اللاجئون وطالبو اللجوء العرب في تونس: مــن هم؟ مـن أيــن يأتون؟ كيف يعيشـون؟
بقلم حنان زبيس - يعدّ اللاجئون العرب جزءا لا يتجزّأ من منظومة اللجوء الحديثة العهد في تونس، وهم لا يختلفون عن غيرهم من اللاجئين في حاجتهم إلى الخدمات الأساسية وإلى مورد رزق . وما انفكّت المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين وشركاؤها من المجتمع المدني يسعون إلى مساعدتهم على الاندماج رغم الإمكانيات المحدودة. ولكن تبقى تونس، رغم النقائص، بلدا آمنا تتوفّر فيه فرص العيش والعمل بكرامة إلى حدّ كبير، في انتظار صدور قانون خاصّ باللاجئين يحفظ لهم كامل حقوقهم.
منذ 2011 ومع اندلاع الثورة في لبييا، شهدت تونس موجة كبيرة من اللاجئين لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، اضطرّت المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للتدخّل لمساعدة الدولة التونسية وقتها لمجابهة هذه التدفّق غير المسبوق للاجئين، خاصّة وأنّ تونس نفسها كانت تعيش وضعا صعبا بعد قيام ثورتها في جانفي 2011.
منذ ذلك التاريخ، بدأ الوعي في البلاد بأهميّة هذه المسألة، فتونس التي كانت تُعتبر في الماضي أرض عبور للاجئين، تحوّلت منذ 2011 إلى ملاذ لهذه الفئة، حيث بلغ عددهم إلى حدود 31 ماي 2020، 4434 لاجئا حسب الأرقام الرسمية للمفوّضية.
هذا الواقع الجديد وضع تونس أمام تحدّيات عديدة، منها توفير ظروف الإقامة والإعاشة والحقّ في الصحّة والتعليم والتشغيل للاجئين وطالبي اللجوء، وذلك حسب ما جاء في اتّفاقية الأمم المتحدة الخاصّة بوضع اللاجئين لسنة 1951 والتي صادقت عليها البلاد التونسية، وعلى بروتوكولها الإضافي لسنة 1967، إضافة إلى مصادقتها على الاتّفاقية الأفريقية لسنة 1969 الخاصّة باللاجئين في القارّة الأفريقيــــة. ولكن يبقــــــى التحدّي الأكبر هو إصدار قانون وطني خاصّ بحماية اللاجئين، يحدّد صفة اللاجئ وحقوقه في الاندماج في بلد اللجوء وكيفية التعامل مع هذه المسألة، وذلك رغــــم وجــــود مشــــروع قانون تمّ العمل على إعداده منذ 2012 مــــن قبل وزارة العدل وحقوق الإنسان والمعهد العــــــربي لحقـــــوق الإنســــان والمفوّضية السامية لشؤون اللاجئين، ولكنّه لم ير النور إلى حدّ الآن.
السوريون في صدارة القائمة.
يعتبر لاجئا «كلّ شخص يوجد بسبب خوف له ما يبرّره من التعرّض لاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولايستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظلّ بحماية ذلك البلد»، حسب تعريف اتّفاقية الأمم المتحدة الخاصّة باللاجئين. ويأتي أغلب اللاجئين وطالبي اللجوء إلى تونس من الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء والقرن الأفريقي. ويحتلّ اللاجئون السوريون الصدارة من حيث عدد اللاجئين، حيث يبلغ عددهم حاليا 1684 يليهم الإيفواريون 1247 ثمّ السودانيون 275 فالأريتريون 260 والصوماليون 178. وهناك جنسيــــات أخـــرى ممثّلة بأعداد قليلة مثل اليمنيين والعراقيين والفلسطنيين وغيرهم. ويصل هؤلاء اللاجئون إلى تونس برّا وجوّا وبحرا. وقد بلغت نسبة الواصلين برّا 43 بالمائة سنة 2020، مقابل 42 بالمائة وصلوا عن طريــــق البحر، في حين أنّ نسبة من وصلوا عن طريق الجوّ لا تتجــــاوز 15 بالمائة.
ولكنّ اللافت للانتباه في هذا الشأن هي أنّ جزءا لا يستهان به من طالبي اللجوء القادمين إلى التراب التونسي لم تكن تونس هي وجهتهم منذ البداية. «فالعديد منهم كان في ليبيا، ولكن نظرا لتوتّر الأوضاع هناك وعدم توفّر الأمن، قرّروا الخروج منها في اتّجاه تونس. هناك أيضا من أتوا جوّا إلى الجزائر وخاصّة من السوريين ثمّ دخلــــوا منها إلى التراب التونسي. ينضاف إلى هؤلاء، نوع آخر من طالبي اللجوء الذين غادروا من بلدان أخرى في إطار عمليات الهجـــــرة غير الشــــــرعية لينتهــــي بهم المطاف إلى الســــواحل التونســـية نظـــرا لتعــــطّل مراكبهم أو لتحايل سماسرة الهجــــرة غير الشــــــرعية عليهم»، كما يبيّن ذلك نوفل التونســـي، المنسّـــق الميداني للمفوّضية السامية لشـــؤون اللاجئين في تونس.
أحمد بخيت، لاجئ سوداني، جاء إلى تونس منذ 2015، يروي كيف هرب من جحيم الحياة في دارفور جنوب السودان نحو ليبيا ليجد نفسه في جحيم آخر : «تعرّضت للاستغلال، ثمّ للحجز في السجون الليبية وكذلك للتعذيب، إلى أن تدخّل صديق لي ليدفع فدية لمن احتجزوني حتّى يطلقوا سراحي. في الأخير، قرّرت مغادرة ليبيا مع أصدقاء آخرين والتوجّه نحو تونس».
خدمات أساسية في حدود الإمكانيات المتوفّرة
تبدو تونس للعديد من طالبي اللجوء «مرفأ سلام» مقارنة بالبلدان الأخرى المجاورة، خاصّة وأنّها توفّر جملة من الخدمات الأساسية والمساعدات لطالب اللجوء عند دخوله التراب التونسي. فعندما يتقدّم طالب اللجوء بطلبه لدى المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين تحرص هذه الأخيرة عن طريق شريكها المجلس التونسي للاجئين على توفير السكن له في أحد مراكز الإيواء الثلاثة التي تشرف عليها والموجودة في الجنوب التونسي في مدنين وجرجيس، والتي تبلغ طاقة استيعابها في حدود 400 شخص تقريبا. كما يوفّر له أيضا الغذاء والمساعدة المادية والرعاية الصحيّة من خلال زيارات منتظمة لبعض الأطبّاء لهذه المراكز. وتقوم المفوّضية أيضا بكراء شقق وغرف في بعض الفنادق لاستيعاب طالبي اللجوء لمّا يتجاوز عددهم طاقة استيعاب المآوي كذلك لتوفير السكن لطالبي اللجوء الموجودين في الولايات الأخرى، عدا صفاقس وتونس وبن عروس وسوسة وغيرها. وفي هذا الصدد يؤكّد نوفل التونسي أنّ «طالبي اللجوء في تونس يجدون على الأقلّ سقفا آمنا يعيشون تحته ولا يعيشون في خيم على غرار ما يحصل في بلدان أخرى».
عملية دراسة طلب اللجوء قد تستغرق عادة ما بين أسبوع إلى شهر، ولكنّها قد تطول في حالة عرضها على المجلس التونسي للاجئين الذي يقوم بدراسة هذه الطلبات، للتأكّد من المعلومات التي يدلي بها اللاجئ. وفي هذا السياق يقول السيد عبد الرزاق الكريمي، المسؤول عن تنفيذ مشروع الشراكة مع المفوّضية السامية لحقوق اللاجئين بالمجلس التونسي للاجئين : «فيما يخصّ اللاجئين السوريين، لا تطول عمليات النظر في المطالب وقبولها لأنّنا نعرف حالة الحرب في سوريا. ولكن بالنسبة إلى جنسيات أخرى، قد يختلف الأمر، فمثلا يقدّم بعض طالبي اللجوء الصوماليين أنفسهم كإرتريين لأنّهم يعرفون أنّ نسبة قبول مطالب لجوء الإرتريين كبيرة جدّا باعتبار الوضع في أريتريا. بالتالي، من واجبنا التثبّت، وقد يستغرق ذلك منّا ستّة إلى ثمانية أشهر أحيانا».
ولكن في جميع الحالات ومهما طالت مدّة دراسة الطلب، يتمتّع طالب اللجوء ببطاقة «طالب لجوء» تمكّنه من الحصول على الخدمات اللازمة من سكن ومبلغ مالي لتأمين حاجياته الغذائية، بالإضافة إلى التغطية الصحيّة، حيث يمكن لهم تلقّي العلاج في المستشفيات العمومية واسترجاع المصاريف بعد ذلك من المفوّضية.
ولا ينكر عبد الرزّاق الكريمي وجود نقص أحيانا في الاستجابة لحاجيات طالبي اللجوء، قائلا: «لكنّنا حريصون على توفير ما أمكن منها ولذلك تُعطى الأولوية في الاستفادة من هذه الخدمات إلى الفئات الأكثر هشاشة مثل النساء والأطفال القصّر الذين يأتون دون مرافقـين والعائلات والأشخاص من ذوي الإحتياجات الخصوصية». وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ المفوّضية وشركاءها من المجتمع المدني لا يقدّمون المساعدة إلّا لطالبي اللجوء أو المسجّلين عندهم كلاجئين بعد الموافقة على طلبات لجوئهم. وبالتالي، فإنّ هناك عددا كبيرا من الأجانب الموجودين على التراب التونسي بطريقة غير شرعية وغير المسجّلين لدى المفوّضية، هم خارج نطاق تغطيتها. في هذه الحالة، يعتبرون مهاجرين غير شرعيين ويقعون تحت مسؤولية المنظّمة الدولية للهجرة.
إعداد للإدماج في البلد المضيّف
على إثر دراسة طلب اللجوء، قد يُقبل هذا الطلب أو يُرفض حسب الحالة، ويمكن لطالب اللجوء أن يقدّم طلبا ثانيا في حالة الرفض. «لكن لم يحصل أن قامت تونس بترحيل قسري لمن رفضت مطالبهم»، كما يبيّن نوفل التونسي، المنسّق العامّ للمفوّضية في تونس.
وإذا ما تمّ قبول الملفّ، فإنّ الشخص يتحوّل إلى لاجئ وتُمنح له «بطاقة لاجئ» تمكّنه من مجموعة من الامتيازات الإضافية مثل الحقّ في التعليم والشغل. فبالنسبة إلى التعليم، يتمّ إدماج الأطفال في المدارس والمعاهد العمومية. وفي الحالات التي يكون فيها الطفل أكبر من أقرانه من حيث المستوى التعليمي الذي يدرس فيه، يتمّ تجهيز أقسام خاصّة لهؤلاء الأطفال حتّى لا يشعروا بالنقص. وهذا ما حصل في إحدى المدارس بولاية قابس، حيث تمكّنت المفوّضية بالتنسيق مع الإدارة الجهوية للتعليم من إحداث فصل نموذجي يستوعب الأطفال الكبار في السنّ، خاصّة من السوريين، لإعادة تأهيلهم في انتظار إدماجهم من جديد مع بقية الأطفال التونسيين، حسب نوفل التونسي.
أمّا فيما يخصّ الحقّ في العمل، فتحرص المفوّضية على إعلام اللاجئين بفرص الشغل المتوفّرة ، أو التنسيق مع شريكها في هذا المجال وهي الجمعية التونسية للتصرّف والتوازن الاجتماعيTAMSS لتوفير التدريب والتكوين المهني للاجئين لتحسين مهاراتهم من أجل تسهيل حصولهم على شغل، أو مساعدتهم لبعث مشاريعهم الخاصّة. وتهدف المفوّضية من خلال مجموعة الخدمات التي تقدّمها للاجئين إلى إعدادهم للاندماج التدريجي في مجتمع الدولة المضيفة. وهذا يعني أن تمتّعهم بها يبقى وقتيا. وفي هذا الإطار يقول نوفل التونسي: «إنّنا لا نريد أن يتحوّل اللاجئ إلى عالة على البلد الذي يستضيفه وإنّما يتحمّل مسؤولية تأمين حياته الجديدة ويشارك في إثراء المجتمع الذي يعيش فيه، ودورنا كمفوّضية هو مساعدته في ذلك».وبالتالي، فإنّ اللاجئ يتلقّى المساعدة لمدّة ثلاثة اشهر وقد تمتدّ إلى ستّة أشهر وحتّى إلى سنة حسب الحالة. ولكن الفكرة، هي أن يبدأ اللاجئ بالتأقلم شيئا فشيئا مع بيئته الجديدة ويبحث عن شغل ويؤمّن تدريجيا احتياجاته واحتياجات عائلته ويدفع إيجار سكنه.
وبالنظر إلى المنظومة التي قامت المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين بإرسائها، فإنّها تتضمّن توزيع مجالات العمل على العديد من الشركاء الذين ينشطون أساسا في المجتمع المدني، حيث يتكفّل المجلس التونسي للاجئين بالنظر في ملفّات اللجوء وتوفير السكن والمساعدات والخدمات الأساسية للاجئين وطالبي اللجوء، في حين يهتمّ المعهد العربي لحقوق الإنسان بتوفير المساعدة القانونية لهذه الفئة من خلال وحدة الإستشارة والمساعدة القانونية التي تمّ بعثها في 2018وتتكفّل الجمعية التونسية للتصرّف والتوازن الاجتماعي بتوفير فرص العمل والتكوين.
هذا التوزيع في المهامّ خلق ديناميكية قويّة حول مسألة اللاجئين وعزّز قدرة مختلف الفاعلين على تنسيق جهودهم في دعم هذه الفئة وتوعية الرأي العامّ بمشاكلها والضغط على الدولة التونسية من أجل دفعها إلى وضع إطار قانوني يحمي حقوق اللاجئ وطالب اللجوء.
حنان زبيس
قراءة المزيد
اللاجئون وطالبو اللجوء العرب في تونس: مــن هم؟ مـن أيــن يأتون؟ كيف يعيشـون؟
حماية اللاجئين وطالبي اللجوء خلال أزمة الكورونا بتونس
المعهد العـربي لحقوق الإنسـان وتوفيـر المسـاعدة القـانونية للاجئين وطالبـي اللجوء
- اكتب تعليق
- تعليق