سليم الكرّاي: المؤسسة الاقتصادية أمام موجة ثانية من "الكوفيد 19" الإنعاش قبل الإفلاس
بقلم سليم الكرّاي - اجمع كل الخبراء والمختصين وحتى السياسيين في الأحزاب و والمنظمات أن الاوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد التونسية في هذا الظرف الدقيق والحساس هي أكثر من صعبة بل هي كارثية خاصة ونحن نعيش موجة ثانية من "الكوفيد 19". كيف تبدو الاوضاع ميدانيا وداخل النسيج الاقتصادي وتحديدا بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة العمود الفقري للاقتصاد التونسي ومحركه الأساسي من حيث حجم الاستثمارات ومن حيث عدد مواطن الشغل ونسبة النمو التي يحققها . الجميع يعلم ويدرك أن هذه المؤسسات لها دور حيوي في التشغيل وفي خلق الثروة وفي بنية النسيج الاقتصادي بصفة عامة ، كما يتفق كل المحللين أن أوضاع جل هذه المؤسسات هشة ودقيقة خلال كامل الفترة التي تلت سنة 2011 وزادتها هشاشة أزمة "كوفيد 19" أو ما يعرف بجائحة كورونا التي هددت النسيج الاقتصادي وتحديدا المؤسسات الصغرى والمتوسطة في وجودها قوة الدفع الأولى في خلق مواطن الشغل والحد من ظاهرة البطالة وتداعياتها الاجتماعية.
كيف تبدو الاوضاع ؟ وماهي ملامحها ؟ وكيف عاشت المؤسسة تلك الظروف الصعبة والمستحيلة في بعض الحالات ؟ وماهي السبل والوسائل الممكن اتباعها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولإنعاش هذه المؤسسات ومن ورائها الاقتصاد التونسي في واحدة من ركائزه الأساسية وذلك قبل إفلاسها والدخول في متاهات لا يمكن التنبؤ بتداعياتها العاجلة والآجلة.
سأنطلق هنا من تجربة ميدانية عشتها شخصيا،، بدايتها كانت سنة 2011 واليومزادتها جائحة كورونا حدة. لن استعرض الاوضاع الصعبة التي مرت بها التجربة ولكنني سامر مباشرة الى الاوضاع الحالية وتحديدا بعد أزمة كورونا بالرغم من تأثير مخلفات أزمة 2011 عليها بشكل كبير ،، ولن أقوم بتشخيص المشهد الاقتصادي الذي خلفته أزمة كورونا ، ولن أستعرض الاجراءات المعلنة من الحكومة وقتها للتخفيف من مضاعفات تأثيرات الأزمة على المؤسسات الصغرى والمتوسطة بالخصوص بل سأتناولبالتحليل خطورة الاوضاع الناجمة عن الجائحة ومرافقة الاجراءات الحكومية للمؤسسات المتضررة ومدى ناجعة تلك الاجراءات واستطاعتها على امتصاص التداعيات الخطيرة.
الإنقاذ قبل الإفلاس و الاندثار
تؤكد الأرقام والإحصائيات أن للمؤسسات الصغرى والمتوسطةمكانة استراتيجية في النسيج الاقتصادي التونسي فهي المشغل الكبير والأساسي لليد العاملة وهي المحرك الفعلي للاستثمارات وهي الدافع لتطوير نسبة النمو في البلاد . آخر الاحصائيات تقول ان عدد هذه المؤسسات بلغ حوالي 5300 مؤسسة توفر تقريبا 530 الف موطن شغل ما يعادل 55% من مواطن الشغل بالقطاع الخاص. أوضاع جل هذه المؤسسات هشة وصعبة ، جل مشاكلها مشتركة أبرزها توفير السيولة المالية وضمان الحد الأدنى من الأموال المتداولة من أجل ضمان التصرف السليم والناجع وبالسرعة المطلوبة . وقد استطاعت هذه المؤسسات أن تلعب دورا بارزا في تحقيق بعض التوازنات الاقتصادية والمالية وبالتالي الاجتماعية والإنسانية رغم الظروف الصعبة التي تعيشها نتيجة الاوضاع العامة في البلاد ولكن وبعد أزمة كورونا والتداعيات المحلية والإقليمية والعالمية التي خلفتها لم يقدر الجزء الأكبر من هذه المؤسسات على الصمود ولم يتمكن من التوفيق بين الاستمرار في النشاط والحفاظ على مواطن الشغل والإيفاء بالتزاماتهتجاه الحرفاء والمزودين . كل المؤسسات كانت تدرك تلك الهوة وكل المؤسسات كانت تشعر بالصعوبات المنتظرة وكل المؤسسات تقريبا اصبحت تعيش نفس الضغوطات اليومية بين ضرورات الاستمرار في النشاط وبين الصعوبات الحقيقية في توفر السيولة المالية التي تدهورتجراء التوقف القسري عن النشاط لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر. وكل صاحب مؤسسة اصبح هاجسه الاول والاخير كيف يوفر اجور موظفيه وعماله اخر الشهر وكيف يسدد التكاليف القارة الضرورية مثل الكهرباء والماء والاتصالات الى جانب الالتزامات الجبائية والاجتماعية وذلك قبل التفكير في التزود بالمواد الأولية الضرورية لمواصلة عملية الإنتاج.وكل المؤسسات انتظرت مرافقة الاجراءات الحكومية لعلها تخفف عنها اوجاعها وآلامهاولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه.
كل المؤسسات تابعت إجراء أحداث صندوق الضمان بخمسمائة مليون دينار لمساندة المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى جانب صندوق الثلاثمائة مليون دينار لمساندة المؤسسات التي تشكو صعوبات ، كل المؤسسات انتظرت التفاعل مع هذه الصناديق عبر المؤسسات البنكية أو الهياكل واللجان المحدثة من أجل المرافقة والمساندة ولكن يبدو أن تفاصيل بعض الأوامر التطبيقية إلى جانب البيروقراطية الإدارية أخرت في هذه التفاعلات . من هنا تأكدت للعديد من المحللين والمتابعين للشأن الاقتصادي ضرورة التسريع في تفعيل القرارات حتى لا تصبح ذات مفعول عكسي وغير ذات جدوى. يجب في مثل هذه الحالات السرعة والنجاعة والفاعلية حتى نضمن النجاح وتحقيق الأهداف المنتظرة وإلا اصبحنا مثل الطبيب الذي يشخص المرض ولكن بالتباطؤ في تقديم الدواء للعلاج تتدهور أوضاع المريض مما يتسبب في هلاكه، نفس الوضع بالنسبة للمؤسسات اذ ما هي الفائدة في تشخيص المرض والتأخر بعد ذلك في تقديم العلاج مما يتسبب في هلاك المؤسسة وافلاسها وما يخلفه ذلك من مضاعفات اقتصادية واجتماعية.
الحلول السريعة المطلوبة
أمام هذه الاوضاع المتسارعة والمخاطر الناجمة عنها خاصة ونحن امام عودة الجائحة عالميا وإقليميا ومحليا ما هي الانتظارات والحلول الممكنة سواء في إطار تفعيل القرارات والإجراءات السابقة أو الجديدة المطلوبة وبسرعة لإنقاذ النسيج المؤسساتي في تونس وانتشال ما يمكن انتشاله من الإفلاس، ما هي وسائل الإنعاش الضرورية قبل فوات الأوان وما هي المتطلبات التي من الواجب توفيرها حتى لا تتحول مؤسساتنا الصناعية بالخصوص الى هياكل معدنيةبمفعول الزمن سوف تصبح خردة يأكلها الصدأ.
المطلوب في مثل هذه الاوضاع هو جعل أولوية الأولويات إنقاذ المؤسسة التونسية من الاندثار وحمايتها مهما كان وضع هذه المؤسسة وهنا لا يجب التفريق بين واحدة مصنفة وأخرى غير مصنفة ، كل المؤسسات سواسية والتي قابلة للإنقاذ لا بد من إنقاذها ومساعدتها ولا يجب التفريق بين هذه المؤسسة انتفعت في الماضي وقبل الجائحة ببعض البرامج الخاصة بالمساعدة وأخرى لم تنتفع فهذا التفريق لا يساعد على مزيد الاستثمار وبعث المشاريع الحل الوحيد للقضاء على البطالة، إنقاذ المؤسسات لا يجب أن يترك للمؤسسات بمفردهادون المساعدة والمتابعة والمرافقة من الهياكل الاقتصادية والمالية وهنا لا بد من التفكير في بعث آليات وبسرعة،بعيدا عن التردد أو الشروط التعجيزية،لتوفير الأموال المتداولة وهو الجانب الذي يؤرق جل أصحاب المؤسسات لأنه دون الأموال المتداولة لا يمكن للمؤسسة الاقتصادية وخاصة المؤسسة الصناعية أن تعيش وتستمر وتحافظ على مواطن الشغل بها ، ولمعرفة حاجيات المؤسسات من هذه الأموال يمكن الاعتماد على البنوك أو الاستعانة بهياكل مرنة جدا يتم أحداثها للغرض من قبل وزارة المالية تشرف عليها خلية متابعة تحدد الحاجيات المطلوبة وبسرعة حتى تتمكن المؤسسة من العيش وبالتالي لا تلجأ إلى الإغلاق والتوقف عن النشاط قبل الإفلاس والاندثار، كما تمكن هذه الخلايا من مرافقة المؤسسات ومتابعة مساعيها لدى البنوك بالتنسيق مع البنك المركزي لمراقبة سرعة إنفاذها للقروض حتى تتمكن من الحفاظ على نشاطها في مرحلة اولى ثم توسيع ذلك النشاط واستئناف دورها في الاقتصاد . بهذه الحالة فقط يمكن مساعدة المؤسسة على استرجاع قوة التصرف الذاتي لديها ولعب دورها في دفع الاقتصاد من خلال العودة إلى عجلة الإنتاج وبالتالي المساهمة في تنمية مداخيل الدولة من خلال الجباية وفي التقليص من المضاعفات الاجتماعية السلبية من حيث المساهمة في القضاء على البطالة وتنمية قدرة المواطن على الاستهلاك المحرك الأساسي والفعلي للدورة الاقتصادية.
سليم الكرّاي
اعلامي
- اكتب تعليق
- تعليق