أخبار - 2020.09.02

الشيخ محمّد النخلي القيرواني (1869 - 1924): أحـد رجــالات التنوير والإصلاح المغـموريـن فـي تونس

الشيخ محمّد النخلي القيرواني (1869 - 1924): أحـد رجــالات التنوير والإصلاح المغـموريـن فـي تونس

بقلم د. عادل بن يوسف - ركّزت غالبية البحوث والدراسات حول حركة التنوير والإصلاح في تونس خلال القرن 19 ومطلع القرن 20 م إلى حدّ اليوم على بعض الوجوه والأسماء المتداولة و"المستهلكة" لدى العموم على غرار كلّ من: ابن أبي الضياف ( 1802-1874) ومحمود قبادو(1815-1871) والجنرال حسين (1820-1887) ومحمّد السنوسي (1850-1900) ومحمّد بيرم الخامس (1840-1889) وخير الدين باشا (1820-1890) وسالم بوحاجب (1827-1924) والطاهر الحداد (1899-1935)... الخ، إلاّ أنه ولأسباب يطول شرحها،  تمّ تغييب بعض الشخصيات نذكر من بينها الشيخ محمّد النخلي القيرواني. فبالعودة لمسيرة الرجل والخطط التي شغلها وخاصّة مؤلّفاته الكثيرة (المنشورة أو المخطوطة منها) ومواقفه الجريئة من كبرى القضايا الوطنية والعربية- الإسلامية... يمكن اعتباره من رجالات التنوير والإصلاح "الكبار" في تونس بدون منازع كما سنبيّنه لاحقا.

القيروان الحاضنة الأولى للنخلي

ولد الشيخ محمّد بن محمّد بن حمّودة النخلي القصراوي بمدينة القيروان في شهر ربيع الأوّل 1286هـ/جوان 1869م بحومة الجامع (نهج الخضراوين، زنقة الشيخ بوهاها) وسط أسرة عربية تعدّ من أقدم الأسر الوافدة على أولى الأمصار ببلاد المغرب، أصيلة بلدة قصر النخيل جنوب مكّة المكرّمة. وكان أعمامه من مشاهير المؤدّبين وعدول الإشهاد بالمدينة. في سنّ الخامسة التحق بكتّاب عمّه الشيخ محمّد بن رمضان النخلي حيث حفظ القرآن الكريم وبعض متون النحو والفقه... كما تعلّم مبادئ اللغة العربية والعلوم الشرعيّة على أيدي بعض شيوخ القيروان وفي مقدّمتهم الشيخ عمر عيسى. لكنّه لم يقتصر على الدروس التي كان يلقيها شيوخه، بل عكف على مطالعة أمّهات الكتب العربية بمكتبة العائلة في شتّى الفنون كاللغة والمنطق والعروض والبلاغة. وكغالبية القيروانيّين بدأ في نظم الشعر باكرا كما تاق إلى مواصلة دراسته بالجامع الأعظم بالحاضرة.

الحاضرة الحاضنة الثانية ومصدر شهرة النخلي

في خريف سنة 1886 حلّ الشاب محمّد النخلي بجامع الزيتونة المعمور حيث تتلمذ على نخبة من المشايخ الأجلاّء من بينهم عمر بن الشيخ محمد النجار وأحمد بن مراد والطيّب النيفر وصالح الشريف ومصطفى رضوان ومحمّد بن يوسف ومحمود بن محمود وحمّودة تاج... وخاصّة الشيخ سالم بوحاجب الذي ستربطه به علاقات متميّزة. وقد لاحظ أساتذته ما تميّز به الشابّ محمّد النخلي من ذكاء وقدرة على الاستيعاب والإقبال على طلب العلم... حيث لم يكن يقتصر على الدروس الرسمية التي كانت تلقى بالجامع الأعظم، بل كان كثيرا ما يتردّد على شيوخه في بيوتهم ليستفيد من دروسهم ومكتباتهم، إضافة إلى المكتبات المحيطة بالجامع الأعظم كالمكتبة الأحمدية... وبما أنّه لم يكن بجامع الزيتونة حينئذ نظام يحدّد مراتب الدراسة بالسنوات، فقد أحرز شهادة التطويع في شهر جوان 1890 التي خوّلت له التدريس  بجامع الزيتونة بصفة متطــــوّع، إضافة إلى انخراطه في سلـــك شهــــود العـــدالة.

وكان يقضي السنة الدراسية في التدريس بالحاضرة وقد كان محمّد النخلي يعود في العطلة الصيفية إلى مسقط رأسه لمباشرة الإشهاد في مكتب عمّه الشيخ سالم النخلي.

وفي شهر جوان 1895 أعلن عن فتح مناظرة لانتداب مدرّسين من الطبقة الثانية فشارك فيها مع عدد من أقرانه، من بينهم الشيخ احميدة النيفر والشيخ عثمان بن المكّي والشيخ الصادق داود... وكان النجاح حليفه، وبذلك دخل سلك المدرّسين الرسميين بالجامع الأعظم. كما عمل مدرّسا للأدب العربي في معهد الخلدونية وعُيّن عضوا في لجنة تنظيم الكتب بجامع الزيتونة ثمّ عضوا في مجلس إصلاح التعليم بالمدرسة الصادقية فعضوا بالجمعية الزيتونية التي أحدثت للدفاع عن مصالح المدرّسين وطلبة جامع الزيتونة.

المناظرة المنعرج وخيبة أمل الرجل

بالتوازي مع كلّ ذلك كان الشيخ النخلي يتابع دروس المرتبة العليا استعدادا للمشاركة في مناظرة التدريس للمشايخ من الطبقة الأولى، وهي أعلى مرتبة في سلك التدريس بجامع الزيتونة حينئذ. وما إن شغرت خطّة مدرّس مالكي من الطبقة الأولى حتّى شارك في المناظرة سنة 1896 التي فتحت لسدّ ذلك الشغور، مع المشايخ عمر بن عاشور والطاهر النيفر الثاني ومحمّد النيفر صاحب "عنوان الأريب"... لكنّ حالته الصحيّة لم تسمح له بالنجاح فكان الفوز حليف الشيخ عمر بن عاشور، فأعاد الكرّة في السنة الموالية، لكن رغم تألّقه أعلنت لجنة الامتحان عن فوز الشيخ محمّد النيفر (نجل القاضي المالكي بتونس الشيخ الطيّب النيفر). وقد حزّت هذه النتيجة في نفسيّة الشيخ النخلي الذي حبّر في سيرته الذاتية صفحات مفعمة بالحسرة والتألّم من موقف بعض علماء المسلمين بتونس قائلا: "...الذين تدفعهم أغراضهم وأمراض قلوبهم إلى دوس الفضيلة، وإن أدّى إلى إحياء الرذيلة، والتعصّب على الغريب، وإن ظهرت تباشير نفعه ومحاسن صنعه، تعصّب الجاهليّة الأولى إلى بيوت يسمّونها بيوت العلم وهي بيوت الكبر والجهل والتقليد والجمود...". غير أنّ هذا الفشل لم يثبطّ عزيمته فثابر على القيام بوظيفته بكفاءة فائقة وقدرة على التبليغ، في انتظار فتح مناظرة أخرى لانتـداب مدرّس من الطبقة الأولى، وهو ما تمّ في نوفمبـــر 1902، فشـــارك في المناظرة وفاز بالخطّة عن جدارة.

أستاذ الأجيال بالجامع المعمور

قضّى الشيخ محمّد النخلي 35 سنة في التدريس بجامع الزيتونة وجامع عقبة بالقيرون أثناء العطلة الصيفيّة. وساهم في تكوين أجيال من الطلبة من تونس وخارجها من الذين تقلّدوا أسمى المناصب العلمية والدينية والسياسية بتونس وبلدانهم، نذكر من بينهم شيخ الإسلام محمّدالطاهر ابن عاشور وشيخ الجماعة محمّد الصادق النيفر والعلاّمة محمّد البشير النيفر وشقيقه إبراهيم النيفر وشيخ الإسلام محمّد العزيز جعيّط والشيخ معاوية التميمي... ومن الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس (رئيس جمعية العلماء الجزائريين) والمناضل أحمد توفيق المدني ومن ليبيا المجاهد سليمان الباروني... الخ.

و خلال هذه الفترة درّس جلّ المسائل المدرجة في جامع الزيتونة في شتّى العلوم كالنحو والبلاغة وعلم اللغة والأصول والمنطق وعلم الكلام والفقه والحديث والتفسير... أمّا طريقته في التدريس فقد قال عنها أحد قدماء تلاميذه وهو المناضل الجزائري- التونسي أحمد توفيق المدني بجريدة  الصواب بمناسبة نعيه خلال شهر فيفري 1924: "... كانت طريقته في التدريس من أمثلِ الطرق وأفضلها. كان يَعمدُ إلى المسألة فيوسعها تبيانا وتوضيحا، ويحقّق القول فيها تحقيق درّاكة خبير، ويهدي الجالس بين يديه سواء السبيل إلى الاستفادة من كلام الكاتبين، وهو يسمعك من آيات فصاحته وبلاغته بلا تعب ولا كلفة، ما يستهوي لبّك وسمعـــــك ويبهر بصرك وبصيرتك...". ولم يكن التـــــدريس بالنشاط الوحيد للشيخ ممّد النخلي، بل كان له نشط ثقافي –علمي ذو مسحة وطنية.

الناشط في الحقلين الثقافي والعلمي

• صلب الجمعية الخلدونية

انخرط الشيخ النخلي في الجمعية الخلدونية منذ تأسيسها سنة 1896 وألقى بها دروسا في الإنشاء واللغة والآداب العربية...، كما ألّف كتابا في علم الجغرافيا في شكل أرجوزة لتقريب هذا العلم إلى أذهان التلامذة المبتدئين، أسماه "الألفيّة في علم الجغرافيا"، ووضعه في مكتبة الخلدونية على ذمّة طلبة وروّاد الجمعية.

• صلب جمعية قدماء الصادقية

منذ نشأة جمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية في ديسمبر 1905 انضمّ الشيخ النخلي إلى أسرتها قائلا حولها في سيرته الذاتية: …" لقد طفح قلبي سرورا لتأسيس هذه الجمعية، وهذه الضالّة المنشودة التي كنت أدعو الله أن يمنّ بظهورها في البلاد التونسية...". وكان من أوّل المحاضرين على منبر هذه الجمعية. فقد ألقى محاضرة يوم 31 مارس1906 ألقاها على ثلاث حلقات أسبوعية متتالية بعنوان: "نضارة التمدّن الإسلامي"، نشر منها بعض الفصول في مجلة "خير الدين" تولّى خلالها دراسة الحضارة العربية الإسلامية في عهد كلّ من الوليد بن عبد الملك وأبي جعفر المنصور والمأمون.

• صلب لجنة تنظيم الكُتب بجامع الزيتونة

في سنة 1905 انتُخب الشيخ النخلي عضوا في هذه اللّجنة التي بعثتها الحكومة لضبط فهارس الكتب المحفوظة في خزائن جامع الزيتونة، وعيّنت على رأسها القاضي الحنفي الشيخ إسماعيل الصفايحي .كما ضمّت المؤرخ محمّد بن الخوجة والمدرّسين المشايخ: محمّد الطاهر ابن عاشور ومحمّد النيفر ومتفقّد خزائن الكتب بالجامع الأعظم، محمّد الحشايشي. وقد باشر النخلي هذه المهمّة مدّة ثلاث سنوات إلى أن قام الكاتب العام للحكومة التونسية "برنار روا"Bernard Roy" بفصله بسبب أفكاره الإصلاحية ومواقفه الوطنية.

• محنة الرجل واتّهامه بـ "الضلالة" من بعض مشايخ الزيتونة

استغلّ بعض العلماء المحافظين قضية "المسخ" التي أثارها عدد من طلبته، لشنّ حملة صحفية شعواء ضدّ الشيخ النخلي، لأنّه أكّد في أحد دروسه عرضا، اعتمادا على رأي أحد المحدّثين الكبار أنّ المسخ الذي ورد ذكره في القرآن في قوله تعالى: { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين}، ليس المقصود به مسخ الإنسان إلى قرد، وإنّما هو مسخ الأخلاق والملكات...، تُمسخ أيّ تتغيّر من فضيلة إلى رذيلة. فثارت ثائرة شيوخ الزيتونة الذين اعتبروا أنّ الاعتقاد في مسخ الصور ركن أساس من أركان الدين وتهجّموا على النخلي ورموه بالضلالة وطعنوا في عقيدته. لكنّه لم يضعف ولم يستكن، بل ظلّ متمسّكا بآرائه الإصلاحية ومواقفه الرائدة. وقد شدّ أزره في محنته نخبة من تلاميذه النجباء أمثال محمّد الطاهر ابن عاشور ومحمّد البشير النيفر وشقيقه إبراهيم النيفر وصالح السويسي  ولاسيّما الطالب الشاب الطاهر الحداد... وليس من قبيل الصدف أن يعتبر كل هؤلاء دخول المرأة معترك النضال الاجتماعي والسياسي مع الرجل، محطّة ضرورية لتقدّم المجتمع العربي الإسلامي عامّة والمجتمع التونسي خاصّة.

أفكار الشيخ النخلي الإصلاحية

كان أوّل مقال خطّه النخلي في الاعتداء على المقدّسات الإسلامية بمدينته القيروان ثمّ تطوّرت كتاباته لتشمل كلّ ما هو متّصل بالشأن الإسلامي. كما نجد صدى لأفكار النخلي الإصلاحية في كلّ ما كتبه من نثر وشعر وفي كلّ ما نشره من دراسات وفصول..

إصلاح التنظيمات ومجاراة الأمم الأوروبية في العلوم العصريّة: جاء في سيرته الذاتية: "... يوجد في فطرة العبدِ منذ نشأته العلمية ميل كلّي إلى مطالعة الجرائد السياسيّة والمجلاّت العلميّة، والتآليف المستحدثة في الفلسفة وعلم الاجتماع، وعشق بلغ حدّ الغرام والهيام بالإصلاحات والتنظيمات بشرط أنّ يكون عليها طابع الدين...".وأضاف قائلا: "... وكنت ولوعا جدّا بمبادئ الأستاذين الحكيمين الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمّد عبده. فقد طالعت ما كتباه من التآليف العجيبة وعرفت كنه ما يرميان إليه من إعادة مجد الإسلام بواسطة فهم القرآن ومجاراة الأمم الأوروبية في العلوم والترقيات البشريّة، وأودّ أن تكون بتونس نهضة علميّة كالتي بمصر والهند وتركيا." …

وكان النخلي يتابع نشاط زعماء الإصلاح بالمشرق مثل جمال الدين الأفغاني ومحمّد عبده ورشيد رضا ويطالع مؤلّفاتهم وكتاباتهم بمجلّة "المنار" منذ صدورها في سنة 1898. من ذلك أنّه لما طالع "رسالة التوحيد" للشيخ محمّد عبده وجّه إليه مكتوبا في ربيع الأوّل سنة 1318هـ/جويلية 1900م نوّه فيه بتلك الرسالة التي قال عنها: "... إنّها لو جعلت أساسا للتعليم لاسترحنا من كتب قشورها أكثر من لبابها، ولكنّا بلينا بتقليد كلّ قديم والشغف بالثناء على العظم الرميم...".فأجابه الشيخ محمّد عبده بمكتوب مؤرّخ في 15 جمادى الأولى سنة 1318هـ/سبتمبر 1900م، أوصاه فيه بالخصوص بـ "... مزاولة البحث فيما ينقّي العقائد من شبه الإشراك وغرور اليأس والطمع وجراثيم التواكل والكسل، وبنشر ذلك بكلّ وسيلة تمكّن منها، ثمّ الصبر على ما يقول المقلّدون ويهذي به المتكبّرون ممن يلقّبون بالعلماء وهم لا يعلمــــون... ".

ومن فرط إعجاب النّخلي بـ "رســـالة التوحيد" أنّه تولّى تدريسها لتلاميذه ومريديه بالقيروان وفي مقدّمتهم الشاعر القيرواني صالح السويسي، أثناء العطلة الصيفية، فأثار غضب المشايخ المحافظين الذين شنّوا عليه حملة شعواء في تونس للتشهير به من أجل اتّباعه منهج الشيخ عبده، واتّهموه بـ "فساد العقيدة والحياد عن مذهب أهل السنّة". لكنّ الشيخ النخلي لم يتأثّر بمعارضة خصومه الرجعيين، بل استمرّ في دعوة المسلمين إلى الأخذ بأسباب الحضارة الحديثة وتلقيح الثقافة العربية الاسلامية بالعلوم التطبيقية التي استمدّت منها الدول الأوروبية قوّتها المادية وسيطرتها على مختلف أصقاع العالم .وقد نشر في جريدة "الحاضرة" يوم 30 أفريل 1900 قصيدة بليغة (في البحر الطويل) لحثّ المسلمين على مجاراة الغربيّين في نهضتهم الفنية والاقتصادية والعلمية...، طالعها:

هو المجد في الإسلام أثّله العلم 

إليه دعا دين به انقشع الوهم

كما رثا الشيخ محمّد عبده إثر وفاته

إصلاح التعليم: طالب الشيخ النخلي بتطوير برامج التعليم الزيتوني التي لم تعد في نظره تتماشى مع مقتضيات العصر الحديث، إذ لم تزل مقصورة على حفظ المتون والشروح والحواشي... كما نادى بضرورة تجديد الطرق والأساليب التربوية بإعمال العقل وتوخّي سبل الفهم والإدراك، وعلى أساس هذه الأفكار أيّد مطالب طلبة الزيتونة الذين أضربوا عن الدروس سنة 1910 للمطالبة بإصلاح التعليم في معهدهم، وأسهم مع عدد من زملائه المدرّسين أمثال محمّد الطاهر بن عاشور ومحمّد الخضر بن الحسين والصادق النيفر والطيّب رضوان …في بعث جمعية زيتونية على غرار جمعية قدماء الصادقيّة لكنّ حكومة "الحماية" لم توافق على إنشاء هذه الجمعية بدعوى أنّ ذلك من شأنه "أنّ يؤدّي إلى خرق سياج الاحترام بين الأساتذة والتلامذة".

ومن جهة أخرى انتقد الشيخ النخلي البرامج والمناهج الجاري بها العمل بالمدرسة الصادقية التي حاد المشرفون على حظوظها من الفرنسيين عن الأهداف التي رسمها له خير الدين باشا عند تأسيسه لها سنة 1875، فاستغلّ فرصة تعيينه عضوا في لجنة إصلاح التعليم بالمدرسة الصادقية للمطالبة بالزيادة في الحصص المخصّصة لتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية وتجديد طرق التدريس، ولكنّه اصطدم بمعارضة مدير التعليم العمومي لويس ماشويال، ومدير الصادقية "ماريوس دلماس "Marius Delmas" الذي كان، على حدّ قوله: "متعصّبا على اللغة العربية وأبنائها ."كما سخّر الشيخ النخلي قلمه للدفاع عن اللغة العربية وإبراز مزاياها، ودعوة أبنائها للنهوض بها. وحرّر عدّة فصول ومقالات في الغرض، منها الرسالة القيّمة التي نشرها بتونس ومصر سنة 1909 تحت عنوان "حياة اللغة العربية"، وأعاد ابنه نشرها بتونس سنة 1937.

• تطهير العقيدة الإسلامية من الشوائب: مثل زعماء الإصلاح المسلمين في المشرق، دعا الشيخ النخلي، إلى تطهير العقيدة الإسلامية ممّا علق بها من رواسب الخرافات والأوهام، وما اختلط بها من باطل مناف لروح التوحيد الخالص، كالاعتقاد في الأولياء الصالحين وتقديس أضرحتهم وزواياهم، كما دعا إلى تحرير الفكر الاسلامي من قيود التقليد والجمود والتحجّر ونادى بإعمال العقل لفهم النصوص الدينيّة فهما جيّدا وتأويلها تأويلا صحيحا، لأنّ الله كرّم الإنسان بالعقل وجعله بمقتضاه خليفته في الأرض، وما تأخّر المسلمون دينا ودنيا إلاّ بسبب الجمود والتقليد وتعطيل الاجتهاد.

ولم يقتصر الشيخ النخلي على بثّ أفكاره وآرائه الإصلاحية في أذهان تلاميذه، بل نشرها على صفحات مختلف الصحف والمجلاّت الصادرة بتونس نخصّ بالذكر منها جريدة "الحاضرة " لسان حال حركة الشباب التونسي وجريدة "الزُّهرة" ذات النزعة الإسلامية لصاحبها عبد الرحمان الصنادلي، ومجلة "السعادة العظمى" وهي أوّل مجلّة ثقافية تونسية أصدرها الشيخ محمّد الخضر حسين سنة 1904، ومجلّة "خير الدين" لصاحبها محمّد الجعايبي.

آثاره ومؤلّفاته

ترك الشيخ محمّد النخلي 13 مؤلَّفا ومخطوطا في شتّى الأغراض: في اللغة العربية والتفسير والفقه والسيرة والتاريخ والجغرافيا والمرأة والمساحة المنطق والنحو والعروض...، منها ما صدر في حياته ومنها ما صدر بعدها ومنها ما يزال مخطوطا ومنها ما هو مفقود وهي تباعا:  حياة اللغة العربية (رسالة طُبعت في حياته سنة 1909 وأعيد طبعها سنة 1937 بتونس) - سيرته الذاتية (نشرها ابنه عبد المنعم النخلي ضمن كتاب آثار الشيخ محمّد النخلي، تحقيق حمّادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1995) - حواش على المزهر للسيوطي (مخطوطة) - رسالة في المرأة المسلمة (مفقودة) - رسالة في الفقه المالكي (مخطوطة) - تراجم بعض الأعلام التونسيّين (مخطوطة) - تفسير آيات من الذكر الحكيم (مخطوط) - تاريخ إفريقية من الفتح الاسلامي إلى آخر الدولة الفاطمية (مخطوط) - كتاب في علم المنطق (مخطوط) - شرح منظومة المزني (مخطوط) - ألفيّة في الجغرافيا (مخطوطة بدار الكتب الوطنية رقم 16580) - أرجوزة في المساحة (مخطوطة) - منظومة في علم العروض (مفقودة).

مرضه ووفاته

رغم المرض العضال الذي ألمّ به في وقت مبكّر، وهو معضلة العصر حينها، داء الزهري فقد أمكن للشيخ النخلي القيام بكل نشاطاته واتخاذ مواقفه وكتابة مؤلفاته تلك. وقد خصّه بصفحات من سيرته الذاتية، بالحديث عن تردّده على الأطباء التونسيين والأجانب، من بينهم الدكتور البشير دنقزلي والدكتور حسين بوحاجب نجل الشيخ سالم بوحاجب... كما كان مطلعا على كلّ ما كتب عنه بالخارج، وخاصة في مصر.

ورغم العلاج فقد لازمه هذا المرض إلى أن أودى بحياته في 11 رجب 1242هـ/ 16 فيفري 1924م، وحمل جثمانه إلى القيروان ودُفن من الغد بالجناح الأخضر من مقبرة الأشراف وكانت جنازته مشهودة ورثاه البعض من طلبته بقصائد شعرية مؤثرة نشرت في الصحافة حينئذ

ع.ب.ي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.