أخبار - 2020.05.23

عبد العزيز قاسم: فيروس الكورونة أمـام القـضـاء

عبد العزيز قاسم: فيروس الكورونة أمـام القـضـاء

عمّ يمكن أن أتحدث والأحداث تتسارع وفي كلّ مطلع شمس تظهر نذر جديدة للإفلاس الاقتصادي والسياسي والثقافي والأخلاقي. هل أكتب عن ازدياد تورّطنا في الحرب الليبية الليبية؟ وإلى أن سيجرّنا الضغط التركي المتفاقم تحت وطأة طابور أردوغان الخامس؟ طائرة تركية تنزل بجربة، طائرات أخرى تهبط وتطلع في قاعدة رمادة. ومستشفى إنعاش قطري على حدودنا لصالح من وفي مقابل ماذا؟ وإذا كان هناك مقابل فقديما قال المثل: تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها ويقول مثل آخر: خبز الأشرار يملأ الفم حصى. هل أكتب عن غياب الدبلوماسية التونسية بالكامل في المحافل الدولية؟ من هي الدول الصديقة لتونس؟ أوما زلنا أعداء لسوريا الباسلة وبالنسبة إلى الشقيقة مصر أوما زلنا على جفوة إرضاء للاستعمار التركي العائد وإيمانا أعمى بشعار رابعة العدوية ؟هل أكتب عن الديمقراطية التي لم ننفك نتبجّح بها والتي سمحت بلجان حماية الثورة التعيسة أن تدخل مجلس النواب؟ هل أكتب عن ضحالة اللغة الفرنسية التي ينطق بها العديد من نوّابنا ووزرائنا وعن فساد نطقهم بها؟ غير مطلوب منهم أن يتكلّموا لغة موليير أمّا إذا اختاروا أن يعبروا بها فينبغي أن يتجاوزوا مستوى تلاميذ الابتدائي. ربّما أعود إلى هذه المواضيع في مقالات قادمة. أما اليوم فقد اخترت أن أخوض في مواضيع ثلاثة لا غير.

عبير موسي في خطر

لا شكّ أنّ السيدة عبير موسي مجادلة مشاكسة تنغّص حياة الأحزاب الحاكمة في المجلس. وبكامل الموضوعية نقول إنّها تمتاز بقدرة فائقة على الخطابة والتحليل، مداخلاتها ذات منهجية ومستندات ومراجع، لا أقول غير قابلة للدحض ولكن خصومها لم يستطيعوا لها دحضا ولا مقارعتها حجّة بحجّة. فلجأوا إلى الشتم الرخيص والبذاءة والفحش. ولقد حصل مؤخّرا أن أشار عليها أحد زملائها الأفاضل المسبّحين حديثا بحمد المرشد بأن تلتحق «بماخور كذا»، مكانها الصحيح، علما بأنّ مداخلات عبير على صرامتها لا تتضمّن أية عبارة تخدش الحياء. والذي ساءني حقا هو أنّ قلّة من النساء استنكرن هذا التهور الذكوري إزاء المرأة لمجرّد أنّها امرأة. والملاحظ أنّ التونسي عموما من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية مبتلى بعاهة التلفّظ بعبارات المرحاض والجنس. إحدى صديقاتي جامعية متألقة علقت بأنّها ابتعدت عن العمل السياسي بسبب هذه العدوانية الرجالية التي تجعل من كلّ امرأة تهتم بالشأن العامّ عاهرة.

ولربَّ عاهرةٍ أشرف من شريف وكلّ العاهرات في الأصل غرّر بهنّ ذكور أنذال تربوا على أنّ الإيقاع بالأنثى فحولة وأنّ الأنثى التي تقع مومس. وفي هذا المعنى يقول نزار قباني من قصيدة البغي:

تُـــسْــــأَلُ الأنثــــى إذا تَــــزْني وكــــــمْ
 مُجــــــــرمٍ دامــــي الزِّنــــا لا يُسْــــــألُ
وســـريـــــرٌ واحــــدٌ ضـــمَّــهُـــمــــــا
تَســـْقُـطُ البـِنْــتُ، ويُحْمَـــــى الرَّجــُـــلُ

ولم تحفل عبير بالبذاءات فرفعوا من سقف الأذى بالدعوة إلى القتل. أحد النواب يكتب على صفحته الفيسبوكية بأنّه سيعدمها ويعدم رفاقها يوم يرقى إلى سدّة الحكم. والسؤال البسيط الذي يتبادر إلى الذهن هو هل الحصانة البرلمانية تحمي النواب من المساءلة القضائية عن مثل هذا التحريض؟ هذه المرأة مهدّدة في حياتها بحسب مصادر الأمن الرسمية. والعار كلّ العار للأحزاب والجمعيات والهيئات التي لا تتّخذ موقفا صريحا من هذا الأمر الخطير فتونس لن تتحمل اغتيالا سياسيا آخر بهذا الحجم.

موتوا بغيضكم

تسلّل فيروس الكـــــورونا إلى بلادنا واتخــــذت الحكومة إجراءات قاسية على الاقتصــــاد والعبــــــاد. حجروحضــــر واقتطاع أيام عمل من مرتَّبات  الأجراء وابتزاز لرجال الأعمال وتسوّل لدى المجتمـــــع الدولي. وتقبّل الجميع هذه القرارات باعتبارها ضرورات. وكلّ الشعوب الواعية تقبل التضحيات إذا تأكّدت من حســـــن تصرّف أولي الأمــــر منهم. إلا أنّ نا فوجئنا بقـــــرار تعيين مستشـــــارين اثنين نهضاويين كمستشارين لدى رئيس الحكومة برتبة وزيــــر وكاتب دولة من حيث المرتبات والامتيازات. وأحسّ الناس أنّ تضحـــياتهم المالية آيلة إلى تمويل مثل هذه التعيينات التي لا يبّررها ســـــوى جشع الإخوان في اقتسام الغنيمة ومزيد تركيز عناصر التمكين تأكيدا لما صرّح به المرشد إبان عودته من المنفى من أنّ الإسلاميين سيحكمون تونس طوال ربع قرن. وهناك من رأى أنّ في تعيين المستشارين، في هــــذا الظرف بالذات، ضــــربا مــــن قلة الحياء. وبدا وكأن الأمر قد أُجِّل. وهيهات.

يقول المثل : الحقيقة تخرج من فم الأطفال. بمعنى أنّ الأطفال يبوحون أحيانا بما يخفيه الكبار. وفي السياسة أيضا كبار يخفون وصغار يكشفون. وهكذا تتصرف النائبة المحترمة الموقرة جميلة الكسيكسي التي اشتهرت بنعت زميلتها عبير موسي «بالكلوشارة» كردّ حاسم مفحم على مداخلاتها المركزة. قال العقلاء في ذلك الوقت لا ينبغي لعبير أن تعطي لـ»زلة لسان» أكثر مما تستحق من الأهمية كما قالوا إنّ السيدة النائبة النهضاوية لا تحسن الفرنسية وبالتالي فإنّها لا تدرك المعنى الصحيح للكلمات وقالوا أيضا إنّها ستزن مفرداتها في المستقبل. ولم تصدق كلّ هذه التوقّعات بالرغم من أنّها منطقية.

فها هي ذي السيدة الكسيكســـي تـــــردّ في تغــــريدة نشـــــرتها ثمّ فسختها على كلّ الذين استهجنوا قرار تعيين «المستشارين» لدى رئيس الحكومة. وأريد أن أنقل بالحرف تدوينتها اللطيفة المهذّبة مع كامل المعذرة لسيبويه: «تعيين السيدان عماد و أسامة واقع ستقبلوه كرها، رجال جابوا الديمقراطية وجابتهم، اللي موش عاجبوا تونس تقع على ضفاف المتوسط اشربوا.»

هل تذكرون الداعية المرتزق وجــــدي غنيم والــــذي يعيــــش اليــــوم في أحضــــان أردوغـــــان. فلقــــــد شرِّف  تونس الإخوانية بحضوره داعيا إلى تطبيق الشريعة والجهاد في سوريا وختان النساء ولمّا تجمهر التونسيون استنكارا وتنديدا صاح فيهم: «موتوا بغيظكم». وبنفس المعنى يقول لنا الإخوان: «اشربوا ماء البحر». والشيء من مأتاه لا يستغرب فتلك هي أدبيات الإسلاميين وآدابهم.

سورة الكورونا

الآنسة آمنة الشرقي مدوّنة تونسية شابة نشرت في صفحتها نصّا هزليا بعنوان «سورة الكورونا» في إخراج وترتيب يذكر بالسور القرآنية فأوقفت وخضعت للتحقيق لدى الشرطة ثم قاضي التحقيق أو، حسب قولها، سبعة قضاة،. وقرّرت النيابة العمومية ، إحالتها على الدائرة الجناحية الثالثة بالمحكمة الابتدائية بتونس، يـــــوم 28 ماي 2020 لمقاضاتها بتهمة تدنيس المقدّسات. وتمّ الإبقاء عليها في حــــالة سراح.

ولمزيد الإيضاح أشير إلى أنّها ليست مؤلفة النصّ وإنّما نقلته عن مدوّنة جزائرية هي الطبيبة سناء بن ديمراد، التي قيل إنّها اعتقلت وهذا غير صحيح لأنّها تعيش في فرنسا، وقد نقلته هي نفسها عن مدوّن جزائري اسمه جيلو يعيش أيضا في فرنسا وهو معروف بشطحاته وهلوساته. وليس في هذا النصّ بالذات ما يمسّ بالقرآن الكريم إضافة إلى أنّه بسيط لا يرقى إلى الكتابة الأدبية. وكلنا مستغربون من سرعة الملاحقة والمقاضاة في الوقت الذي تتراكم فيه قضايا أكبر أهمية معطّلة بسبب الكورونة.

لقد أسعدتني الظروف بالتعرّف على العشرات من قضاتنا الأفاضل. كان الجلوس إليهم إمتاعا ومؤانسة لما يتحلون به من حسّ جمالي إزاء النصوص الجيدة قديمها وحديثها ومن أريحية مثقفة في تقبل الكثير من النصوص الجريئة التي تشفع لها جماليتها وسموّ القصد من تحررها. بدءا من أبي نواس إلى أبي القاسم الشابي مرورا بالمتنبي والمعري ففي أشعارهم ما يقع تحت طائلة الشرع ولكن قضاة مستنيرين حسموا الأمر إذ قال أبــو الحســـــــن الجرجاني قــــــاضي قضاة الـــــري (933 - 1001) الكلمة الفصل بهذا الصدد: « الدين بمعزل عن الشعر» أي لا دخل للفقهاء في الإبداع الأدبي (انظر كتابه الشهير، الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص 63).

معظم هؤلاء المبدعين قلّدوا القرآن واقتبسوا منه وضمنوا كثيرا من الآيات في قصائدهم ولعل أشهرتضمين قول أبي نواس:

كسَّر الجـــرَّةَ عمْـــدًا وسقـــــى الأرْضَ شـــرابَا
قلـــتٌ والإســـلامُ ديني (ليْتَني كنتُ تُرابَا)

وفي اعتقادي أنّ قضاتنا لن ينساقوا وراء طنين الذباب الإلكتروني الجاهل وقد ذهب بعضهم إلى ذبح «الكافرة» راصدا 15 ألف دينار لمن يأتي برأسها. هؤلاء االمجرمـــون هم الذين يستحقّون الملاحقة.

ومن واجبنا أن نؤطّر شبابنا الناشز النافر من الإسلام لســـــوء ما يرى من نماذج ورهوط، حتّى نساعده على التفرقة بين ابن رشد وابن تيمية، ولنا عودة...

عبد العزيز قاسم

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
الحسين بنجدو - 25-05-2020 15:02

أدامك الله أستاذ

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.