يوميات مواطن عيّاش: لابــس الماصك مـن قـبل الــكـورونـا
مثل سجين أعلم بيوم السراح ، قفزت إلى جوّالي أقاسم العياش الأفراح ،وأهنؤه بنهاية الحصار، بعد أن سئمنا المكوث أسابيع في الدار ، رغم ما فيه من بعض الجوانب الإيجابية، كالركشة المستمرة ومتعة البطن من انبلاج الصبح إلى عقاب السهرية.
وبعد تبادل التهاني ودون مقدّمات ، وجدنا أنفسنا نتحدّث في موضوع الماصكوات ، وكنت – كيف تجي تشوف – أنا الذي بادرت إلى طرح القضية ، بعد أن قضيت اليوم كلّه من صيدلية إلى صيدلية، أبحث عن الماصكوات فلا أجد لها من أثر، وإن وجــــدتها فكــاسح سعرها مثل الحجر ، فكيف لي ولمثلي من مــــلايين التـــونسيين، أن يعودوا إلى أعمالهم وهم ضــــد الكورونا غير مؤمّنين؟
ولما سمع العيّاش هذا السؤال، ضحك ثـــمّ قال : «هذا الأمـــــر لا يهمّني ، والقضيّة ليست قضيّتي»، قلت : «ألا تخشى يا صديقي الكورونا ؟ أم أن دفاعاتك بقدرة قادر مضمونة ؟ »، فأجابني بكلّ ثقة واطمئنان : «بل لأنّي يا عزيزي ألبس الماصك من زمان، وما انتظرت حلول هذه الكائنات اللئام ، لأضع على وجهي اللثام»، فقلت : «غريب والله أمرك ، إني لم أرك يوما والماصك على وجهك»، فقال : «ماصكواتي لا ترى»، فقلت : «كيف ؟ هل هي مثل طاقية الإخفاء ؟».قال : «نعم، ماصكوات ما تشوفهاش العينين ، ولاهي مقدودة في أوروبا ولا في الصين».
قلت : «ومن أين تأتي إذن بهذه الماصكوات السحرية ؟»، فأجابني العيّاش : « إنّها محض صناعات محلية ، أخترعها لنفسي كل صباح، باش نعيش بين الناس مرتاح، وهي متعدّدة الاستعمال ، تتكيّف في لحظة مع كلّ حال». قلت «وااله لقد شوقتني لمعرفة هذه الماصكوات ، فهات ما عندك هات».
قال العيّاش : «هذه ماصكوات عجب، تمكنك من أن تعطي كلّ أحد الوجه الذي يحبّ : مع الناس الكبار نحط ماصك الحشمة والوقار ، ومع الشباب نلبس ماصك الهيبة والقدر، باش ما يطيحش حرف الياجور ويا دار ما دخلك شرّ . وكيف نمشي للخدمة ،نهز معايا ماصك الرزانة والحكمة ، أما مع عرفي نستعمل ماصك المنافق :على أفكارو الكل ديما موافق ، وحتى كي يبدا غالط نعطيه الحق ، خايف طبعا على راسي يتشق . ومع المتفقهجين في الدين ألبس ماصك الجاهل المسكين ، لأنجو من النقاشات البيزنطية ، وما قد يتبعها من انزلاقات كارثية . وقد أستعمل معهم ماصك التقيّ الورع ، لكي لا أتّهم بما أعلم ولا أعلم من البدع . أما مع أصحاب السوء والقعدات ، فأضع ماصك الضحك واللامبالاة . وفي الحومة خصّصت للبعض ماصك الود والصداقة والحب ،وخلي لي في القلب في القلب...».
ويضيف العيّاش : «وعندي زادة ماصكوات ، يمشيو مع المناسبات: ماصك الفرح الدايم يتلبس في الصداقات والعروسات ، وماصك نلبسو كي نمشي نعزّي في الجبانة ،باش نعمل كيف الناس الكل: زعمة متأسفين حزانى.وثمة ماصك «باس يارتو» يصلح مع الناس الكل جملية : ماصك المجاملات الاجتماعية ،تستعملو في العايلة والحومة وفي مواقع العمل، ماصك باهت بارد لكن لا يكل لا ىيمل...».وهنا قاطعت العيّاش : «لكن هذا معناه أنّك ما تنحيش الماصك أربعا وعشرين ساعة على أربع وعشرين دون أن تستريح؟»، فردّ : «لا موش صحيح، فأنا عندما أعود مساء إلى الدار ، أنزع عنّي كل أقنعة النهار، لأنّه من الصعب حقّا أن أمصكي على المادام والصغار».
وعلى هذه الكلمات قطع العياش المكالمة دون سبق إنذار، وتركني أخاطب نفسي : «شوف يا سيدي شوف ، الكورونا ردت العيّاش فيلسوف».
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق