أخبار - 2020.06.16

أسماء المواليد الجدد: في بنزرت الأرض الطيبة، البلدية تحظر "الأرض الطيبة" !!

أسماء المواليد الجدد: في بنزرت الأرض الطيبة، البلدية تحظر "الأرض الطيبة" !!

من المتفق عليه ان بلادنا تعاني من أزمة، ومن الواضح أن بعض المسؤولين فيها يزيدون من أزمتها عوض الإسهام في التخفيف منها، بسبب ضيق الأفق أو نقص الخبرة أو ضعف الإرادة. والسلطة المحلية، التي هي بصدد التشكل و خوض اول تجاربها، ابرزت نموذج من القيادات البلدية بعضها  واع، مجتهد، و على طريق النجاح. ولكن البعض الآخر إما متخبط في أعماله عشوائي، أو مخاصم لمقتضيات القانون أو مناوىء لروحه ومبادئه.

ولعل ما اتاه رئيس بلدية الكرم مؤخرا، و إن بصفة كاذبة، من اعلان ببعث صندوق للزكاة يعد مثالا واضحا على الخروج على أحكام القانون والسعي لخرقه. بل أسوء من ذلك الخروج على الدستور ومواده.

وبالأمس كذلك بادر  رئيس بلدية بنزرت بوضع قائمة من الأسماء  يحجر اختيارها (لأنها غير عربية) من قبل الوالدين لتسمية مواليدهم الجدد. ويعتبر هذا ايضا  مناوءة للقانون و إن ادعى طاعته وتطبيقه.

كيف؟ لأن القانون كما الدستور يؤخذ بكليته لا مجزء وإنتقائيا. علاوة على ضرورة إحترام تراتبية القوانين وأسبقية هذا على ذاك. 

فالمنشور (عدد 85 المؤرخ في 12 ديسمبر 1965) مثلا، والذي يحب رئيس بلدية بنزرت تطبيقه وبصورة سخيفة، وهو الذي عفا عليه الزمن، بات يتفوق عنده  على الدستور، وعلى المعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل تونس!  وفي كلا الحالتين (الكرم/بنزرت) ينغلق -للأسف- باب الاجتهاد قصدا، وتغيب ملكة التمييز اختياريا، بغاية الدفع ولو بالمخاتلة نحو نموذج للمجتمع يكثر فيه التسلط وتنكمش فيه الحرية.

اليس في بعث صندوقا للزكاة تدخلا سافرا في حرية دينية من قبل سلطة، بغاية مراقبتها مسبقا (لا يجيزها الدستور)، ومن المحتمل - ايضا - استخدام تلك الرقابة لمآرب سياسية؟

أليس في منع اسماء من التداول في دفتر الحالة المدنية تعد واضح و مكشوف على حرية شخصية، وعلى الحق في الحياة الخاصة التي على الدولة حمايتها؟
 إذن ليس في الامر تعلقا بالدين (الكرم)، او بالهوية العربية  (بنزرت) إنما هو ولع بانموذج للمجتمع، عفا عليه الزمن هو ايضا،  في تضاد تام مع الحرية ومع أس الدولة المدنية.

ولعلني أفيد هنا نصيري نموذج ذلك المجتمع التقليدي البالي (العيوني/ بن عمارة ) ان حريتهما الشخصية في الايمان بذلك ليست محل نقاش. ولكن التفويض الانتخابي الذي تحصلا عليه يلزمهما بالتقيد بالدستور والقانون، ولا يعفيهما من واجب عدم التمييز بين المواطنين.  

فحرمان مواطن في بنزرت من اختيار إسم لإبنه/ته من خارج الهوية العربية فيه تمييز  ضده من خلال استبعاد رؤيته للهوية.  وبالمثل إنشاء صندوق زكاة لمتساكني الكرم فيه تمييز  ضد من يحتمل ان يكون خارج الدين الإسلامي. 

فالجماعة العمومية (البلدية) تمثل كافة المتساكنين و في خدمتهم، وعليها أن  لا تفرق بينهم على أساس ديني او ثقافي أو غيره.

كما لا يسعني ان افيد أيضا (رئيس بلدية بنزرت هنا) ان الهوية واللغة وهما من الثقافة متحركين غير جامدين، يغتنيان دائما بالاضافة والاثراء المتواصل من خلال الانفتاح على الآخر وعملية التثاقف والمثاقفة.   

فكيف تقدم أيها الرجل -إذن- على إعلان منع إسم "ماجدولين" (مثلا) من الترسيم في كتاب الحالة المدنية، وهو الذي يعني الأرض الطيبة او المراة الحسنة الخُلق، والمنسوب إلى مجدل (عسقلان) بأرض فلسطين؟

ربما عليك أيضا  منع  رواية الادب الرومانسي"ماجدولين" أو تحت ظلال الزيزفون (بالفرنسية: Sous les tilleuls)‏ التي عرَّبها الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي، من التداول في ارض بنزرت الطيبة!

ولكن ثق ان التطلع إلى الحرية سمة عند الإنسان عامة. وقد حسم القضاء سابقا في قضايا منع إسناد اسماء بعينها (ليس فيها ما هو مناف للاخلاق العامة او مضر بالمصلحة الفضلى للمولود)  واعطى الحق لأصحابه ومكنهم من حرية الاختيار: مثلا المحكمة الابتدائية بصفاقس تاذن باطلاق إسم "ميسان" ذي الاصل الأمازيغي على مولود جديد (اوت 2018)

وفي انتظار قضايا من هذا النوع في بنزرت، اقول متى ستستفيق الحكومة عندنا و تبادر إلى تجميد العمل بهذا المنشور المنافي للدستور، في انتظار سن قانون آخر عصري يكرس حرية الاختيار؟

فتحي الهمامي
ناشط حقوقي
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.