أخبار - 2020.05.15

حنان زبيس: أزمة كورونا تفجّر طاقة الابتكار لدى تونسيين شبّان

حنان زبيس:  أزمة كورونا تفجّر طاقة الابتكار لدى تونسيين شبّان

تعيش تونس ككلّ بلدان العالم تحت وطأة جائحة الكورونا غير أنّ الأزمة الصحيّة كشفت عن وجود طاقات شبابية وطنية تفجّرت من خلال مجموعة من الابتكارات، تمّ إنجازها بإمكانيات قليلة ولكن بحماس وحبّ كبيرين للوطن، ممّا جعلنا نتساءل أين كانت هذه الطاقات من قبل ولماذا وقع التفطّن إليها الآن؟

ربوتات لتعقيم المستشفيات وتقديم الغذاء والدواء لمرضى الكورونا، أقنعة وكمامات للأطبّاء لحمايتهم أثناء العمل، أجهزة تنفّس اصطناعي… من خلال هذه الاختراعات لم يدّخر شبّان تونسيون أيّ جهد للمشاركة في المدّ الوطني لمقاومة فيروس كورونا ومعاضدة مجهودات الدولة لحماية المواطنين والإطار الطبّي، فتعدّدت المبادرات التي قام بها مهندسون أو طلبة في جهات عديدة من البلاد لتكون شاهدة على كمّ الطاقات الشبابية المبتكرة التي تزخر بها تونس.

ممرّات معقّمة في سيدي بوزيد

في سيدي بوزيد، وبمبادرة من مدير المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بجندوبة، تجمّع عدد من طلبة المعهد ومن المتخرّجين منه في مبادرة أطلقوا عليها FabLab ISET Sidi Bouzid وهي عبارة عن مخبر وورشة لصناعة تجهيزات تساعد الإطار الطبّي في المستشفيات لمقاومة فيروس الكورونا. يضمّ الفريق 15 شخصا من اختصاصات مختلفة جمعهتهم الرغبة في ابتكار شيء مفيد لجهتهم، فقاموا بصنع ممرّ معقّم، يُوضع في مداخل المستشفيات لتعقيم الزوّار والعاملين فيها. تمّ وضع النموذج الأوّل للممرّ في المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد، فأُعجب به الأطباّء هناك وقاموا بتزويد فريق العمل الشاب بالمواد الأوّلية لصناعة نماذج أخرى.

وبالفعل قام الفريق بصنع ممرّ ثان، تمّ تركيبه في هذا المستشفى وممرّات أخرى للتعقيم، لفائدة مستشفيات جلمة والرقاب من ولاية سيدي بوزيد. وتتمثّل فكرة هذا الممرّ المعقّم في أنّه يشتغل بشكل أوتوماتيكي عند مرور أيّ شخص ويُطلق سائل التعقيم في شكل بخار.

عن هذه المبادرة يقول هيثم مسلبي، عضو في فريق العمل، وهو مهندس متخصّص في الميكانيك يبلغ من العمر 27 سنة : "الهدف الذي جمعنا هو الرغبة في خدمة جهتنا بما يتوفّر لدينا من إمكانيات. وبعد التفكير، أدركنا  قدرتنا على صنع العديد من الأجهزة، منها الممرّات المعقّمة وكذلك أقنعة وكمامات للإطار الطبّي. وحاليا نحن نعمل على صنع ريبوت للتعقيم يشتغل بالأشعّة فوق البنفسجية".

يشتغل الفريق بحماس كبير رغم ضعف الإمكانيات، فالمواد الأوّلية توفّرها بعض جمعيات المجتمع المدني أوبعض البلديات وأحيانا يقتنيها أعضاء فريق العمل بإمكانياتهم الخاصّة. ولكنّ ذلك لم يمنعهم من مواصلة العمل والابتكار داخل هذ المخبر الذي يحتضنه المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بجندوبة. ولا يقتصر نشاطهم على صنع التجهيزات فقط، وإنّما أيضا على تنظيم دورات تدريبية عن بعد لشباب آخرين من المنطقة، خاصّة من المجتمع المدني، ليقوموا هم أيضا بصنع الأقنعة الطبيّة والممرّات المعقّمة.

وتسعى هذه المجموعة من الشباب إلى توسيع قاعدة المشاركين فيها ليرتفع العدد إلى عشرين شخصا، وذلك لمجابهة الطلب المتزايد على التجهيزات التي تقوم بتصنيعها، كما تطمح إلى أن يتواصل مشروع المختبر حتّى بعد الأزمة، ليصبح وجهة لاستقطاب المبتكرين من الطلبة وغيرهم من طاقات الجهة.

أقنعة مُصنّعة من القنوات البلاستيكية لتصريف المياه في باجة

مبادرة أخرى مماثلة، لقيت تجاوبا من قبل الطلبة والأساتذة والعمّال، أطلقها مدير المدرسة العليا للمهندسين بمجاز الباب، حسن الخروبي، لصناعة أقنعة لفائدة الإطار الطبّي في جهة باجة. ولكن ما يميّز هذه المبادرة هو أنّ تصنيع الأقنعة تمّ بالاعتماد على القنوات البلاستيكية لتصريف المياه، حيث يبيّن الخروبي أنّه "يتمّ تقسيم القناة إلى أشرطة بسمك 2 سنتمتر لصنع الجزء العلوي من القناع، في حين يتمّ تصنيع الجزء السفلي الشفّاف عبر طابعة ثلاثية الأبعاد، تمّ توفيرها من قبل أحد الخواصّ". وحسب المدير، فقد تمّ عرض هذه الأقنعة على الهياكل الطبيّة في المستشفى الجهوي بباجة والمستشفى الجهوي بمجاز الباب وأقرّت بسلامتها وإمكانية استعمالها من قبل الإطار الصحّي.

وعن سبب استعمال قنوات تصريف المياه في التصنيع، وضّح الخروبي أنّ "المهندس يجب أن يجد دائما الحلول البديلة في حال لم تتوفّر له المواد اللازمة لصناعة شيء ما". بالتالي، استطاع الفريق المتكوّن من 10 اشخاص، صنع أكثر من 1500 قناع، استُعملت لتزويد المستشفيات مثل مستشفى الرابطة ومستشفى شارل نيكول في العاصمة والمستشفيات الجهوية بباجة ومجاز الباب وتستور وجندوبة وسليانة. ولا تزال الطلبات متواصلة لتزويد بعض البلديات والجمعيات.
ولا يُخفي الخروبي اشتغال فريق العمل بإمكانيات محدودة وفّرها المعهد الوطني للزراعات الكبرى وبعض منظّمات المجتمع المدني والسلطات المحلية، بالإضافة إلى الإمكانيات الخاصّة للطلبة والأساتذة.

ريبوت للتعقيم في سيدي بوزيد

في ولاية جندوبة، قرّرت مجموعة من المهندسين أصيلي الولاية - وجدوا أنفسهم في البطالة التقنية نتيجة الحجر الصحّي التامّ - أن يصنعوا ريبوتا لتعقيم المستشفيات، يمكن استخدامه أيضا في توزيع الغذاء والدواء على مرضى الكوفيد 19. في البداية، كان فريق العمل يتكوّن من ستّة أشخاص، ثمّ ارتفع العدد إلى 11 مهندسا اجتمعوا ليشتغلوا في فضاء المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بسيدي بوزيدـ بعد أن قرّر مديره استقبالهم داخله.

وبحكم اختصاصاتهم المختلفة في الميكانيك وإلإلكترونيك والإعلامية وغيره، استطاع هؤلاء الشبّان الذين يتراوح متوسّط أعمارهم بين 24 و28 سنة، أن يبتكروا هذ الريبوت الذي من المنتظر أن يتمّ استعماله في مستشفيات الجهة.

"طموحنا هو أن نطوّر هذا الإنجاز أكثر، خاصّة إذا ما تحصّلنا على الدعم والتمويل الكافيين"، يقول وائل العبيدي، أحد أعضاء الفريق وهو مهندس يبلغ من العمر 24 سنة ، مضيفا " جاءتنا وعود من بعض المنظّمات الأجنبية لدعمنا في هذا المشروع".

إضافة إلى صنع الريبوت المعقّم، يعمل الفريق على صنع أجهزة تنفّس اصطناعي وأقنعة طبيّة. لكنّه يعاني من ضعف الإمكانيات والنقص في المواد الأوّلية، حيث توفّر له خلية الازمة في ولاية جندوبة بعضها، إلى جانب مساعدة عدد من الجمعيات، ولكنّ ذلك يبقى غير كاف.
رغم ذلك، تواصل المجموعة عملها بما يتوفّر لديها من موادّ، لأنّ طموحها يتجاوز الأزمة، حيث يرغب أفرادها في " أن تكون هذه المبادرة، بداية تعاون وثيق بين أبناء الجهة من المهندسين لجلب مشاريع جديدة والمساهمة في دفع عجلة التنمية والحدّ من البطالة"، حسب وائل العبيدي.

الأكيد هو أنّ هذه المبادرات ليست الوحيدة في البلاد التونسية، فهناك العديد من الشباب الموهوبين الذين قاموا باختراعات مماثلة في جهات أخرى مثل قابس وسوسة والكاف والقيروان وغيرها. بقي السؤال المطروح هو: لماذا طفت هذه المواهب فجأة على السطح؟ ولماذا لم تقم الدولة سابقا بتشجيعها وتمكينها من الدعم اللازم لتتطوّر وتستفيد منها المجموعة الوطنية؟
سألنا بعض المخترعين وأستاذتهم، فأجابونا بأنّ الدولة لم تكن واعية بالشكل الكافي بأهميّة الكفاءات التونسية ولم تدعمها كما يجب، مُفضّلة التوريد، على تقوية الصناعة الوطنية وتحفيز رأس المال البشري المحلّي. لذلك طالبوا الحكومة بأن تستثمرهذه الديناميكية التي خلقتها أزمة الكورونا وتمنح للشباب الخلاّق الإمكانيات اللازمة ليُفجّر طاقاته.

بعض منظّمات المجتمع المدني تحرّكت لدعم هذه الديناميكية، حيث تمّ مؤخّرا الإعلان عن تأسيس منظّمة تدعم المنتوج والذكاء التونسيين. وتهدف، حسب تصريح،عمر اللودي، أحد المؤسّسين لجريدة الشروق، إلى "الترويج للذكاء التونسي الذي ظهر خلال جائحة الكورونا بهدف تعزيز حضور المنتوج الوطني في الأسواق مقارنة بالمنتوج المورّد".

حنان زبيس
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.