أخبار - 2020.06.26

عبد اللطيف المكّـي, وزيـر الصحّة: الخروج بالقطاع الصحّي مـن الأزمـة إلى الفرصة

عبد اللطيف المكّـي, وزيـر الصحّة: الخروج بالقطاع الصحّي مـن الأزمـة إلى الفرصة

بقلم خالد الشّابي - لم تمرّ سوى أيّام قليلة على عودته إلى وزارة الصحّة في موفّى شهر فيفري المنصرم حتّى وجد عبد اللطيف المكّي نفسه في خضمّ الحرب ضدّ فيروس كورونا قائدا للجيش الأبيض التونسي الذي يواجه ببسالة كبيرة وكفاءة عالية وباء فتّاكا تأذّى منه العالم بأسره. وقد كان من أوكد الأولويّات المطروحة على الوزير الجديد تشكيل فريق من الأطبّاء والخبراء لوضع الخطط الناجعة للتوقّي من الجائحة وتسخير كلّ الإمكانيات، على تواضعها، لمعالجة المصابين ومتابعة كلّ المستجدّات لحظة بلحظة، مع التفكير في الوسائل الكفيلة بالتصدّي لأسوء السيناريوهات، فضلا عن القيام بعمل اتّصالي يومي لتوعية المواطنين بضرورة الالتزام بالحجر الصحّي وبقواعد الحماية من الفيروس.. أعباء ثقيلة، مضنية يتحمّل وزرها عبد اللطيف المكٌي بجلد ورباطة جأش، إلى جانب كلّ القضايا الأخرى التي يتعيّن مباشرتها والبتّ فيها، في قطاع حيويّ وحسّاس مثل قطاع الصحّة.  يعود عبد اللطيف المكّي، هذا الطبيب والقيادي البارز في حركة النهضة، إلى وزارة الصحّة حاملا معه خلاصة تجربته الأولى وزيرا في حكومتي حمّادي الجبالي وعلي العريض من 24 ديسمبر 2011 إلى 29 جانفي 2014.

ولعلّه يبدواليوم أكثر إصرارا وتصميما على الدفع دون إبطاء نحو إصلاح جذري وشامل لقطاع الصحّة الذي زادت الأزمة الحالية في الكشف عن هشاشته وعمق مشاكله.

كيف تتراءى لوزير الصحّة ملامح الإصلاح الذي ينشده الجميع اليوم ؟ بأيّ موارد بشريّة وبأيّ طرق تمويل يمكن إنجازه؟ ما مكانة المستشفى العمومي مستقبلا في النظام الصحّي؟ كيف السبيل إلى ضمان تغطية صحيّة شاملة وعادلة لكلّ التونسيين؟

تلك هي البعض من الأسئلة التي يجيب عنها الدكتور عبد اللطيف المكّي في هذا الحديث.

بات الجميع مقتنعا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بضرورة وضع سياسة جديدة تنهض بقطاع الصحّةوتطوّره. ما هو تصوّركم لهذه السياسة؟

الصحّة هي مفهوم أفقي مرتبط بعديد المحدّدات وما المنظومة الطبيّة إلاّ حلقة من حلقات المنظومة الصحيّةالتي تتعلّق بنمط عيش التونسيين : هل يمارسون الرياضة ؟ هل تغذيتهم صحيّة ؟ هل سكنهم متطابق مع المقاييس الصحيّة؟ هل العلاقات الاجتماعية والظروف النفسية مريحة بدرجة أنّه ليس لدينا ضغط نفسي؟.. في مقاربتنا للإصلاح  سنعمل على إدخال كلّتلك المحدّدات تحت تأثير جملة من السياسات التي تجعلها تتحسّن بحيث يصبح نمط عيش التونسي يساعد على البقاء في صحّة جيّدة ، ثم نمرّ إلى المنظومة الطبيّة ليتمّ معالجة إشكالاتها.

ما هي أولوياتكم لمعالجة إشكالات هذه المنظومة؟

يجب أن تكون الخارطة الصحيّة بخطوطها الثلاثة منتشرة انتشارا عادلا ومتوازنا في كلّ مناطق البلاد، ممٌا يعني بعث منشآت جديدة وتوفير تجهيزات وموارد بشريّة جديدة. وهذا يتطلّب:

إرساء خارطة طبيّة عادلة.

توسيع طاقة استيعاب المنظومة الصحيّة في اختصاصات جديدة ومتطوّرة.

تأهيل الموارد البشرية.

تغيير منظومة الأجور لتصبح منظومة تحفيزية تدعم جاذبية القطاع العمومي بما يحدث التوازن بين القطاعين العامّ والخاصّ وبما يحدّ من هجرة الكفاءات الطبيّة إلى الخارج.

معالجة منظومة صيانة التجهيزات الطبيّة.

إصلاح منظومة تمويل قطاع الصحّة.

ضمان الأمن الدوائي في البلاد وهذا يقتضي شراكة مع المصنّعين ووضع سياسات وسنّ قوانين.

رقمنة القطاع رقمنة كاملة بما يساعد على الشفافيّة والحوكمة الرشيدة.

دعم البحث العلمي بما يساعد على تطوير منظومتنا العلاجية والدوائية.

هذا كلّه ينبغي أن ينجز في إطار شراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ من أجل الخروج بالقطاع الصحّي من وضعية الأزمة إلى وضعية الفرصة لأنّ الاستثمار في قطاع الصحّة سيجعل منه قاطرة التنمية في تونس وليس كما يتصوّر البعض عبئا على ميزانية الدولة وسيكون فرصة للنهوض بالاقتصاد التونسي عبر تصدير الخدمات الصحيّة سواء باستقبال المرضى الأجانب أو بتكوين الإطارات الطبيّة والصحيّة لدول أخرى أو تصدير الأدوية والتجهيزات الطبيّة.

وقد بدأنا نخطّط لهذا منذ سنة 2012 ولكن تعطّل عملنا في الأثناء، والآن الفرصة متاحة لاستئناف ما شرعنا فيه، مع تقديري للجهود التي بذلت منذ تلك الفترة إلى اليوم .

ما مآل الاستشارات والحوار المجتمعي حول الصحّة التي تمّت في الفترة الماضية؟

سيتمّ الاعتماد عليها وتثمين نتائجها لأنّ الحوار أطلق في سنة 2012 ولا بدّ من الأخذ بنتائجه ومن أهمّها تطوير الخطّ الأوّل وإصلاحه حتّى يكون قادرا على امتصاص ما بين 60 % إلى 70 % من المشاكل الصحيّة للمواطن التونسي وهذا سيكون له تأثير إيجابي جدّا على الخطيّن الثاني والثالث.

مراجعة التمويل من حيث الحجم وحسن استعمال الموجود من أين سيأتي التمويل لتحقيق تلك السياسة خاصّة وأنّ ميزانية الصحّة العمومية ضعيفة؟

كشفت الأزمة الأخيرة أهميّة قطاع الصحّة باعتباره قطاعا ينتمي إلى الدائرة الضيّقة للأمن القومي مثــل الجيش والأمن والديــــوانة لذلك لا بدّ أن تنمو ميزانية وزارة الصحّة بالقدر الكافي مقارنة بالناتج الداخلي الخام. ومن جهة أخرى علينا الاستفادة كما ينبغي من الأموال التي تدفع للصندوق الوطني للتأمين على المرض «الكنام» التي لا يستفاد منها كما يجب نتيجة للهيكلة التي عليها الصندوق وكذلك استعمال الأموال التي تدفع من جيب المواطن أو ما يسمّى بالمعلوم التعديلي الذي يمكن باستعماله أن نخفّض ممّا يدفعه المواطن وتصبح نتائج ما يدفعه للعلاج أفضل. لذلك فمشكل التمويل ينظر إليه على مستويين : مستوى الحجم من ناحية ومستوى حسن استعمال الموجود من ناحية ثانية.

متى تتوقّعون تحقيق أهداف الإصلاح المرتقب؟

إنّ إرساء إصلاح بهذا الحجم يتطلّب 10 سنوات ليؤتي أُكله بفاعلية قصوى ويُترجم بنسبة 100 % إذا كان هناك استقرار سياسي وإذا اشتغلنا على تحقيق الإصلاح على مدى 5 سنوات بالشراكة والتعاون مع كلّ الأطراف، حينذاك سيلاحظ المواطن تغيير ملامح المنظومة الصحيّة .

المستشفـى العـمـــومـي هـو العمـود الفقـــري للمنظــومــة الطبيّـة

أهمّ مشكل في قطاع الصحّة يكمن في المستشفى العمومي. هل ستكون له الأولوية في الإصلاح؟

إنّ العمود الفقري للمنظومة الطبيّة هو المستشفى العمومي ويوم يسقط المستشفى العمومي سيليه سقوط القطاع الخاصّ لذلك فإنّ إنقاذ المستشفى العمومي وتثمين دوره هو هدف رئيسي في الإصلاح  ولا بدّ من اعتماده مؤشّرا من مؤشّرات نجاح الإصلاح.

ما هي أسباب تدهور الأوضاع في المستشفى العمومي حسب رأيك؟

في تقديري الخاصّ هناك سياسات خوصصة سُلكت منذ نهاية الثمانينات وتسعينات القرن الماضي جعلت القطاع العمومي يضعف بدل أن يقوى ويتطوّر، وهي سياسات دفعت إلى الخوصصة الفوضوية في قطاعي التعليم والصحّة خاصّة.

كيف تقيّم نظام الوقت الكامل المعدّل الذي يسمح لصنف من الأطبّاء بمزاولة نشاط خاصّ في المستشفى؟ وما مدى تأثيره على أداء المستشفى العمومي؟

هو من السياسات غير السويّة التي تمّ سلوكها للتحكّم في الأطبّاء وكان من الأفضل أن يتمّ تعديل منظومة الأجور ومنظومة القوانين دون اللجوء إلى تلك الطريقة . وتقييم هذه التجربة اليوم سلبي عموما وعندما ستوضع الإصلاحات سأعمل على إنهائها لكن بطريقة معقولة وأنا متأكّد أنّ تنفيذ الإصلاحات سيفقد هذه الطريقة جدواها بصورة سلسة وسيتخلّى عنها الأطبّاء من تلقاء أنفسهم، فضلا عن الإجراءات التي يمكن أن تتّخذها الإدارة.

منظومة تكوين طبّي مستمرّ

ما مكانة التكوين الطبّي في الإصلاح المرتقب؟

منظومة التكوين الطبّي هي من أفضل ما لدينا وبالإمكان تطويرها فالتكوين الأساسي الذي يتلقّاه الطبيب والإطار شبه الطبيّ جيّد لكن هناك جانب التكوين المستمرّ الذي علينا التركيز عليه لأنّ العلوم الطبيّة في تطوّر يومي  ولا بدّ من منظومة تكوين مستمرّ حتّى يحافظ الطبيب والإطار شبه الطبّي على مستواهما.

لكن هذا يقابله نقص في المستشفيات الجامعية في داخل البلاد خاصّة؟

نحن عازمون على أن تكون في المناطق الداخلية مجموعة مستشفيات جامعية ومجموعة من كلّيات الطبّ وسيتمّ الحديث مع السيد رئيس الحكومة في الموضوع لأنّه أمر ضروري إذ لا يمكن أن يعمل مستشفى جامعي وينشط إذا لم يكن في محيط كلية طبّ تبعد عنه ما بين 60 إلى 70 كلم على أقصى تقدير. 

صندوق للتأمين على المرض لصالح الفئات الهشّة

كيف السبيل إلى تحقيق التكامل بين القطاعين العامّ والخاصّ في إصلاح المنظومة الصحيّة؟

علينا الخوض في هذا الموضوع انطلاقا من مبدإ أنّ قطاع الصحّة هو قطاع واحد وأنّ كليهما ينتمي إلى قطاع الصحّة التونسي ولكنّ القطاع الخاصّ له خصوصيّته إذ يمكن أن يركّز على تصدير الخدمات الصحيّة بينما يركّز القطاع العمومي على توفير الخدمة لعموم المواطنين مهما كانت أوضاعهم الاجتماعية وبالتالي يوجد تكامل بين القطاعين.

هل تعتقد أنّ القطاع الصحّي قادر على توفير التغطية الصحيّة الشاملة للمواطن التونسي مهما كان دخله ووضعه الاجتماعي؟

علينا أن نعمل على تحقيق ذلك وهذا واجب ومفروض بالدستور لأنّ بطاقات العلاج  البيضاء والصفراء ودفتر الصندوق الوطني للتأمين على المرض «الكنام» تسبّبت في حدوث تفاوت طبقي في الحصول على الخدمات الصحيّة وبالتالي لا بدّ من حلّ جذري بوجود صندوق للتأمين على المرض لصالح الفئات الهشّة يموّل بطرق مبتكرة ويصبح لكلّ مواطن بطاقة تأمين صحّي ويحصل على علاجات بصورة عادلة فالمسألة إنسانية قبل كلّ شيء ويجب ألّا يستمرّ فيها التفاوت بالرغم من مجهود الدولة في العناية بأصحاب البطاقات البيضاء والصفراء.

خالد الشّابي

قراءة المزيد

أيّ منظومة صحيّـة نريد؟

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.