أخبار - 2021.02.22

قصيدة الدكتور علي الشابي في رثاء الأستاذ منصر الرويسي

قصيدة الدكتور علي الشابي في رثاء الأستاذ منصر الرويسي

كان المرحوم الأستاذ منصر الرويسي، حسب التعبير الاشراقيّ السّينوي، نورا ساطعا، فهو نور بفكره و وجدانه و أشواقه و جميل عمله. و حين نُمِيَإليّ خبر وفاته ُلْذتُ بالوهم وفق ما جاء في قول المتنبي:

طــوى الجــزيرة حتى جــــاءني خبـــر *** فـــزعت فيــه بـــآمـــالي إلىّ الكــذب

لكن سرعان ما تبدّد هذا الوهم تحت سطوة الواقع الأليم، و عندئذ شعرتُ بأن الزمان قد توقَّف و المكان قد اختفى و الظلام قد ساد و الطبيعة قد اختل توازنها، و أجدني قد أسلستُ قِيادي للشعر علّه يطفئ بعض الغُلَّة:

أمطرتْ تونـــــسٌ دموعًا غِــــــــــزارا *** لظـــــــلام أرخى عليها ســـــــــدولا
أمحلَ الـــــروض و الينابيــــــعُجفّت *** و قصـــــــور الخيال باتت طـــــلولا
فغــــــــناء الورقــــــــــاء أمسى بكاء *** و لحون الشحرور أضحت عـــــويلا
و بيــــــــــــــــاض النهار أصبح ليلا *** و النجوم الــــــــوِضَاءُ قارًا جزيـــــلا
مَلُحَ البــــــــــحرُ بعد أن كان شهدا *** و النسيم العـــــــليل صار عليــــــلا

و مِن ثَمَّ اتخذتُ من الأبيات التي صغتُها في تأبيني للمرحوم أساسا لصياغة المرثية البكائيّة التالية:

مــــــــــاذا دهى قــــــلبي فتاة و جــيبه *** و تدفـقـــــــــــــت بنياطه الأكــــدار؟
النـــــــــعي روّعني فلــــــــذت بمأمــــلي *** طمعاإلى الأوهامو هي دثــــــــــــار
فــــــــــإذا الحقيقة عاصف من ولــــوعة *** عــــــــــادي المنيّة ســـــــــيفه البتّار
جفّ المداد كأنّ صـــــــــوت يــــراعتي *** نـــــــــــــوْح يـُـــــــريع بـــــوقعه زخّار
نـــــــــدّت من النظم النضيد شــــوارد *** فـــــــرقا وجدّ الخبن و الإعـــــــــسار
أرخى الحمام على الحبيب ســـــــــدوله *** في لحظة لـــــــــــكأنّها الأدهـــــــــــار
صيغت من الدّمع الصّبيب و من أسى *** فاضت  به الأبصار و الأشــــــــــعار
فالغربة الهــــــــــــــــوجاء بعدك مُنْصِر *** أمــــــــــــــــــواجُ حزن ما لهّن قرار
هذي الطبيعة قد تنأثر عــــــــــــقدها *** لا الليـــــــــل لـــــــيل لا النهار نهار
بمشاعـــــــــري شِمتُ البسيطة زُلزلت *** فإذا البـــــــــلاقع و الطلول ديـــــــار
حـــــــــلّ النهار فكأن ليلا حــــــــالكا *** ألـــــــــــقى الجِرانَ فأظلم الإبصــــــار
أفــــــــــل الرجاء و صـــــوّحت أفنانه *** و تـــــــوقّدت بين الضـــــــلوع جمار
نـــــــــــار من الأحـــــــزان عمَّ ضِرامُها *** مهجا تـــــــــــــــذوب و ذوبُهنّ أُوار
و يجيش بحر اليأس من فـرط الأسى *** المــــــــــــــوج داج و السّواحل نار
فالأربعـــــــــاء قد انقضت أنـــــــــواره *** فاربدّت الآفــــــــــاق و الأبصــــــار
كـــــــــــــانت لنا في الآفلات مجالــس *** الفكــــــــــر لحن و الرّؤى أوتــــــار
في العــــــــــلم في صور البيان مضيئةً *** يتــــــــــــــــــلاحق الإبحار و الإبهار
إن البـــــــدائع في ربــــــــــــيع بيــــانها *** و لحـــــــــــونها لَمـــــــــــــلاذُنا المختار
ما كنت أحسب أنّفــــــــقده ناجز *** و النّائبـــــــــــــــاتِ بمن يُجَلُّحِـــرار
قد كنت أرغـــــــب في رثائه لي إذا *** حُمَّ القضــــــــــاء و أحكمالإعصــــــار
لكن طــــــــــوى الموت الزؤام كتابه *** فاســـتحكمت بيــــــــــن الضلوع شَرار
فكتبت بالقـــــــــــلم الحزين قصيدة *** ورق ينــــــــوح و دمْعُهُ مــــــــــدرار
***************************
زان البــــــــــــلاد بصائبات حلوله *** و لــــــــــــــه الأدلّة معصمٌ و سـوار
كالبـــــــــــــحر يُهدِي للشداة لئالئا *** زُهْـــــــــــــرًا تفيض بسحرها الأنـوار
كالطّــــــل تحضنه الرياض فتنتشي *** منه الزهــــــــــور و تحتسي الأطيـار
أَنَّى ذكرتـــــــــــــــــك مُنْصِرٌليهدّني *** حـــــــــــــزنٌ يجيش بخافقي مــــــوّار
أسكنتَ تونس في الفؤاد فأشرقت *** لك في القــــــــــــــلوب محبّة و فخـار
و أنـــــــــرتَ درب المدلجِين بحكمة *** فاستيسر الإرســـــــاء و الإبحـــــــار
فكــرٌكنوز الشمس يسطع حاملا *** أَلَـــــــــــــــــــــقًابه تتأيّد الأنظـــــــار
قد غصتَ في بحر السياسةلاقطا *** دُررًا بفيض ضيائهن يُـنـَـــــــــــــــــار
مستغرقا في البذل يغمرك السَّـــنَى *** فالــــــــــــباذلون لشعبهم أقمـــــــــــار
لــــــــــــــــكنّما الأيّام و هي خبيئةٌ *** تُعْطِيكَنــــــــــورا ثم تنشب نـــــار
لـــــــــــكنّما الأيّام و هي خسيسة *** تــــــــردى بها الآمـــــــال  و الأعمار
العــــــمرُ ومضُالبرق يظهر لحظة *** و ســــــــراب يوم قائــــــــــظٍ غرّار
و العـــــــــــيش في الدنيا غمام عابر *** الدّهــــــر يعصف و السّنون غبـــار
ضَــــــــــرِمُ الحشا و النائباتُ تغلُّني *** لــــــــرحيل بحر لم تـطلْـــــــــه بحار
بحــــــــــــــــر من الإِنجاز غَمْرٌمَدُّهُ *** أرأيتَ بحــــــــــرًا في القبـــــور يُزار!
تمـــــــضى الحياة و حزننا لا ينقضي *** فالدهــــــــــــر عـــــــادٍ و المَنِيَّةُ دار
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.