عبد القادر معالج: إمرأتنا في الشريعة والمجتمع

عبد القادر معالج: إمرأتنا في الشريعة والمجتمع

باديء  ذي بدء أعتذر للمرحوم الطاهر الحداد لاستعمال هذا العنوان الذي هو عنوان كتابه المشهور والذي أثار عند صدوره سنة 1930 موجة كبيرة من النقد اللاذع، وأكبر مثال على ذلك الكتاب الذي نشره الشيخ  محمد الصالح بن مراد  وعنوانه "الحداد على إمرأة الحداد"  والذي لم يرد في خاتمته كما يشاع خطأ هذه دفعة على الحساب ريثما أقرأ الكتاب و هي جملة قالها راجح إبراهيم في مقال نشره بجريدة "النديم" التي أسسها الشاعر الهزلي المعروف حسين الجزيري.

    منذ أيام قليلة وبالتحديد يوم 13 أوت احتفلت تونس بصفة محتشمة بعيد المرأتميزت بذلك الحفل  الجميل الذي أقامه رئيس الجمهورية لتكريم مجموعة من السيدات اللاتي تحملن مسؤوليات فكن في مستوى الأمانة، لكننا استغربنا والحق يقال من غياب الدكتورة المتميزة التي صارت معروفة لدى القاصي والداني في تونس وهي تقود حملة مقاومة فيروس الكوفيد 19 نصاف بن علية التي لم تكن من بين الموسٰمات وهي في الظرف الراهن أجدر نسائنا بالتكريم.

   لا يخفى على أحد أن لتونس منذ الاستقلال  أعياد وطنية إضافة إلى الأعياد الإسلامية التي تتشارك فيها جلّ البلدان الإسلامية وهي عيد الفطر وعيد الإضحى الذين سنهما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأضاف إليهما بعض البلدان الإسلامية المولد النبوي الشريف رغم اعتراض الو هابيين على ذلك واعتبارهم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة و كل بدعة في نظرهم  ضلالة رغم أن عمر ابن الخطاب  والإمام الشافعي قالا إن  من البدع ماهو حسن ، وقد تحدثت من قبل عن هذا الاختلاف في الرأي في كتابات سابقة وبينت رأيي في الموضوع ولا أريد الرجوع إليه.

أعياد تونس الوطنية خمسة وهي أساسا  عيد الاستقلال 20 مارس عيد النصر في غرة جوان وعيد الجمهورية فير 25جويلية  وعيد المرأة في  13 أوت وعيد الجلاء في 15 أكتوبر، كنا في تونس بعد الاستقلال  نحتفل بهذه الأعياد وتتزين البلاد قي كل تلك المناسبات، لكن بعيد ما سمي بثورة 14جانغي 2011 تعمد حكام تونس الجدد تجاهل نلك الأعياد الوطنية تنكرا لما فام به المناضلون الصادقون لنيل استقلال البلاد وبناء الدولة التونسية الحديثة،ومن نكد الدهر أن هيئة الحقيقة والكرامة زاغت عن مهمتها الأصلية ونصبت نفسها لمحاكمة بورقيبة و رفاقه وبلغ بها الأمر إلى اتهام بورقيبة بالخيانة والعمالة وعوض أن تحقق المصالحة بين كل فئات الشعب التونسي فقد زادت في تمزقه وتشتته وفي النهاية لم يؤت عملها أكله وكان  مضيعة للوقت والمال أكثر منه أي شيء آخر.

احتفال تونس  بعيد المر أة  مرده في الحقيقة إلى الدورالعظيم الذي أدته المرأة التونسية أثناء النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي ثم القفزة العلمية التي حققتها  بعيد الاستقلال في المجالات كافة،  اليوم  المرأة هي المعلمة والأستاذة والممرضة والطبيبة والقاضية والمحامية ورئيسة بعض الهيئات والجمعيات الدولية وغير ذلك من المهن الحرة، هكذا تبقى المرأة التونسية  شمعة مضيئة في تاريخ تونس الحديث وهذه الأهمية التي اكتسبتها المرأة في حياة مجتمعنا و نحن مجتمع مسلم لم تأت من فراغ بل هي نابعة  من إرادة  الله أولا و  رسوله ثانيا و من همة الرجال المصلحين  ثالثا.

أولا: تجسيدا  لقيمة المرأة خصص الله لها في محكم التنزيل سورة كاملة هي من أطول ثلاث سور في القرآن، في هذه السورة أو ضح الله جل شأنه واجبات المرأة وحقوقها وخاصة فينا يتعلق بالزواج والميراث باستثناء أحكام الطلاق التي ورد توضيحها في أعظم سرورة القرآن وهي سورة البقرة التي لها فضائل عظيمة،  وتعترضنا  في سورة آل عمران آية  تفيد أن المرأة مفضلة أحيانا على الرجل إذ قال جل شأنه فلما وضعتها (المقصودة هي إمرأةعمران)" قالت ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت  وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم"....

الرسول محمد صلى الله عليه و سلم كان من جهته  يحب المرأة ويحترمها، ومما قاله : المرأة لا يكرمها إلا كريم  ولا يهينها إلا لئيم ، ومما قاله في خطبة الوداع أوصيكم بالنساء خيرا، ولا أريد أن أمر دون ذكر حديث معروف رغم أن ضعيف الجنة تحت أقدام الأمهات وفي الأثر وردت  أحاديث وأقوال كثيرة ، ومن منا لا يتذكر قصيدة حافظ إبراهيم التي  مطلعها "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق"..

     دون التركيزعلى وضع المرأة قبل الإسلام إذ كانت البنت  توءد مذ ولادتها وتؤرث لأنها كانت تعتبر عارا على العائلة إذا قدر لها أن تعيش كما تؤرث سائر الممتلكات ت والمكاسب الأخرى يمكن. 

المرأة المسلمة كانت تقوم رغم كل ذلك  بأدوار هامة منذ عهد الرسول إذ كانت تشارك حتى فى الغزوات وحادثة الإفك والمرأة التي حمت الرسول في غزوة أحد أكبر دليل على ذلك، أما الحديث الذي يردده أصحاب الرأي الظلامي "لآ يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة" فهو حسب جميع المفسرين خاص بقوم توفي ملكهم في فارس فولو أمرهم إمرأة ولا ينطبق على سائر نساء العالم، الفرس قبل دخولهم بيت الإسلام كانوا مشركين وهم المعنيون بسورة الروم  حيث فال جل شأنه"غلبت الروم في أدنى الأرض  وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين".  الروم لم يكونوا مشركين لذلك وعدالله بالنصر بعد بضع سنين.

أما الحديث الذي يقول "النساء ناقصات عقل ودين"   فهو مكذوب حسب ما أوضح الرسول نفسه الذي قال ما مفاده ما كان من حديثي موافقا للقرآن فخذوه وما كان مخالفا للقرآن فلا تأخذوه وليس في القرأن وأنا لا أنفك أقرؤه ما يشير إلى أي  من تلك الصفات، ليس بإمكاني طبعا أن أقوم باستعراض الأدوار التي أدتها النساء عبر التاريخ في سائر البلاد الإسلامية على غرار شجرة الدر في عهد ما في مص ورابعة العدوية، ولكن لا ضير أن نشيرإلى أن تونس أنجبت  نساء شهيرات كثيرات منهن فاطمة الفهرية وعزيزة عثمان والسيدة المنوبية وغيرهن وقد خصص لهن حسن حسني عبد الوهاب كتابا بعنوان" شهيرات التونسيات" ونسج على منواله الهاشمي السبعي الذي نشر 15  مقالا بالفرنسية حول شهيرات التونسيات بالجريدة  الناطقةبالفرنسية التي كانت تصدر في الأربعيتيات من القرن الماضي تونس المساء.Tunis Soir النهضة النسائية التي بدأت تشهدها تونس منذ أوائل القرن العشرين كانت لهارائدات شهيرات منهن على سبيل الذكر لا الحصر بشيرة بن مراد ابنة الشيخ  محمد الصالح بن مراد المذكور سابقا وقد يكون أمرها مستغربا كيف تكون ما كانت و والدها كان من مناهضي الحداد وهي التي أنشأت في الثلاثنيات من القرن الماضي أول اتحاد نسائي تونسي وكانت تكتب المقالات لتوعية المرأة التونسية  وتنشرها في مجلة الإسلام التي أنشأها والدها، من الرائدات أيضا لا بد من من ذكر توحيدة بن شيخ التي كان  خالها الطاهر بن عمار الوزرير الأكبر الذي قاد الوفد التونسي  في المفاوضات مع الجانب الفرنسي ألتي آلت إلى إبرام وثيقة استقلال تونس . بفضل مساعدة دكتور فرنسي لاحظ ذكاء البنت  تمكنت توحيدة من مواصلة تعلمها العالي في فرنسا ونالت شهادة الدكتورا في الطب و كانت أول طبيبة تونسية  وعند عودتها إلى تونس أقامت بشيرة بن مراد حفلا مشهودا تكريما لها، وكانت  توحيدة  بن شيخ أيضا أول صحفية تونسية إذ أسند إليها مؤسس مجلة ليلى الناطقة بالفرنسية عمر زروق رئاسة تحرير المجلة وكانت تمضي مقالاتها باسمها المستعار ليلى.

وقد كان للمرأة التونسية مسامة كبيرة في المعركة ضد المستعمر الفرنسي وشاركت في مظاهرات عديدة و من الأسماء التي يحب علينا تذكرها  راضية الحداد ومجيدة بوليلة التي استشهدت في حادث مرور شمال تونس صحبة أربعة من المناضلين الكبار كانوا في رحلة متوجهين إلى شمال البلاد في مهمة نضالية.
هناك رائدات أخريات لا يتسع هذا  المجال للحديث عنهم جميعا وقد كنت  تحدثت عن كثيرات منهن في كتابي : " الصحافة النسائية في تونس بالعربية "والإعلام النسائي" وقد نشر في باريس.

لكن المرأة التونسية لم تخض معركة تحريرها منفردة  بل وقف إلى جانبها رجال مصلحون خلصت نيتهم وصدق عهدهم وبلغوا مبتغاهم،  من بين الرجال الذين دافعوا عن حق البنت في التعليم   يمكن ان نذكر أحمد ابن أبي الضياف وعبد العزيز الثعالبي ويوسف الرويسي والشيخ سالم بن حميدة الذي  كان أول من أرسل بناته إلى المدرسة في جهة الساحل، لكن الرجلين  الذين تميزا عن غيرهما في الدفاع عن المرأة هما من غير منازع الطاهر الحداد والحبيب بورقيبة، بيد إن دفاع الطاهر الحداد  الذي أشرنا إليه في مستهل هذه الورقة بقي في المستوى النظري إذ إن الرجل لم يتحمل أي مسؤولية سياسية حتى يضع أفكاره حيز التنفيذ، لذلك يكون الرئيس الحبيب بورقيبة نسيج وحده إذ أنه  لم يستطع أحد من الشيوخ المحافظين أن يمنعه من وضع أفكاره حيز التنفيذ، وكان أول قانون أصدره قي 13 أوت 1956مباشرة بعد اعتلائه سدة رئاسة الحكومة هو مجلة الأحوال الشخصية التي اضحت مضرب الأمثال لا في العالم العربي والإسلامي فحسب حيث لا يوجد لها مثيل ولكن في سائر بلدان العالم وحققت المجلة للمرأة التونسية ما لم يتحقق لأي إمرأة في العالم الإسلامي وحتى في بعض البلدان المتقدمة والحقوق التي جاءت بها المجلة معروفة و لا فائدة من مزيد الخوض فيها.

عبدالقادر المعالج
إعلامي سابق       

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.