رحيل عميد الصحافة الجهويّة صالح الدريدي: نهاية رجل شجاع
شيعت مدينة بنزرت يوم الثلاثاء 11 أوت 2020 واحدا من أعز أبنائها وعلما من أبرز أعلامها الصحفي القدير الأستاذ صالح الدريدي الذي يعتبر عميد الصحافة الجهوية في تونس بدون منازع تفرغ لها و سخر لها كل جهده و فكره و وقته منذ سنة 1967 حين أسس جريدة القنال ببنزرت.
كان ذلك خلال جنازة مهيبة حضرتها إطارات بنزرت و وجوهها المجتمعية و الرسمية يتقدمها والي الجهة السيد محمد قويدر الى جانب رجالات الصحافة و الثقافة و الفكر وطنيا و جهويا و أبّن الفقيد ابنه الروحي الصحفي رشيد البكاي بكلمة معبرة و مؤثرة و هذا نصها:
الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر
نودع اليوم ومن خلالنا كافة الأسرة الصحفية التونسية الوطنية والجهوية علما من أعلامها البارزة وفارسا من فرسانها المهرة الصحفي القدير والأخ الكبير الأستاذ صالح الدريدي مؤسس ومدير جريدة القنال ببنزرت التي عرفت به وعرف بها على مدى أكثر من أربعين عاما من النضال الصادق والسعي الدؤوب عبر القلم والكلم لخدمة البلاد والعباد.
أقول فقدت بل اقول خسرت بنزرت بالخصوص وتونس بالعموم والسلطة الرابعة بالتحديد والتخصيص قامة من قاماتها الفارعة . رجلا وطنيا شهما ’ كريما ’ مقداما ’ طيب القلب والمعشر ’ حاضنا للطاقات باعثا للمبادرات ...لم يألو جهدا في خدمة وطنه وجهته وأسرته الكبرى والصغرى.
استأذنا الراحل صالح الدريدي الذي هو الآن بين يدي ربه جل جلاله ...وكل نفس ذائقة الموت...
لم يكن ظاهرة عابرة ..ولا كان واحدا من أيها الناس ..عاش على هامش الأحداث أو تائها في زحام الحياة ..أو مجرد مغامر ركب سروج الدنيا مرتاحا لا يلوي على شيء
لا وألف لا ..بل كان قامة شامخة وتجربة حياتية قائمة بذاتها ..انه من تراب هذه الأرض ومن مائها وهوائها وطينها ...عركته الحياة ولوحت محياه شموسها ورياحها ...نحت مسيرته المتفردة على الصخر بالجهد والتعب ’ عصاميته لا تخفى على أحد منذ ولادته سنة 1935 إلى أن لقي وجه ربه ...من مغراوة إلى منزل جميل إلى بنزرت إلى العاصمة إلى العالم الأرحب.
من جامع الزيتونة إلى التعليم العصري إلى التكوين التخصصي ..
خاض غمار الحياة الدنيا بصبر وثبات ’ كان من الوهلة الأولى يعرف مايريد فهو كما يقال ابن جلا وطلاع الثنايا . وكم غالب من صعاب وتجشم من أتعاب ليصبح هذا الاسم الكبير في عالم صاحبة الجلالة (الصحافة).
كانت جريدة القنال الجهوية الصادرة سنة 1967 هي العنوان الأكبر في هذه المسيرة الاستثناية ولكنها لم تكن المفردة.
القنال كانت الصوت الصادح لبنزرت ’ مدينة وولاية ومن منا ومنكم لم يقرأ القنال ولم يستفد من مزاياها الكثيرة ...كانت المدافع الشرس عن قضايا الجهة والخيارات الوطنية للبلاد ..وكانت المدرسة والمحضنة والمصدر الإعلامي الموثوق...
قلنا لم تكن المفردة ...لأن مسيرة الأستاذ صالح الدريدي لم تقف عند حد " القنال" بل فيها أيضا نيابته لجريدة العمل لسان الحزب الحر الدستوري التونسي أواخر الخمسينات وإشرافه على إصدار مجلة الحرس الوطني ونشرية ديوان تعليم الكهول ومجلة صدى الشمال وإذ ننسى لا ننسى إصداره خلال السبعينات لجريدة الصحافة على المستوى الوطني التي وللأسف لم تعمر طويلا أمام سطوة مراكز القوى في العاصمة.
لكن العلامة الفارقة في حياة هذا الرجل المقدام هي إصداره سنة 1965 لكتابه الوثيقة (المسيرة الكبرى) الذي اقتفى فيه وروى هجرة الزعيم الحبيب بورقيبة الى المشرق العربي سنة 1945 سيرا على الإقدام عبر الأراضي الليبية...
مثل هذا الكتاب حدثا تاريخيا وتأريخيا في مجال الحركة الوطنية التونسية ..كما مثل تحولا جذريا في مسيرة صالح الدريدي النضالية خاصة بعد التقائه بالزعيم بورقيبة مباشرة وتعلقه بشخصه ومزيد اقتناعه بفكره.
كان فقيدنا ذا سعي دؤوب لا يعرف الخنوع ولا يرضى بالدون فأبى إلا أن يسهم في إثراء المشهد الإعلامي والثقافي ببنزرت فأسس مهرجان بنزرت سنة 1975 ونادي الصحافة سنة 1983 وعمل ضمن الهيئة المديرة لجمعية مديري الصحف لسنوات عديدة وأقام الندوات والتظاهرات التي لا تحصى وجمع الكفاءات واحتضن المواهب وشجع المبادرات لكن وكما قال أبو البقاء الرندي /
لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأيام كما شاهدتها دول *** من سره زمن ساءته أزمان
تلك هي مشيئة الواحد القهار.
هكذا كانت نهاية رجل شجاع ترك أثارا تدل عليه وبصمات تخلد ذكره وأبناء وإخوانا وأسرة وأصدقاء خلصا يترحمون عليه
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي
صدق الله العظيم
الله أكبر وإنا لله وإنا إليه راجعون.
- اكتب تعليق
- تعليق