تونس: القانون والسياسة في دراما "شعيرة" حلف اليمين للوزراء الجدد
بقلم مولدي الأحمر - يعيش التونسيون اليوم "بهتة" ساسية مخيفة، إذ تتدحرج بين أروقة مؤسسات دولتهم كرة لهب ملعونة، يتمنى كل سياسي أن تنفجر بعيدا عنه: حلف يمين الوزراء أمام رئيس الجمهورية.
أن يحلفوا يكون رئيس الجمهورية قد حنث في وعده ووعيده، ومن يتشوف للمستقبل يمكنه القول بأن ذلك سيتكرر في قضايا أخرى وأنه ما كل مرة ستسلم الجرة! أن لا يحلفوا تكون الحكومة معطلة ورئيس الحكومة في ورطة! كل من الطرفين ربط نفسه بيمين سياسي مكبوت في معركة مكبوتة.
كيف تقرأ هذه العقدة لكي تحل؟ كيف يمكن دحرجة كرة اللهب باتجاه "الخلاء" لتنفجر بعيدا عن الجميع؟
هناك قراءتان للوضعية، لكل منهما مفاهيمها ومرجعياتها ومخرجاتها المحتملة والخاصة، اليقينية واللايقينية: القراءة القانونية والقراءة السياسية.
القراءة القانونية مزدوجة المدخل، ولكنها في كل الحالات تنظر إلى المسألة من زاوية ما يسمح به القانون وما لا يسمح به من خلال تطبيق تمشي تحليلي خال من التناقض الشكلي والمنطقي: القراءة القانونية الشكلية والقراءة القانونية "التأويلية".
القراءة القانونية الشكلية تسأل إن كان في الدستور فصل واضح وبات يفصل في وضعية تغيير الحكومة وما يترتب عنه من إجراءات شبه "شعائرية" يُبطل كل قفز عنها "سحر" الدولة ومؤسساتها وممثليها. فإن وُجد وجب العمل بها حرفيا، وفي الحالة التي نحن بصددها يقول المختصون في القانون أنه لا وجود له في الدستور وهو الوثيقة الأعلى من كل الوثائق الأخرى. وإذا يكون بذلك رئيس الدولة في حل من مشكلة حلف يمين الوزراء، ويكون رئيس الحكومة قد وضع نفسه في مأزق، وعليه أن يجد لنفسه منفذا للخروج منه، بما يترتب على ذلك سياسيا وعلى المستوى الشخصي.
القراءة القانونية "التأويلية" تدخل عناصر أخرى في الحكم غير شكلية، مصدرها فلسفة شكل النظام السياسي البرلماني في تونس، وهو المرجع الذي يعود إليه رئيس مجلس النواب في الجدل القائم، وغياب المحكمة الدستورية التي تجعل من رئيس الدولة أعلى المؤولين، والظروف العصيبة التي تمر بها البلاد والتي لا تحتمل مثل هذه الخصومات.
وإدخال هذه العناصر في التأويل بذهنية وأدوات قانونية – أي إدخالها بلغة قانونية تحت بنود وأحكام صدرت سابقا في أزمنة وأماكن مختلفة- يسمح لجملة هذه الإعتبارات الاجتماعية-السياسية بالدخول إلى مجال فقه "الإفتاء" القانوني الصرف خفية متنكرة في ثوب قانوني. وعندها يصبح تحليل الحالة ومحاولة حل عقدتها بمثابة تقديم موقف اجتماعي-سياسي، يعبر عن رأي خاص أو جماعي، في صيغة قانونية، وهو سبب تضارب آراء القانونيين التونسيين في تحديد توصيف دقيق للحالة والمسلك الصحيح الذي ينبغي السير فيه لحلها.
القراءة السياسية تنزع اللباس القانوني عن الوقائع، وتضعها في سياقها، وتدخل القيم والأخلاق في مجال التحليل. وبمجرد قيامها بذلك تدمج هذه القراءة في مجال التحليل والفهم كل ما يتضمنه مفهوم السياق بشأن الفعل السياسي وشروطه ومواصفات القوى التي تمارسه وصراعاتها ومرجعياتها وأهدافها، وتأخذ كذلك في الحسبان موازين القوى ومسار تفاعلاتها وشقاقاتها المصلحية وآفاقها، وتُلبس الأفعال والمواقف رداء الأخلاق والمصالح.
ومن هذه الزاوية تكون الوضعية التي فيها رئيس الدولة دراماتيكية. فمن ناحية أولى يفرض عليه موقعه المؤسسي احترام الدستور والقانون بصفة عامة، ومن ناحية ثانية يدفعه موقفه السياسي المغروس في الصراعات والتناقضات والأخلاق لأخذ موقف يتوافق مع مع يؤمن به سياسيا وأخلاقيا.
ومولدات الدراما تتمثل في أن لا الدستور يريح الرئيس من خلال تحديده له ما ينبغي عليه فعله بدقة لا لبس فيها، فينفذ ما هو منصوص عليه مرتاح الضمير أمام نفسه ومن يعتقد أنه يمثلهم، وذلك حتى وإن بقيت في حلقه غصة من انتصار القانون الشكلي عليه، وحتى أن بيت في نفسه أمر اقتناص الفرصة لتغيير الشروط الدستورية لعمله. ولا السياسة تعطيه قوة التأويل الرافض لإتمام "شعائر" توزير وزراء غير قابل بهم سياسيا وأخلاقيا، والمضي في ذلك مع أمل مُستحق في الانتصار على الخصوم، إذ لا حزام سياسي له في جميع مؤسسات الدولة.
لقد انتخب رئيس الدولة قيس سعيد من طرف أغلبية ساحقة من التونسيين، وهو القادم إلى السياسة حديثا، بسبب "نظافة يديه" من "وسخ" السياسية ومواردها الباطلة. فلقد جرد النظام السابق السياسة من قيمتها الأخلاقية الحقيقية أو المتخيلة، وجعل الفساد والإفساد في الاقتصاد والسياسة، وكذا الدوس على حريات وكرامة الناس وعلى حقوق المواطنة، حرفة عالية المردودية ماديا واعتباريا، فنفر التونسيين منها حتى غابت عنهم قيمتها المدنية العامة العالية، إلى الحد الذي أصبحوا يرون فن السياسة بنفس العين التي يرون بها فن الفساد.
إن السياسة – وليس غموض أحكام الدستور الذي لا يخلو منه دستور في العالم- هي التي وضعت اليوم السيد قيس سعيد أمام هذا الامتحان الدرامي العسير: الانتصار الراديكالي للمفهوم الثوري الجوهراني للقيم والأخلاق (وهو المفهوم الذي انتصر له في الحقيقة كل ثوار العالم الراديكاليين بقطع النظر عمن نجح منهم في تحقيق الأهداف المرجوة أم لا) ولكن بدون أدوات الراديكالية الثورية الناجحة، أو إعادة البريق لفن السياسة "فيقتل الحنش بالرزانة والتمحميس".
مولدي الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق