محمد إبراهيم الحصايري: العالم يَرْثِي لِحَال أمريكا...ويَرْثِيهَا...
أَجَلْ... إنّ العالم يَرْثِي لِحَال أمريكا...إنّه يَرْثِي لِحَالها لأنّ رئيسها غريب الأطوار دونالد ترامب لطالما تغنّى، أثناء حملته الانتخابية ومنذ أن تربّع على عرش البيت الأبيض، بأنّه سيُعيد إليها عَظَمَتها، فإذا به يمرّغ أنفها في التّراب حين وجدت نفسها عاجزة، قاصرة، خائرة القوى، أمام فيروس كورونا المجهري، مجهول الهوية.وهو يَرْثِي لِحَالها لأنّ رئيسها غريب الأطوار لطالما ترنّم بشعار »أمريكا أوّلا«، من أجل أن تظلّ الأولى في العالم، فإذا بها الأولى، فعلا، لكن في التّأذّي بفيروس كورونا الذي تجاوز عدد ضحاياه فيها الخمسة والسبعين ألفا، يوم كتابة هذا المقال (الخميس 07/05/2020)...
وهو يَرْثِي لحالها لأنّ رئيسها غريب الأطوار لطالما أكّد أنّه سيقلِّل من تَدَخُّلَاتِهَا العَسْكريَّة الْخَارِجِيَّةِ، وسيَسْحب القوّات الأمريكية من بُؤَر التوتّر التي زرعَتْها في مختلف مناطق العالم، حفاظا على حياة الجنود الأمريكيّين، فإذا بِعدد ضحايا فيروس كورونا يتجاوز، بسبب تعاطيه الأرعن مع الفيروس، عدد قتلى حرب الفيتنام.
ومع أنّ الرّئيس الأمريكي غريب الأطوار دأب، منذ تسلّمه مقاليد الرئاسة، على إتحافنا بالأعاجيب تلو الأعاجيب، فإنّ أعاجيب تعاطيه مع وباء كورونا الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشـــرية، والذي أرغم أكثر من نصف ســــكّان الأرض على الاعتــــزال الصحّي والتّبــــاعد الاجتمــــاعي، فـــاقت، من حيث الكمّ والكيف جميع أعاجيبه السابقة...
وقد تجلّت أعاجيب هذا التعاطي فيما يلي:
• أوَّلا، قابل الرئيس الأمريكي غريب الأطوار الإعلان عن ظهور الفيروس في مدينة يوهان الصّينية بدرجة عالية من الاستخفاف والتّهاون، ومن الصَّلف والعجرفة، وكأنَّ أمريكا محصَّنة ضدّه، ولا يمكن أن يأتيَها من بين أيديها ولا من خلفها، ولذلك فإنّه تأخّر في اتّخاذ الإجراءات الوقائيّة اللاّزمة، فكان الاجتياح فتّاكا مدمّرا.
• ثانيا، ما يزال الرّئيس الأمريكي غريب الأطوار يصرّ على تحميل وزرالمأساة التي تشهدها الولايات المتحدة للآخر الصّيني، فسَبَبُ المأساة، عنده، هو الصّين التي ضلّلت العالم، ومنظّمة الصحّة العالمية التي تواطأت معها، وغطّت على إخلالاتها، ممّا جعله يعلّق المساهمة الأمريكية في موازنتها، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إليها.
• ثالثا، ذهب الرّئيس الأمريكي غريب الأطوار إلى أبعد من ذلك، فبعد أن عمد، بمجرّد ظهور الفيروس في يوهان، إلى تشويه صورة الصّين في عيون العالم، وإلى إغلاق الحدود في وجه الصّينيين، وإلى اغتنام الفرصة للدعوة إلى إعادة توطين الصناعات الأمريكية المستقرّة في الصّين، توعّد الصّين بأّنّ حسابها سيكون عسيرا إنْ تأكّد أنّ تسريب الفيروس الذي ما يزال يرفض استخدام اسمه العلمي، ويصرّ، بكلّ تعنّت،على تسميته بالفيروس الصّيني، تمّ عن عمد، فلقد قال فيما قال: إنْ كان انتشار الفيروس نتيجة «خطأ، فالخطأ خطأ» أمّا إنْ كان مُتَعَمَّدًا فلابدّ «أن تكون هناك عواقب».
• رابعا، وعلى عادته في اتّخاذ القرارات الهوجاء، سارع الرّئيس الأمريكي غريب الأطوار إلى الإعلان عن أنّه سيفرض على الصّين «ضرائب عقابية»، بينما سارعت جهات أمريكية عديدة إلى رفع قضايا على الصّين، لمحاكمتها، (في المحاكم الأمريكية طبعا)، ولمطالبتها بتعويضات خياليّة عن تسبّبها في انتشار الفيروس، ومن أمثلة ذلك القضيّة التي رفعتها عليها حكومة ولاية ميسوري التي تطالبها بتعويضات قدَّرَتْها بـ44 مليار دولار فقط لا غير.
• خامسا، وبالطّبع، وما بالطّبع لا يتغيّر، لم يَخْلُ تعاطي الرئيس الأمريكي غريب الأطوار الذي أُلِحُّ إلحاحا على تسميته بتاجر واشنطن (لتطابق سيرته مع سيرة تاجر البندقيّة في مسرحية شكسبير الشّهيرة)، مع الفيروس، من جَشَعِهِ التّجاري المعهود، وقد بدا ذلك واضحا في المحاولة الفاشلة التي قام بها من أجل وضع يده على المختبر الألماني الذي يقوم بتطوير مشروع لقاح ضد الفيروس حتى يكون إنتاج اللّقاح حصريّا للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مقابل مبلغ مالي ضخم قدّر بمليار دولار.
ومن حسن الحظ أنّ برلين أجابته بأنّ ألمانيا ليست للبيع... وأنّها تعمل من أجل إنتاج لقاح للعالم كلّه وليس لدول بعينها... ذلك أنّها تعتبر أنّ»مكافحة فيروس كورونا المستجدّ هي مهمة تَعْنِي البشريّة بأكملها، ولا مجال فيها للأنانية».
• سادسا، ولنفس الأسباب التجارية، ولأسباب أخرى، انتخابيّة أساسا، كان الهمّ الأوّل والأخير الذي يحرّك الرئيس الأمريكي غريب الأطوار، وبلادُهُ في عين العاصفة، هو التعجيل بإنهاء العزل الصحّي، وإعادة فتح الاقتصاد وتشغيله، حتى لو كان ذلك على حساب حياة مواطنيه الذين لم يشعر بالخجل عندما دعا إلى حقن المصابين منهم بموادّ التنظيف والموادّ المطهّرة ...
ومثلما هو مُتَوَقَّع منه، فإنّه لم يَغْفَل عن مسألة الهجرة التي يقضّ كابوسُها مضجعه بصورة مَرَضِيّة، فلقد انتهز فرصة الوباء، وتزايُدَ أعداد البطّالين بالملايين، ليقرّر وقف الهجرة إلى الولايات المتّحدة مؤقّتا، وقد يتحوّل المؤقت إلى دائم.
• سابعا، وإلى ذلك أبان الرئيس الأمريكي غريب الأطوار عن درجة أعتقد أنَّها منقطعة النظير من هَزَالَة الحسّ الإنساني، عندما صمّ أذنيه عن كلّ ّالدّعوات إلى رفع أو على الأقل التّخفيف من إجراءات الحظر الأحادية المفروضة على دول كإيران وسوريا وقطاع غزّة المحاصر منذ عقد ونصف، حتى تتمكّن من التزوّد بمستلزمات مواجهة الفيروس.
كما أبان الأمريكيّون عن درجة منقطعة النّظير من تضخّم مركّب الاستعلاء عندهم حين لم يتورّعوا عن اختطاف وتحويل وجهات شحنات من مستلزمات مواجهة الفيروس إلى الولايات المتحدة، بدلا من الدول التي اقتنتها...
• ثامنا، وحتّى يصرف النظر عن الكارثة التي تكابدها بلادُه، ما انفكّ الرئيس الأمريكي غريب الأطوار يصطنع المعارك الجانبيّة، فهو تارة يهدّد إيران التي نجحت في إطلاق أول أقمارها الصناعية، بأنّه أمر قواته البحرية بتدمير أيّ زوارق إيرانية إذا تحرّشت بالسّفن الأمريكية «في البحر»، وهو يقصد «في الخليج» الذي يبعد عن بلاده آلاف الكيلومترات، ولا يمكن بشكل من الأشكال أن يكون جزءا من حدود أمريكا المائية... وهو تارة أخرى ينذر المملكة العربية السّعودية بأنّه سيسحب منها القوات الأمريكية التي تتولى «حمايتها» إذا لم تستجب لتحرّكه من أجل مواجهة آثار الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط والذي يهدّد شركات النفط الأمريكية بالإفلاس...
• تاسعا وأخيرا فإنّ الرئيس الأمريكي غريب الأطوار ما فتئ يقارن بين هجوم «الفيروس الصيني» كما يسمّيه وبين الهجوم الياباني على ميناء «بيرل هاربر» وهجمات 11 سبتمبر 2001، وكأنّه بذلك يريد، عن سابق إضمار وترصّد، أن يسبغ على الحرب على فيروس كورونا طابعا عسكريا حتّى يُسَخِّنَ لما سيعقب الجائحة من «حرب خافضة رافعة» بين الولايات المتحدة وبين الصّين.
أفلا يحقّ للعالم، أمام هذا الكمّ الهائل من «السّوءات» التي أبداها تعاطي الرّئيس الأمريكي غريب الأطوار مع فيروس كورونا، لا أنْ يَرْثِيَ لحال أمريكا فحسبُ، وإنّما أنْ يَرْثِيَهَا وأنْ يَرْثِيَ صورَتها التي تهشّمت بِتهشُّم نموذجها الحضاري بعدما انكشف توحّش نظامها الرأسمالي الليبرالي، وهشاشة التزامها بالقيم التي أقامته عليها، والتي حاولت، من أجل نشرها، أَمْرَكَةَ العالم أجمع، بالحديد والنار؟.
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق