وتزعّم مقاومة الاستعمار بقيادة قبائل عديدة حاولت التصدي للاحتلال الفرنسي. وسنعود بأكثر تفصيل في الحلقات القادمة إلى قصة نضال هذا الشيخ والظروف السياسية التي نشأ فيها والمعارك التي خاضها ضد الاستعمار قبل فشله وهجرته إلى طرابلس حيث توفي بمدينة الزاوية الليبية في 18 نوفمبر 1885.
يتبع
علي الجليطي
(1) من بين المصادر نشير بالخصوص إلى "صراع مع الحماية"، محمد المرزوقي، مطبعة الاتحاد العام التونسي للشغل، تونس 1973/ و"إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان"، احمد بن أبي الضياف، الدار التونسية للنشر، 1990/ و"خلاصة تاريخ تونس"، حسن حسني عبد الوهاب، تقديم وتحقيق حمادي الساحلي، دار الجنوب للنشر تونس، 2007 / وأعمال الندوة الدولية السابعة حول المقاومة المسلحة في تونس في القرنين التاسع عشر والعشرين 18-20 نوفمبر/1993، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية جامعة تونس1، تونس1995/ وكذلك أعمال الندوة الدولية حول الجنوب التونسي من الاحتلال إلى الاستقلال 6-8 ماي 2004، جامعة منوبة - منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية/ سلسلة تاريخ الحركة الوطنية عدد12 تونس 2005/ وعدد من المصادر الالكترونية مثل "من معارك علي بن خليفة"، عبد العالي الشرقاوي، موقع مشاهد 24/ و"في ذكرى وفاة الشيخ المجاهد علي بن خليفة النّفاتي"، منجي باكير، موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس/ ومراجع أخرى مثل "أعلام ومشاهير"، علي بن خليفة النفاتي، ثورة تونس المنسية...
- اكتب تعليق
- تعليق