عبد السلام القلاّل: مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة، كارثة القرن الواحد والعشرين
صيحة فزع ونداء للمجتمع المدني وكل المترشحين لحكم تونس في العهدة القادمة حتى يوقفوا هذه الكارثة قبل فوات الأوان
ألف سؤال وسؤال يطرح حول هذا المشروع الذي تقرر إنجازه من طرف الحكومة المنتهية عهدتها، وكلّ خوفي أن تكون قد ارتكبت، بقرارها هذا، أكبر كارثة في القرن الواحد والعشرين إزاء أبناء الساحل وكل الشعب التونسي.
لماذا كل هذا الإصرار على الخطأ؟ وأصوات الخبراء الحقيقيين والجديين يعارضون هذا المشروع في هذا الموقع بالذات؟ لماذا لم يطرح هذا المشروع، على النقاش أمام الرأي العام والمجتمع المدني والاستماع إلى الأصوات المعارضة له، وهي ذات أهميّة بالغة حتّى نتبيّن إيجابيّاته وسلبياته؟ هل تأكّدنا من جدوى هذا المشروع ومن اهميّة مردوديّته على الاقتصاد الوطني؟ هل في استطاعته منافسة الموانئ المماثلة التي بعثت حديثا والتي هي بصدد الإنجاز على جنوب المتوسّط؟ إن تمويله سيأتي من الخارج طبعا لكن هل في استطاعة تونس وهي على ما هي عليه تحمّل التكاليف المناطة بعهدتها قبل وبعد الإنجاز من بنية تحتيّة وصيانة؟
إن مشروع الميناء سيقضي على التوازن البيئي في المنطقة الرابطة بين الحمامات وسوسة وشواطئها الجميلة ويكون سببا في تلوّث الشريط الساحلي مثلما أكّده عدة خبراء؟ كيف نحرم الأجيال المقبلة من آخر مخزون سياحي على البحر؟ لما لم نفكر في إنجاز طريق سيّارة " كرنيش" يطل على البحر من الحمّامات إلى سوسة، كما هو موجود في البلدان المتقدّمة يحدّها البحر من جهة والنزل والمطاعم ووسائل الترفيه من جهة أخرى، حتّى ينعم كل التونسيين بجمال البحر ومنافعه؟
إن كان لزاما إيجاد مشروع في هذه المنطقة لماذا لا نفكّر في نطاق تطوير وتنويع سياحتنا بفتحها على سوق الأثرياء من سياح العالم ببناء مدينة سياحيّة ترفيهيّة عوض الميناء تكسب حيويّة وجدوى للمطار وتتوفر فيها كل المرافق الحياتيّة والترفيهيّة من نزل فخمة وميناء ترفيهي ومسارح ومطاعم ومقاهي وقاعات للسينما وملاهي ومناطق خضراء وملاعب للقولف ومختلف الرياضات الأخرى ودور للعبادة ومغازات للملابس الفاخرة ومساحات تجاريّة كبرى ومرابض للسيارات ومساكن للعاملين فيها، حتى نتجنّب البناءات الفوضويّة فتكون هذه المدينة بتصوّر جديد يختلف عما انجزناه إلى حد الآن فتصبح بعد عقود أجمل مدينة على المتوسّط وجوهرة الساحل بحق.
أليس مشروعا من هذا النوع أجدى وأنفع وأجمل وأسلم وأكثر قدرة تشغيليّة من مشروع الميناء، يحافظ على نقاوة المحيط والتوازن البيئي، ويجعل من منطقة النفيضة والساحل منطقة يحلو فيها العيش؟
وجّهت رسالة مفتوحة في هذا الشأن إلى رئيس الحكومة في ديسمبر سنة 2017 شرحت له فيها الظروف التي بعث فيها مشروع الصناعات المغاربيّة بقابس في عشريّة الستّينات من القرن الماضي حيث كنت مسؤولا شاهدا وفاعلا، وكيف أن هذا المشروع أصبح بعد سنوات أكبر كارثة عرفتها تونس في القرن العشرين لعله يستوعب الدرس ويتعظ من أخطاء الماضي. لكن بدون جدوى اتخذ القرار لإنجاز هذا المشروع في غير المكان المناسب مع الأسف.لماذا نصرّ على ارتكاب نفس الخطأ بإنشاء ميناء المياه العميقة في النفيضة؟ فإن كان من الضروري إيجاد ميناء من هذا النوع، أليس من الأجدى إنجازه في أي منطقة أخرى من تونس أين توجد المياه العميقة؟
أهيب بمجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة ورئيس الدولة والمجتمع المدني أن يعوا خطورة ما نحن قادمون عليه وأن يراجعوا قرار إنجاز هذا المشروع في ذلك المكان بالذات لنحافظ على مخزوننا السياحي من الشطوط الجميلة وعدم المخاطرة بتلويثها.
لو قدّر لهذا المشروع ان ينجز سيكون ثاني أكبر كارثة بيئيّة تعرفها تونس بعد كارثة خليج قابس.
اللهم أشهد أني قد بلغت.
الأستاذ عبد السلام القلاّل
مناضـــل من جيل الاستقلال
- اكتب تعليق
- تعليق