مختار اللواتي: من حَقِّي عليكم أُسائلُكم

مختار اللواتي: من حَقِّي عليكم أُسائلُكم

مَن عسايَ أكونُ، قد تقولون، حتى أسائل أصحابَ المقام العالي؟ سيان عندي إن كنتم تؤمنون بأن للمواطنين عليكم حقا في مساءلتكم عن أفعالكم، أم لاتؤمنون.. فلقد قررتُ وانتهى الأمر، بلا استئناف ولاتعقيب !!

أنا فرد من أفراد هذه المجموعة البشرية المنغرسة في هذه الرقعة من الأرض. منهم من آلت جثامينهم إلى باطنها مستقَرّاً يثري معادنَها، سواء منذ آلاف السنين أو مئاتها أو حتى عشراتها أو فقط مِن أشهرٍ وأيامٍ منها. أو مَنْ مازالت أقدامُهم ثابتةً على أديمها ليَرْوُوا لبناتهم وأبنائهم ما أغفله كثير من رواة التاريخ المُكلَّفين بمهمة طمس حقائقه الأربع... والأربعين !!

لقد انكشفَت سخريتُكُم من الدلالات العميقة لكلمات وطن ومواطن ودستور وقانون ومساءلة ومحاسبة.. أفعالكم وصراعاتكم ومناوراتكم قد عرَّت ما حسبتموه مخفيا في الأعماق فيما الدولة تنهار أركانها والشعب يهتز بنيانه وتتصدع أنسجتُه وتداس كرامتُه على أعتاب قصور الملوك والأمراء والرؤساء.. أهذا هو النعيم الذي ما فتئتم، كلكم، تبشروننا به؟؟ أهذا هو المآل؟؟..  ألله يا محسنين هي نهايتُنا بين الدول؟؟

سيدي الرئيس، لقد كان لكم شرف دخول قصر قرطاج بتفويضٍ مباشرٍ من مليونين وأكثر من سبع مائة ألف تونسي وتونسية، فهلاَّ تواضعتَ وأرشدتَ العبدَ لله فقراً وغباءً، عن ماذا قدمتَ لشعبك الذي سَبِرْتَ أغوارهَ فعرفتَ ماذا يريد، منذ تسلمك مفاتيح قصر الجمهورية المنيف وإلى اليوم، وعن ماذا تنوي فعله في قادم الأيام والسنين؟؟ فعدا الألغاز التي كنت تلوح لنا بها بين الحين والآخر، من نوع "أموال الشعب المنهوبة يجب أن تعود إلى الشعب"، و"أولئك الذين يتآمرون في الغرف المظلمة المغلقة قد انكشفت خططهم"، و"المشروعية لا تقل قيمة عن الشرعية"، وغيرُها كثيرٌ مما أصبح الفرقاء السياسيون يتقاذفون به، كلٌ يؤوله على هواه ويراه يقصد الخصمَ المقابل، والبقيةُ قلبته مَدارَ مزحٍ أو لغو.. فحتى أولئك الشباب الذين انتسبوا إليك وقالوا إنهم هم من ذكرتَهم في مناظراتك التلفزيونية بأنهم هم من قادوا حملتك "التفسيرية" كما وصفتَها، وأنت على حق. لأن ما قلتَه وبشَّرتَ به، يستدعي فعلا التفسير لغموضه لحد الساعة، برغم خرجاتك وزياراتك، حتى في أوج الحجر الصحي ومنع الجولان، لمناطقَ ولعائلاتٍ منسية. قلتُ، حتى هؤلاء لَمَّا يئسوا من المماطلة ومن هدرٍ الوقت في الترهات تحت قبة مجلس النواب، ومن تجاوزٍ للصلاحيات وعبثٍ بمؤسات الدولة وبدستورها، وأنت صامت، قرروا ممارسة حقهم في الإحتجاج وفي المطالبة بتصحيح المسار، مستندين إلى ما فهموه من دعمٍ لهم في تأكيدك على أهمية المشروعية الشعبية تماما كأهمية الشرعية الانتخابية، لكنهم فوجئوا بمنعهم من ممارسة حقهم، دون أن تحركَ ساكنا لنصرتهم، أو حتى لتفسير ما جرى !. فماذا جرى يا سيادة الرئيس؟؟ فعندما أعلمك مكتب مجلس النواب باعتزام المجلس النظر في مشروع لائحة تطلب من الدولة الفرنسية الإعتذار على فترة الإستعمار لتونس، والتعويض للدولة التونسية على ما لحق البلاد من أضرار منها، وأنت الحامي للسيادة الوطنية والمسؤول الأول عن سياستها الخارجية، لم تصدر عنك أية إشارة لمجلس النواب بعدم رضاك على هذه المبادرة. لأنها تضر البلاد ولا تنفعها في مثل هذا الظرف الذي تقف فيه الدولة التونسية على حافة الإفلاس، إن لم تكن قد بلغته !.

فأفسحتَ هكذا في المجال لحركة النهضة كي تلعب بهذه الورقة بمهارةٍ ليست غريبةً عما كسبته من خبرة على مر تاريخها وفي السنوات العشر الماضية بالذات، في مجال المناورة السياسية، في الداخل وفي الخارج. فنجَحَت في إسقاط اللائحة، وكسبت في شخص رئيسها تقديرَ الدولة الفرنسية التي عبَّر سفيرها لدى الدولة التونسية، مؤخرا عن الإعتراف بالجميل وعن الشعور بالتقدير لدور رئيس حركة النهضة "بإنقاذه العلاقات التونسية الفرنسية من أزمة ديبلوماسية حادة، لو تم تبنِّي تلك اللائحة" هكذا !!. بل لقد قرر الرئيس الفرنسي أن يقدم هبة مالية معتبَرَة إلى تونس في شخص رئيسها، الذي هو أنت سيدي الرئيس بمناسبة زيارتك الرسمية لباريس. فهلاَّ شكرتَ أنتَ أيضا السيد راشد الغنوشي الذي سبق وقال يوم فوزه بكرسي رئاسة مجلس النواب، في تلك الصفقة الشهيرة مع عدو الأمس الذي كان يصفه بِ "رمز الفساد الأول"، بأنه، أي السيد الغنوشي هو "رئيسُ كل التونسيين"، وأجبت أنت بعد فترة، بأدبٍ واحتشام، بأن لتونس رئيسا واحداً ! فهل شكرتَه على كريم فضله ووطنيته اللماعة وحبه "اللدود" لأبنائه التونسيين بأن جعل منك الشخصَ الذي يستلم الصدقةَ الفرنسية لشعبنا السائل المحروم؟؟ وبعد كل هذا وقبله، ألم تعلن منذ أكثر من شهرعن إعداد مبادرات تشريعية لعرضها على مجلس نواب الشعب؟؟ فأين هي وماذا حلَّ بها؟؟ بل وماذا عساه يكون في طياتها؟؟

أمُرُّ إلى السيد رئيس مجلس النواب، وأتوجه إليه بسؤالي الأول فأقول، هل أنت فعلا واثقٌ في قرارة نفسك الدالةِ على فعل الخير لهذا البلد الآمن الأمين، أن شعبه المكابدَ في كامل أرجائه من الشمال إلى الجنوب لتأمين لقمة عيشه بعزة وكرامة، والصابرَ على فراق فلذات كبده وهم ينتشرون في كل أصقاع الدنيا، كسبا للعلم وللرزق بشرف وإباء، قد أصبح حقيقةً شعبا سعيداً بإنجازاتك شخصيا وحزبك العتيد؟؟ أية قيم هذه التي درَست ودرَّست وطبعت، فجعلتك تلتذ بمآسي العائلات وهي تفقد أبناءها وبناتها وقد قذفتَ في صدورهم نار الحقد والكراهية لوطنهم ولأهلهم وللبشرية جمعاء، وزينت لهم القتلَ والنهبَ والحرقَ في داخل البلد وفي الجوار وفي العالم. فأصبح ذكر تونس والتونسيين عنوانَ وحشية ولا إنسانية بعدما كان رمزا للكد والإجتهاد. بل وللنبوغ وللتفوق حيثما كان هناك تونسيات وتونسيون !! أكنتَ تنام قريرالعين مرتاح الضمير بعدما سمعتَ ذلك الأميرَ القادم ضيفا على بلدنا في ذلك العام الحزين يقول لمن شئتَ أن يكون رئيساً لدولتنا، سليلةِ قرطاج وإفريقية والقيروان، إني أُعَلِّمُ رئيسَكم آداب السلام، وهو ينظر إلى الكاميرا مخاطبا الشعب بأسره؟؟ أكنتَ تفرك راحتيك غبطةً وأنت تسمع رئيس تلك الدولة "الصديقة" الأخرى الذي حل على بلدنا ضيفا دون دعوة ولا إعلام، منذ أشهر قليلة مضت، وهو يقول"إنني أشتم رائحة الدخان في القاعة" تلك القاعة التي كانت تنعقد فيها، في رحاب قصر قرطاج، ندوته الصحفية في ختام زيارته الفجئية القصيرة لبلدنا من أجل حوز دعمها لمخططه التدميري في الجوار.. فهل نسي أم تناسى وتناسيتَ معه، هَوْلَ تلك الحرائق التي أذكى لهيبها، ومازال، في بلدان شقيقة، وأعمدةَ الدخان التي تصاعدت منها، وكنتَ أنت من بين النافخين فيها؟؟ هل نسيتَ أم تناسيتَ خطبتك الجمعية في أحد جوامع البلد في عامِ شؤمٍ من تلك السنوات السوداء، وأنت تستشهد بأبي بكر الصديق وهو يهدر دم من قلتَ إنهم رفضوا إتيان الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتبرتَهم أولَ دعاة العلمانية في التاريخ.. هكذا !! ، وقلت إن أبا بكر قد حسم، بالأمر بقتلهم، الموقف من العلمانية ومن العلمانيين؟؟ وهكذا قد قلبتَ الجدل حول مفهوم الدولة المدنية والدولة الدينية إلى أمر ديني مقدس يستوجب الحسم. ومالحسم عندك إلا القتل. وهو ما تحقق سريعا بعد ذلك !!.. أنسيتْ ؟؟ وحتى عندما ارتعب الشعب من عمليات الإغتيال لرموز الوطن والوطنية وانتفض رفضا للفِخاخ المنصوبة له، إنحنيت للعاصفة، وقلت قولتك الشهيرة "خرجنا من الحكومة ولم ولن نخرج من الحكم". أَوَ لم يقلها رفيقُ دربك الوديع بشكلٍ أبلغَ وأرعب؟، "لن نُفرِّط في الحكم الذي ظفرنا به بعد تعب كبير وتضحيات جَمَّة. ولن ننتدب ولن نكافيء إلا من والانا ومن هم من جماعتنا، لأننا لا نثق في غيرهم. وسنقيمها دولة القهر ليستتب لنا أمرها؟؟" أنسيت ذلك؟؟ وقد أضحت العمليات الإرهابية التي تطال قواتِنا الأمنية والعسكرية، هي أداة نشرالرعب بين السكان كلما ضجَّ الناس من الحيف والقهر اللذيْن "غمرتموهم بفضائلهما". ألم تكن أنت من دعوتَ رموز الحركات السلفية المتشددة في أحد لقاءاتك المسربة بهم، إلى الإنتشار في الأرض وإقامة خيمات الدعوة بين الناس وبعث الجمعيات، في انتظار تأمين الشرطة والجيش اللذيْن مازالا، حينذاك، غير مأمونيْن؟؟ فكان أن شهدنا ذلك الإستعراض الحاشد في مدينة القيروان بمناسبة مؤتمر حركة أنصار الشريعة. حيث كان للفنون القتالية الحضور اللافت يومها وعامها ذاك. وقد مروا من الإستعراض إلى الفعل لابذلك الهجوم المريب على السفارة الأمريكية ببلدنا. أنسيت ذلك؟ أوَ لم يأمر وزيرك للداخلية قوات الأمن بتأمين طريق الخروج لزعيم تلك الجماعة من جامع الفتح بالعاصمة، ثم من البلد؟؟ هل نسيت ذلك؟؟  وحتى عندما تفتق ذهنك في المؤتمر العاشر لحزبك على تلك التخريجة البديعة، "فصل السياسي عن "الدعوي"، كانت في الحقيقة إيذانا بعودة حملات نشر البغضاء بين أفراد الشعب الواحد، وتحريض بعضهم على بعض في المساجد، باستخدام آيات القرآن وسيل الأحاديث النبوية مطية لغايات الإحتراب والتمكين من أجل دولة القهر التي أفصح عنها الشيخ رمزُ الحمامة في قياداتكم. وها قد عجَّل منذ أيام مع قيادات بارزة أخرى في حركتكم وفي تنظيمكم، بمغادرة سفينتك قبل الغرق الوشيك. هلاَّ اتعظت؟ وأخيرا وليس آخراً، أما كان أولى بمجلس نواب الشعب الذي أنت رئيسه، أن يعجِّل بإتمام انتخاب المحكمة الدستورية بعيدا عن المحاصصات والنظر في التشريعات التي تحمي قطاع الصحافة وأهله، وتلك التي تيسر حياة الناس اليومية، من شغل وصحة واستثمار وتنمية الثروة، أم إذكاء النزاعات والمناكفات في مهاترات تفرق ولا توحد؟؟

أما أنت سيادة رئيس الحكومة، فأمرُك عجيب غريب. ما إن تُظهِرَ للشعب قَبَساً من حكمةٍ وشجاعةٍ وروحِ مبادرة يستعيد معها، وهو الطيب بالفطرة، الأمل في إنقاذ البلاد والضرب على أيادي أباطرة الفساد فيها، حتى تنكفئ على نفسك وتدخل بوتقة الحجر السياسي. فماذا أنت عازم في النهاية على فعله؟؟

قلت بأعلى الصوت إنك وحدك قائد المعركة ضد الكورونة وقائد الحرب ضد الفساد واسترجاع هيبة الدولة وعلوية القانون. ثم وما إن سُكِب الزيت تحت قدميك ورُفعت السكاكين في ظهرك وحتى أمامك، حتى أرخيت لهم الحبل. وبعد خمسة أسابيع من الهدوء ظهرت في حوارك المتلفز الجديد منذ أيام بمشروع برنامج إصلاحي يراوح بين الصراحة والتخويف. أما عن العاصفة فلم تعرف هدوءا لها في نفس الفترة.. بل ازدادت عنفاً بين البلاتوهات التلفزية والإذاعية وتحت قبة مجلس النواب حيث اختلط على المواطنين الأمر بين المتنابزين بأقبح الصفات من أعضاء المجلس وبين متخاصمين في إحدى حانات الشوارع الخلفية ما بعد منتصف الليل.  إن قلتَ ما دخلي فيما يجري داخل قصر باردو. أجيبك بأن المجلس للحكومة كما حبل الوريد للإنسان في نظامنا شبه البرلماني الهجين. فما أن سقطت اللائحة المتعلقة برفض التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وبعدها لائحة الإعتذار من الدولة الفرنسية للشعب التونسي وللدولة التونسية على حقبة الإستعمار لبلدنا، حتى خرج رئيس حركة النهضة بطلبه تعويض حركتي الشعب وتحيا تونس في الحكومة، بحزبيْ قلب تونس وائتلاف الكرامة !! وأكثر من هذا، تم بشكل قطعي رفض مقترح الإمضاء على وثيقة التضامن بين أعضاء الحكومة.. صحيح أنك، سيدي رئيس الحكومة قد ألمحت للخلافات القائمة مع مجلس النواب، والقصدُ واضحٌ اتجاهُه إلى رئيس المجلس أساساً الذي هورئيس حركة النهضة.  ولكن، هل تعتقد أنه بتلك التلميحات تصبح طريقك سالكة وتضاء لك أنوارُها لتفادي المطبات التي يجري زرعها يوميا؟؟ وها إنك الآن أمام إحداها وربما أكثرها خطورة. إنها قضية تضارب المصالح المتعلقة بالشركات الثلاث التي أنت شريك فيها والتي تمثل الدولة حريفا قارا لأكبرها. ويبدو أنك أخفيت فيها بعض العناصر المهمة، مثل مقادير مساهماتك في رأس مالها، ما دفع النائب ياسين العياري إلى إبلاغ الجهة المعنية بمقاومة الفساد، وتقديم قضية عدلية إلى النيابة العامة.. أهكذا يتم التلاعب بمسؤوليتك في أعلى هرم السلطة، وأنت صاحب مقولة "لا أحد فوق راسو ريشة في الحرب على الفساد؟؟". وماذا كذلك أنت فاعل في احتجاجات الجيش الأبيض الذي أبلى البلاء الحسن في المعركة ضد جائحة كورونا. ولم يلتفت إلى طلباته المزمنة إلا بعد تراجع الخطر. وكان في الخاطر أن تبادر الحكومة من تلقاء نفسها، برغم الحالة المادية الضنكة للدولة وللبلاد، أن تنظم يوما احتفاليا على شرف الإطار الطبي وشبه الطبي في كامل جهات البلاد، تكريما لتضحياتهم. وبالمناسبة يتم رفع الغبار عن مطالبهم المؤجلة والتي طال الإنتظار بشأنها. ولكن شيئا لم يتم .. هل هو النسيان أم الإهمال ؟؟ وفي الختام أطمئنك وأطمئنكم جميعا حتى وإن كنتم غافلين أو غير مقدرين لانتباه الشعب لسوء إدارتكم وحوكمتكم وتصرفكم عموما، أننا طيبون صحيح، ولكن أبدا لسنا أغبياء ولن يطول صبرنا إلى مالانهاية. فالمشروعية الشعبية ليست كأهمية الشرعية الانتخابية بل هي الأصل والمرجع والأهم. هل وضحت الرسالة؟؟ أرجو ذلك !!

مختار اللواتي
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.