مختار اللواتي: إلى لبنان المفجوع
بقلم مختار اللواتي - استحضرت صور وأسماء كل أصدقائي وصديقاتي، زملائي وزميلاتي في ومن لبنان وأنا أتلقى وأتقصّى شتات أخبار الفاجعة منذ صعقت في أرض وسماء بيروت المتعبة المكدودة أصلا من ويلات عدة لم تشأ أن تتركها في سلام غنته لها وللبلد فيروز منذ سنين طويلة ولكنه لم يُطل مُقامَه بين أهليهما في كل مرة يزورهما فيها. حتى الزملاء والزميلات الذين ظننت أنني نسيت أسماءهم وملامحهم، حضروا أمامي حاملين معهم ذكريات جميلة ظننت خطأً أنني نسيتها. كنت ألهج بأسمائهن وأسمائهم في صدري وأسائلهم عما جرى وعن حالهم فيه؟ فوجدتهم بدورهم، إن كانوا خارج بيروت أو خارج لبنان بالكامل، ينشرون لهفتهم على معرفة حال أهاليهم وأصدقائهم. فللأصدقاء أصدقاء وأقارب على طول لبنان وعرضه وفي كل أرجاء العالم !! فعمّن تسأل وعمّن تريد أن تطمئن؟ ليست بيروت وحدها منكوبة، أو ثكلى بل هو كل لبنان مفجوع !
أكثر من 100 قتيل وفق إحصاء رسمي غير نهائي، فيما قدرته مصادر غير رسمية بنحو 400، ومن 4000 جريح، عدا المفقودين ومن مازالوا تحت الأنقاض وعشرا ت الآلاف، قاربوا 300 ألف،الذين أضحوا بلا مأوى.. دمارٌ هائل من انفجار 2700 طن من نترات الأمونيوم خرّب جسد السيدة الأنيقة الجميلة الراقية بيروت. فكيف لا يبكيها أهلها كما عشاقها في داخل لبنان وفي كل بقاع العالم؟؟ وكيف لكل اللبنانيين أن يواجهوا بمفردهم هذا المصاب الجلل وهم على ما هم عليه من بؤس وشظفِ عيش؟ أهذا هو قدرهم، كلما خرجوا من مصيبة إلا وكانت التالية في الإنتظار.. لا بل إن النوائب قد أصبحت منذ مدة منحدةً في ضرب البلد بلا هوادة حتى حلت الفاجعة مساء أمس، الثلاثاء 4 أوت 2020، ذلك المساء الذي ستبقى ذكراه سوداءَ حزينةً في قلوب اللبنانيين وكل من أحب وعشق لبنان ودرّته المكنونة بيروت !!
كثيرة هي الدول التي تعاطفت مع سكان بيروت وكامل اللبنانيين ومع دولتهم. ومن بينها تونس التي نقل رئيسها عبارات المواساة والتعاطف إلى نظيره اللبناني فور وقوع الإنفجار المروّع.
يوم حداد رسمي ونصف شهر من حالة الطوارئ وتكليف الجيش بتولي شؤون الأمن، وتشكيل لجنة للتحقيق تقدم تقريرها إلى السلط القضائية في مدةٍ حُدد أقصاها ب5ة أيام، والتوصية بتحرير الاعتماد الاستثنائي المقدر بـ100 مليار ليرة في ميزانية 2020 لمواجهة جانبٍ من تبعات الكارثة المقدرة أوليّاًّ بـ 3 مليار دولار. كلها إجراءات سارعت السلطات اللبنانية باتخاذها منذ ليلة امس. ولكنها تبقى منقوصة في انتظار معرفة الحقيقة، كل الحقيقة، عن سبب وقوع الانفجار وعمّن وراءه أو تسبب فيه مادام رئيس الحكومة قد توعد "المتسببين فيه بالعقاب الأقصى الذي يستحقون" لأن كل الخشية أن يعرف التحقيق مثيله المتعلق بتفجير اغتيال الرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري الذي تنعقد جلسة التصريح بالحكم في قضيته بعد غد الجمعة 7 أوت من طرف المحكمة الخاصة اللبنانية التي مضى على تأسيسها 13 عاما بموجب مرسوم صادر عن الأمم المتحدة .. الرئيس الراحل رفيق الحريري كان اغتيل مع 21 من مرافقيه ومن المارة في تفجير مروع في 14 فيفري من العام 2005. وقد أصيب في الإنفجار الذي استهدف موكبه في وسط بيروت 226 شخصا. وكان نجله سعد الحريري قد صرح الأسبوع الماضي أن يوم الجلسة في السابع من أوت "سيكون يوما للحقيقة وللعدالة في لبنان" !! في وفيما ذكر يعض شهود العيان أنهم لاحظوا حركة مريبة لطيران إسرائيلي قبل الإنفجار وأنهم يرجحون أن طائرات بلا طيار قد تكون هي التي ألقت صواريخها على المخزن الذي كان يحوي موادا قابلة للانفجار مضى على تخزينها في ميناء بيروت التجاري ستّ سنوات، سارع مسؤولون إسرائيليون بنفي أن يكون لهم أي ضلع فيما حدث. بل وقيل إنهم عرضوا المساعدة الطبية على المسؤولين اللبنانيين. وهو مالم يتم تأكيده رسميا أو التعقيب عليه. أما الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فكان أول من رجح أن يكون اعتداءٌ وراء الإنفجار، على الرغم من أنّ انفجارات مماثلة وبمادة نترات الأمونيوم سبق أن حدثت في فرنسا في العام 2000 وفي الصين في العام 2015 بسبب أخطاء بشرية.
كائنا من يكون المتسبب في هذه الكارثة، بفعلٍ مدبَّر أو بعدم اكتراث وإهمال، فلا خيار أمام الشعب اللبناني الشقيق سوى الحفاظ على وحدة صفهم، بل ودعمها وتقويتها لتسفيه نوايا أو أفعال من يتربصون بهم ويستهدفون ذكاءهم و سعيهم للتحرر من قبضة التقسيمات الطائفية والسياسية وللتصدي للمتلاعبين بأقواتهم وبمستقبلهم وبأمنهم وأمانهم.
أصدقائي صديقاتي من لبنان، كل لبنان، لا أراني أضيف جديدا إن قلت إن مصابكم جلل. ولكنكم بأحراركم وحرائركم، وبكامل فئات شعبكم، أنتن وأنتم يا من تضرب جذوركم في أعماق التاريخ، ويامن خضتم كل المحن وخرجتم منها برؤوس مرفوعة وعزائم صلبة، ويامن واجهتم كل المناورات وحافظتم على سيقانكم ثابتة على أرضكم كما شجر الأرز الباسق بين صخور جبال شاهدة على ملاحم لم تتوقف عبر القرون. ستعرفون وجهتكم وأنتم متحدون.
وستنتصرون !!
مختار اللواتي
قراءة المزيد
الرئيس قيس سعيّد يأذن بتوجيه مساعدات إلى لبنان بعد انفجار بيروت
- اكتب تعليق
- تعليق