أخبار - 2020.06.26

قرار الجامعة بشأن ليبيا ... مرحلةجديدة للأمن القومي العربي

قرار الجامعة  بشأن ليبيا ... مرحلةجديدة للأمن القومي العربي

بقلم : جيهان غديرة  - على وقع التصعيد بين الأطراف المتصارعة في ليبيا وداعميهم الدوليين حيث يحتشد الجميع للمعركة على سرت، تصدر أجندةَ اجتماع جامعة الدول العربية المنعقد الثلاثاء 23 جوان 2020 عبر تقنية الفيديو، تطورات الأوضاع في ليبيا، ومساعي الحل السياسي فيها، التي تأتي في سياق تحرك دبلوماسي مصري عقب تهديد القاهرة بالتدخل عسكريا في الأراضي الليبية.

قرارات الجامعة  بشأن ليبيا.. لا يمحو كوارث السياسات العربية

بدا القرار العربي حازما بشكل لا يحتمل الجدل، وسمعت عاليا الـ"لاءات" ضد المرتزقة والتدخل الأجنبي والإرهاب والتقسيم، كما أكد القرار على "أهمية الحل السياسي الشامل" للأزمة الليبية، مع التشديد على رفض كافة التدخلات الشرعية " أيا كان نوعها ومصدرها، التي تسهم في تسهيل انتقال المقاتلين المتطرفين إلى ليبيا."ولكن ما يلاحظ أنه رغم وضوح القرار في انتقد التدخل الخارجي، حمل الكثير من الغموض في تحديد جهات التدخل و لم يُشر لدولة بعينها، ولذا فإن هذا الانتقاد يمكن أن يفهم أنه لتركيا وكذلك لمصر والإمارات وروسيا، عكس قرارات الجامعة العربية المتعلقة بسوريا والعراق التي تدين التدخل التركي بالاسم.

كما لم يتعرض القرار لخلفيات وجذور التدخل الخارجي في ليبيا والتي ساهم في التأسيس لها مواقف سابقة من الجامعة . فمنذ بداية الحملة العسكرية على ليبيا بذريعة توفير الحماية للشعب والاطاحة بالنظام القائم آنذاك، لم تعرف البلاد طريقها للاستقرار، وتحولت لمسرح للصراع بين مليشيات تتخذ واجهات سياسية متعددة أبرز أقطابها حكومة الوفاق الوطني بزعامة فؤاد السراج في طرابلس، والبرلمان الليبي الذي أفرز الحكومة المؤقتة في طبرق. الذى أدى لتقسيم البلاد لمنطقتي نفوذ رئيسيتين، تضم الأولى شرقي البلاد ومناطق من جنوبها وتسيطر عليها قوات المشير خليفة حفتر، فيما تسيطر حكومة الوفاق على معظم المناطق غربي البلاد بما في ذلك العاصمة طرابلس.

التحفظ على البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب

جاء القرار الأخير الصادر عن اجتماع الجامعة مصحوباً بعدد كبير من التخلات من قِبَل عدة دول أبرزها قطر، الصومال، تونس وليبيا (ممثلة بحكومة الوفاق) التياتهمت الجامعة العربية بـ" ازدواجية المعايير ". وهى تحفظات لافتة من قِبل الدول (المغرب العربي)، التي يمكن تسميتها قلقة من حفتر، أكثر منها داعمة للوفاق ، كما بدا أن مواقف (مصر،الإمارات والسعودية مصحوبين بتأييد بحريني )، الدول الداعمة لحفتر أقل حدة مما يبدو في الإعلام .ورغم تأكد قرار مجلس وزراء الخارجية العرب على سحب القوات والمقاتلين الأجانب  وتفكيك الميليشيات، اضافة الى الدعم الكامل للاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات 2015 ، ومخرجات مختلف المسارات الدولية والإقليمية وآخرها مؤتمر برلين. وهو الأمر الذي يعني تأكيد شرعية حكومة الوفاق مقابل تجاهل لحفتر وتحقيق مكاسب لمصر خاصة عبر تقديم دعم صريح من موقفها من سرت.

لكن يبدو أنّ القرار لم يلبِّ لحكومة الوفاق ما كانت تريد تحقيقه من مكاسب إضافية كعدم المساواة بين دعوتها لتركيا لمساعدتها باتفاق معلن  ومودع لدى الأمم المتحدة، باعتبارها حكومة شرعية معترفاً بها دولياً وعربياً، وبين الدعم الذي يتلقاه حفتر، لذا تحفظت هي وقطر والصومال.
كما حذر الوزراء، في بيان صدر في ختام الاجتماع، من "مغبة الاستمرار في العمل العسكري

لتحريك الخطوط التي تتواجد عليها الأطراف حاليا، تفاديا لتوسيع المواجه " وهو ما يمكن اعتبره يتبنى فعلياً وجهة نظر داعمي حفتر مثل فرنسا وروسيا والإمارات ومصر، بعدم دخول قوات الوفاق إلى سرت مقابل موقف تركيا وحكومة الوفاق المطالب بأن تكون حدود وقف إطلاق النار بناء على الخطوط التي المتفق عليها في اتفاق الصخيرات 2015 . كما أن هذا البند يمثل تأييداً ضمنياً لتحذير الرئيس المصري القائل بأن خط سرت هو خط أحمر بالنسبة إلى مصر.

والملاحظ في هذه الفقرة تحديداً أن تونس قد تحفظت عليها، وهو ما يعني ضمنياً أن تونس تؤيد جهود حكومة الوفاق لطرد قوات حفتر من المدينة و هو موقف يبدو غير متوقع من تونس التي تؤكد حيادها تجاه الأزمة . وقد ندد قيس سعيد الذي أدّى زيارة عمل مؤخرا لفرنسا بالتدخلات الخارجية في ليبيا " أرفض أي تدخل أجنبي في ليبيا من أية جهة"، مؤكدا أن " الشعب الليبي وحده صاحب السيادة".  ويبدو هذا الموقف نابعاً من القلق من أن عدم دخول قوات الوفاق لسرت يرسخ لفكرة تقسيم ليبيا.

اللافت ايضا في القرار والتحفظات عليه هو غياب غير متوقع للجزائر،  فالقرار اكتفى بالترحيب بالبيان الختامي الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا الذي عقد في الجزائر منذ 6 أشهر. و لم يُشِر إلى المبادرة الأخيرة التي قادها الرئيس تبون التي تقترح أن تقوم بلاده بدور الوساطة بين الطرفين الليبيين، وهي تحركات رأى فيها البعض منافسة للمبادرة المصرية خاصة ان الجزائر علقت على إعلان القاهرة أنها أحيطت علماً بالمبادرة بشأن ليبيا دون ترحيب به . اللافت ايضا أنّ الجزائر لم تسجل انضمامها لتونس في تحفظها على تثبيت خطوط وقف إطلاق النار على الأوضاع الحالية، رغم تشابه مواقف البلدين، ورغم أن الجزائر أكثر صراحة ووضوحاً في التعبير عن مواقفها تجاه ليبيا.

ويمكن تفسير هذا الموقف الجزائري الهادئ برغبتها في القيام بدور الوساطة بين قوات شرق ليبيا وحكومة الوفاق وهو ما عبَّر عنه استقبال الرئيس الجزائري لرئيس مجلس  النواب الليبي عقيلة صالح مؤخراً. وقد تتطلب الوساطة الجزائرية المحتملة محاولات لإرضاء القاهرة وإعادة بناء العلاقة مع عقيلة صالح في ظل توتر علاقة الجزائر الدائم مع حفتر.

اللافت أيضاً أن بعض المصادر المطلعة على الاجتماعات أفادت بأن موقف سلطنة عمان التي ترأست الاجتماع باعتبارها الرئيس الحالي لمجلس الجامعة العربية كان أقرب لموقف حكومة الوفاق، ولكن هذا لم يُترجم على ما يبدو في التحفظات.

إنّ غياب الموقف العربي الموحد فيما يتعلق بليبيا، يفتح المجال لتعميق الهيمنة الخارجية على شأن البلاد، ويساهم في تكريس حالة من حرب بالوكالة تتم في إطار صراعات النفوذ الدولية والاقليمية، ومساعي السيطرة على الثروة النفطية الليبية والاستمرار في حرمان الشعب الليبي من موارده.

جيهان غديرة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.