أخبار - 2020.05.21

عندما تمتدّ أياد آثمة إلـى أشجار الزّان بغابة عين دراهم

عندما تمتدّ أياد آثمة  إلـى أشجار الزّان بغابة عين دراهم

ما شهدته غابة عين دراهم في الأسابيع الأخيرة من اعتداء سافر على جانب منها يعدّ دون منازع جرما عظيما في حقّ التراث الطبيعي الوطني. فقد امتدّت آياد آثمة إلى أشجار الزان (le chêne zéen) في منطقة عين سلّام بمعتمدية عين دراهم لتقطع منها بطريقة وحشية أكثر من أربعمائة. 

تونس من البلدان المعروفة بغاباتها التي يكثر فيها هذا النوع من الأشجار الطبيعية الباسقة التي يمكن أن تعمّر طويلا ويستخدم خشبها النبيل في صناعة الأثاث الفاخر وبعض اللوازم كغلاف لوحة قيادة الطائرات والسيارات الفارهة.

تمسح غابات الزان في تونس قرابة 8 آلاف هكتار بينما تقدّر المساحات الغابية التي يمتزج فيهـــا هــذا النوع النباتي مــع أشجار الفــــرنان (le chêne liėge) ما يناهز 22 ألف هكتار، وهي موجودة في ولايات جندوبة وباجة والكاف بعد أن انقرض هذان النوعان من الأشجار تقريبا في ولاية بنزرت والوطن القبلي، وذلك بسبب التغيّرات المناخية. وقد اعتبر الفرنسي أنتوان شونانبرجر (1922-2008) غابة الزان التونسية أجمل غابة من نوعها في العالم وذلك عندما أشرف منذ عقود على إعداد الخارطة النباتية- الايكولوجية (carte phyto-écologique) للبلاد، وهو ما يؤكّد القيمة الجمالية والبيئية لهذه الغابة.

وقد عجّل وزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية السيّد أسامة الخريجي  بإحداث لجنة علمية متعدّدة الاختصاصات لتقييم الآثار المترتّبة عن القطع غير القانوني لأشجار الزان بغابة عين دراهم وهي تضمّ 16 عضوا من مختلف الهياكل والمنظّمات المعنية . وتتألّف اللجنة من باحثين، مدرّسين ومهندسين من مختلف هياكل وزارة الفلاحة ومن ذوي الاختصاصات المتعدّدة في علاقة بمهمّة اللجنة وممثّل عن وزارة البيئة وممثّل عن وزارة الصناعة وممثّل عن الصندوق العالمي للبيئة وممثّلين عن أهمّ الجمعيات البيئية الوطنية والجهوية.

ويترأّس هذه اللجنة السيد يوسف عماري، وهو أستاذ تعليم عال، باحث ومختصّ في علم البيئة والتصرّف في الموارد الطبيعية بالمعهد الوطني للبحوث في الهندسة الريفية والمياه والغابات بتونس.

وقد تعامـــــلت وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية مع هذا الاعتداء الوحشي على الموروث الغــــابي الوطني وفق مقـــــاربات  ثلــــاث :
1- مقاربة إدارية، وذلك بتكليف التفقديّة العامة للوزارة بالقيام بالأبحاث والتحقيقات اللازمة في الغرض واتّخاذ ما يتعيّن من إجراءات . 

2- مقاربة قضائيّة، وذلك بإحالة الملفّ على الجهات القضائية المختصّة بموجب قانون الإرهاب، وقد تمّت إحالة المذنبين على معنى الفصل 14 من قانون مكافحة الإرهاب الذي يعرّف الجرائم الإرهابيّة من بينها الاعتداءات على الأمن الغذائي وعلى التوازنات البيئية حتى ينالوا العقاب العادل.

وقد علمت ليدرز العربية أنّه تمّ إيقاف تسعة عناصر أصيلي ولاية جندوبة كانوا أدوات تنفيذ لعملية الاعتداء هذه التي تقف وراءها عصابة إجرامية منظّمة ستكشف عنها الأبحاث القضائيّة.  

3- مقاربة علميّة، وذلك بتكوين لجنة علميّة متعدّدة الاختصاصات لتقييم الآثار المترتّبة عن القطع غير القانوني لأشجار الزّان بغابة عين دراهم.
 وتتمثّل أعمال اللجنة في المهام التالية:

تقييم الأضرار الايكولوجية والبيولوجية والبيئية والاقتصادية الناتجة عن القطع غير القانوني لأشجار الزان.

القيام بالقياسات وأخذ العيّنات الضروريّة للأغراض التطبيقيّة والعمليّة في علاقة بصنف شجر الزان.

اقتراح الطرق المثلى لحفظ الخشب المصادر حسب المعايير الفنيّة وطرق التّصرّف فيه واستغلاله.

اقتراح برنامج متكامل لتهيئة المواقع المتضرّرة وإعادة تشجيرها والمحافظة على شجرة الزان بالغابات التونسيّة.

وستعمل اللّجنة  على إعداد تقرير أوّلي في ظرف ثلاثة أسابيع وتقرير نهائي بعد شهر ونصف من إعداد التقرير الأوّلي.
وقد تحوّلت اللجنة يوم الثلاثاء 5 ماي  الجاري بكامل أعضائها إلى منطقة عين دراهم للوقوف على هذه الاعتداءات ومعاينتها. وسيتولّى فريق حصر عدد الأشجار التي قطعت وتحديد الأضرار التي لحقت الغابة جرّاء هذا التعدّى الصارخ على الغطاء النباتي وخاصّة في ما تعلّق منه بغابة الزان المحميّة والمهدّدة بالانقراض.

وقد لمسنا في اتّصال أجريناه مع السيّد يوسف عماري شعورا عميقا بالحسرة والمرارة إزاء هذه الكارثة التي أصابت جانبا من المخزون البيولوجي الوطني فقد هاله ما شاهد هو وزملاؤه خلال الزيارة الميدانية من آثار مؤلمة لهذه الفعلة الشنيعة : ثروة يستحيل تعويضها اندثرت بين عشيّة وضحاها، ومن الأشجار التي قطعت  دون أيّ اعتبار لقيمتها التاريخية والايكولوجية أشجار يزيد عمرها عن مائتي عام والبعض منها يبلغ قطره المتر!!

عدّة أسئلة تُطرح بإلحاح بعد أن استبيحت غابة الزان بعين دراهم : أين حرَّاس الغابة إن كان لهم وجود؟ أين السلط المحلية والجهوية؟ كيف لم يقع التفطّن إلى هذه العملية التي من المرجّح أن تكون قد استمرّت على مدى أيّام بالنظر إلى عدد الأشجار المقطوعة؟ أليس من الضروري اليوم الإسراع  بتعزيز سلك حرَّاس الغابات وتشديد إجراءات حماية ثروتنا الغابية خاصّة لمّا يتعلّق الأمر بأشجار ونباتات مهدّده بالانقراض؟ ألا يكفي ما لحقها  خاصّة في السنوات العشر الأخيرة من أضرار جسيمة بسبب الحرائق -والعديد منها تنشب بفعل فاعل-، فضلا عن الرعي والاحتطاب العشوائييْن؟ كيف السبيل إلى التوقّي من الحرائق التي التهمت بَعد جزءا من نسيجنا الغابي خاصّة ونحن مقبلون على فصل الصيف الذي تتفاقم فيه هذه الكوارث؟     

ألم يحن الوقت لإعادة رسم الخارطة النباتية- الايكولوجية للبلاد التونسبة بعد مرور عدّة عقود على إعدادها بما يسمح بإعداد سياسية محكمة للحفاظ على المخزون الايكولوجي الوطني وتثمينه؟

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.