أخبار - 2020.06.25

زيارة سعيد إلى فرنسا تسيل حبرا كثيرا !

زيارة سعيد  إلى فرنسا تسيل حبرا كثيرا !

بقلم جيهان غديرة - بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون أدى رئيس الجمهورية قيس سعيد أول أمس زيارة صداقة وعمل إلى فرنسا استغرقت يومين ، وتأتي هذه الزيارة في وضع دقيق جداً إقليمياً مع اشتداد الصراعات الدولية حول ليبيا، وتفاقم التناقضات بين مختلف المتدخلين، وعودة فرنسا بقوة إلى ميدان السجالات الدبلوماسية مع تركيا، وحتى العسكرية، ما ينذر بإمكانية تدهور الأوضاع من جديد، وهو ما تخشاه تونس، التي تدفع دائما الفاتورة الأغلى ، اجتماعياً واقتصادياً، لكل أزمة في ليبيا.
ماكرون يتعهد بمواصلة دعم تونس ويحيي ديمقراطيتها
تطرّق سعيّد في زيارته،  خلال الندوة الصحفية المشتركة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ، بإسهاب عن "الصداقة الأزلية " التي تربط بين الشعبين، والاستعدادات للقمة الفرانكفونية المزمع عقدها سنة 2021 في تونس. كما أشاد ماكرون بنجاح التجربة التونسية في مقاومة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) معلنا تقديم بلاده قرضا بقيمة 350 مليون يورو لدعم قطاعات تنموية في تونس. في إطار التزام بلاده بتقديم معونة لتونس تبلغ قيمتها 1٫7 مليار يورو حتى عام 2021. وسيستخدم القرض في تدريب الكوادر الطبية وتحديث المرافق في سيدي بوسعيد وإقامة مشاريع تنموية للشباب التونسي.

تونس تسعى للحفاظ على موقفها المحايد تجاه ليبيا رغم الضغوطات

خلفت أول زيارة رسمية يؤديها الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى فرنسا سجالا سياسيا  في علاقة بالملفات التي صمت عنها ، وفي مقدمتها الأزمة الليبية ومستقبل العلاقات المشتركة، اذ اعتبر  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن تركيا تمارس لعبة خطيرة في ليبيا  تتعارض مع جميع التزاماتها التي تعهدت بها في مؤتمر برلين، وأنه نقل هذا الموقف في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمناقشة الأزمة في ليبيا ، مؤكدا أن " فرنسا وتونس معا تطلبان من الأطراف المتقاتلة أن تتوصل لوقف إطلاق النار وتحترم التزاماتها في إطار ما تقرر في الأمم المتحدة لإعادة الأمن للجميع وتوحيد المؤسسات الليبية ".

وأضاف ماكرون أنه "يتبنى مع الرئيس سعيّد هذا الموقف، موجها رسالة مهمة لضيفه التونسي قائلاً: "يمكن أن أقول إن التزامكم مهم جداً في هذا الموضوع ".
ولكن  يبدو  أن الرئيس الفرنسي ، فشل في انتزاع موقف مماثل من الرئيس التونسي، حيث شدد سعيّد في كلمته على ضرورة أن يكون الحل في ليبيا " ليبيّا ليبيّا " مجددا رفض تونس تقسيم البلد الجار. ووجه سعيّد بدوره رسالة مهمة لماكرون، مشدداً على أن تونس من أكثر الدول المتضررة من الأزمة الليبية، وهي تُنسِّق  مع الجزائر بخصوص هذه الأزمة، مؤكدًا التشبث بوحدة الأراضي الليبية وأنه " لا مجال لظهور مقاطعات وكنتونات في ليبيا ".

ويعتبر رد سعيّد وإشارته إلى التنسيق مع الجزائر رسالة مهمّة تؤكد ثبات الموقف التونسي بخصوص ليبيا، وأنّ تونس ترتب أولوياتها بشكل مدروس ودائم بشأن ليبيا وفي المنطقة وتوجه في الآن نفسه رسالة طمأنة للجزائر بأنّ الموقف التونسي لم يتغير، رغم أن التحذير الفرنسي
" التزامكم مهم جدا بهذا الخصوص " الذي اقترن خلال الندوة الصحافية بالإشارة إلى قروض وإعانات فرنسية لتونس، لا يبدو كيّساً سياسياً وكان مباشراً وحاداً، رغم تبادل المجاملات بين الرئيسين.

حديث سعيّد عن «الشرعية المؤقتة» لحكومة الوفاق يثير جدلا

أثار حديث الرئيس التونسي، قيس سعيد، عن “الشرعية المؤقتة” لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، ودعوته لدستور تضعه القبائل على الطريقة الأفغانية، حبرا كبيراً  خاصة ان  مقاربته  للملف الليبي بدت  مرتبكة  ،  انطلاقًا من نقطتين: اذ اعتبار أن  “السلطة القائمة في ليبيا تقوم على الشرعية الدوليّة " و هذا فيه تجاوز للاتفاق الليبي في الصخيرات، وثانيا وصف هذه الشرعية بأنها "شرعيّة مؤقّتة لا يمكن أن تستمر ويجب أن تحل محلها شرعية جديدة وشرعية تنبع من إرادة الشعب الليبي ". وأضاف في تصريحات إعلامية الثلاثاء، “يجب البحث عن شرعية جديدة في ليبيا تنطلق من الداخل الليبي تقوم على المشروعية الانتخابية”. وهذا يعتبر موقفا مستجدا في الديبلوماسية التونسية تجاه الحكومة الشرعية في طرابلس . خاصة  أن قيس سعيد، قد أعلن في حملته الانتخابية مساندته للشرعية الدولية في ليبيا، ولكن يبدو انه  راجع موقفه بعدما وقف على حقيقة الأمور وخاصة استخدام الإسلاميين الاعتراف الدولي لفتح الباب أمام تركيا من أجل التدخل في ليبيا وإرسال الآلاف من المقاتلين السوريين من بينهم عناصر من تنظيم داعش وجبهة النصرة، وهو الأمر الذي يشكل خطرا أمنيا على تونس.

وبينما رحّب البعض بتصريحات سعيّد الذي حاول التخلص نسبيا من الضغط الفرنسي لتبني موقف مناهض لأنقرة، اعتبر آخرون أن هذه التصريحات تعقد الأزمة الليبية، وتتضمن نوعاً من “الاصطفاف” مع طرف ضد آخر. فشنّ الإسلاميون حملة ضده واعتبر  رئيس حزب العدالة والبناء الإخواني محمد صوان أن  “ قيس سعيد يفتقد إلى الحد الأدنى من المعرفة بالأزمة السياسية في ليبيا وتركيبة شعبها”.

في حين وصف عضو مجلس الدولة الليبي عادل كرموس "مقترح "قيس سعيد" بأنه "جاء مخيباً للآمال كون الأزمة الليبية لا تحتاج إلى دستور مؤقت أو دائم لأنهما موجودان حقيقة، وبالتالي الحل الدستوري موجود لكن من يعرقله الثورة المضادة التي تسعى من وراء ذلك لإنهاء أي مظهر من مظاهر الديمقراطية في ليبيا".
امام هذه التحركات والمواقف، تبدو تونس في وضع دقيق حول ليبيا، تتقاذفها تخوفات حقيقية من تسريبات تقسيم ليبيا، ومن تصاعد نبرة التوتر والتهديدات، الفرنسية من ناحية والمصرية من ناحية أخرى، لأنها المتضرر الأكبر من أي انهيار للأوضاع الأمنية في لبييا، وفي الوقت نفسه، تحتاج تونس إلى قراءة استشرافية للأوضاع تمكنها من استباق الأحداث والتموقع ما بين كل هذه المواقف المتضاربة، وصياغة موقف ثابت لا يقصيها نهائياً من المشهد الليبي مستقبلاً رغم تراجعها الواضح عن قيادة أي مبادرة والاصطفاف مع الموقف الجزائري.

جيهان غديرة
 
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.