سليم العزابي وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي: تعبئة التمويلات وإحكام استعمالها وإعادة تشكيل آلياتها
إعادة هيكلة برامج التعاون واستنباط نظرة شاملة جديدة ووضع برامج جديدة والحرص على التفاوض مع الأطراف الخارجية المتعاونة معنا بغرض تعبئة التمويلات الضرورية ... كلها مسائل تقع في صميم مشاغله اليومية . تشغله أشياء أخرى كثيرة : التنمية الجهوية وإعادة هندستها وتعزيز الهياكل التي تسهر على هذا القطاع على غرار المندوبية العامة للتنمية الجهوية والمعهد الوطني للإحصاء والمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمِّيَّة ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي - FIPA – والهيئة التونسية للاستثمار - TIA - وتوظيف هذه الهياكل بشكل جيد... يعتبر أنّ سير العمل بكل إحكام وحسن تنظيم وفي كنف الانسجام والتكامل والتفاعل الإيجابي بين كل أطرافه أمر في منتهى الأهمية ولا غنى عنه.
ما هي الموارد الخارجية التي تحتاجها تونس؟ ما مقدار الأموال التي تمّ جمعها إلى حد الآن خلال الأسابيع الأخيرة ؟ كيف يمكن الاستزادة من هذه الموارد والأموال ؟ كيف يمكن الاستفادة من تحويل وجهة المؤسسات المفروض على أوروبا جراء اجتياح فيروس " كورونا " في القارة الآسبوية و بأي شروط؟ ما هي نظرتنا إلى العالم الريفي في تونس ؟ ما هي المهمات الجديدة بالنسبة إلى وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي والهيئة التونسية للاستثمار والمندوبية العامة للتنمية الجهوية والمعهد الوطني للإحصاء والمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية؟
التحق سليم العزابي قبل أشهر قليلة بمكتبه بمقر وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي بالطابق الحادي عشر من عمارة جديدة كائنة بالمركز العمراني الشمالي بالعاصمة. ولم يمر وقت طويل حتى جدّد ثقته في الفريق العامل بالوزارة منذ وقت ليس بالقصير وشرع في مباشرة مهامه وفق أسلوبه الخاص والمتميز . تقلّد السيد سليم العزابي قبل التحاقه بحكومة إلياس الفخفاخ منصب وزير- مدير ديوان رئيس الجمهورية الباجي قائد السيسي (2015-2018)، -وكان أمين عام حزب تحيا تونس الذي أسسه بمعية يوسف الشاهد قبل سنة ، وهو يمثل صلب حكومة إلياس الفخفاخ ثلث نواب البرلمان المنتمين إلى الأغلبية الحاكمة.
السيد سليم العزابي البالغ من العمر 42 سنة متخصص في الشؤون المالية ، أما عهده بالسياسة فيعود إلى سنة 2011 ، وهو يمتاز بقدرة على التركيب التأليفي وتعلق بمفهوم الدولة وتمسك قوي بصفات رجل الدولة. ينظر العزابي إلى تونس ما بعد 2011 بعين ثاقبة ، وهو رجل يمتلك شبكة علاقات واسعة في الداخل بحكم تجربته صلب الحزب وفي الخارج بحكم وظيفته السابقة بقصر قرطاج وله معرفة كاملة لكلّ ما يحدث وما يُتناقَل وما يكتب، فضلا عن إلمامه واسع بحقيقة الأوضاع في تونس الأعماق.
ذهب في اعتقاد البعض أنه سيعيَّن على رأس وزارة الشؤون الخارجية، بينما اعتقد البعض الآخر أنه قد يفوز بوزارة الدفاع الوطني وبرتبة وزير دولة في كلتا الحالتين وذلك على غرار رفيقيه في التشكيلة الحكومية أنور معروف المنتمي إلى حزب النهضة ومحمد عبُّو زعيم التيار الديمقراطي. لكن تم تعيينه على رأس وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ورضي بهذا المنصب الوزاري غير نادم أو متردّد، محكما ضميره، مقتنعا بأنّ المهمة ستكون بلا ريب على قدر كبير من الأهمية وذات شأن، وعاقدا العزم على أدائها بكل صدق ووفاء والتزام تحت إشراف رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، دونما انجراف وراء عفوية ساذجة أو حسن ظن غير محسوب، حسبه أداء الواجب وخدمة الغير.
وفيما يلي أجوبة سليم العزابي على أسئلة مجلة " ليدرز" :
ما مقدار التمويلات الأجنبية التي تم تعبئتها منذ بداية السنة؟
لم يكن من الوارد في بداية الأمر وحسب خطة العمل التي وضعتُها الاتجاه بأي شكل من الأشكال إلى القيام بتعبئة الموارد الخارجية بكثافة. كان جام اهتمامي منصرفا إلى إدراج التنمية الجهوية في تونس في خانة الأولويات، على أن يكون التمويل الخارجي وسيلة هامة من وسائل دفع عجلة التنمية في الجهات. ولم يمر أسبوع واحد عن مباشرة مهامي حتى حلَّت بالبلد أزمةٌ ما كانت متوقعة بفعل وباء كوفيد-19 فاضطرَّنا ذلك إلى تغيير ما عقدنا العزم على المضي فيه في بادئ الأمر . حينذاك انطلقت وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في مسعى حثيث يتمثل في تأمين التمويلات التي تحتاجها وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية وكذلك الصيدلية المركزية وميزانية الدولة بشكل عاجل و متأكد حتى يمكن مواجهة هذه الأزمة والتصدي لكل مضاعفاتها.
كان لا بد من التصدي لكل الاحتياجات بطريقة مبتكرة واعتماد خطة مالية في تناسب مع تطور الأوضاع بهذا الشكل المفاجئ ، وكنا نرى في الأفق وجود إكراهات لا مفرّ من أخذها في الاعتبار وتتمثل أساسا في ضرورة الحدّ إلى أقصى درجة من حجم التداين العام ، فصرفنا الجهد نحو إعادة هيكلة جملة من المشاريع حتى نوفّر قدرا من الموارد وحرصا في الوقت نفسه وعلى عجل على تعبئة أموال كانت مرصودة لفائدة بعض البرامج . كما اضطررنا إلى إعداد ملفات مهمة بغرض الدخول في مفاوضات تتعلق بالحصول على تمويلات خارجية ( صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، الوكالة الفرنسية للتنمية، وكالة التعاون الإيطالية، البنك الإفريقي للتنمية، البنك الألماني للتنمية، الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، البنك الإسلامي للتنمية...). وسيقع الكشف عن المقادير الصحيحة لهذه التمويلات الخارجية حالما يتمّ التوقيع علي مختلف الاتفاقيات والتعديلات.
هل هي مرتفعة؟ هل هي متدنية؟
تبقى هذه التمويلات الخارجية في مستوى اختياراتنا في الظروف الحالية. الاحتياجات وفيرة جدّا جدّا بطبيعة الحال ... نتمنى أن يكون باستطاعتنا ضخّ أكبر قدر من التمويلات في كل القطاعات، لكن ما يمكننا القيام به في الوقت الحاضر يبقى متمثلا في وضع جَرْدٍ للأولويات والحصول على أموال بشكل معقول وعلى النحو الأمثل. لقد دعوت مختلف مصالح الوزارة إلى القيام بالعديد من الدراسات في مجالي الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي على نطاق داخلي ومن خلال شركائنا في مسيرتنا التنموية. فمن الأهمية بمكان أن ندرك بدقة مدى تأثير وباء كوفيد-19 في الاقتصاد وذلك وفق تقييمات وحسابات محيّنة باستمرار. ويبقى الرهان المركزي متمثلا في تكييف استراتيجيتنا في مجال تعبئة الموارد في ضوء تطور السياقات وتغير الأوضاع.
هل هنالك تمويلات أخرى منتظرة؟
هذا شيء لا بد منه. نحن نقوم بمعالجة الاحتياجات التي تحددها وزارة المالية، علما بأنّ الحكومة انتقلت بعْدُ إلى مرحلة ما بعد الكوفيد-19 . كل همِّنا الآن هو أن نتصدى لآثار وباء الكوفيد-19 الاقتصادية والمالية والاجتماعية ، وهي كارثية .. ونحن منهمكون أولا وأساسا ومنذ أسابيع في ترتيب أمورنا من هذه الناحية، وندرك تماما مدى خطورة الصدمة الاقتصادية المضاعفة (على صعيد العرض والطلب) الناجمة عن هذه الأزمة.
ما هو مقدار احتياجاتنا؟
تقدر هذه الاحتياجات وفق ما هو محدّد بقانون المالية لسنة 2020 بـ 11248 مليون دينار، ويتجاوزالجزء المخصص للتمويل الخارجي 8000 مليون دينار. وبالنظر إلى أزمة الكوفيد-19 وآثارها من حيث تراجع مستوى التنمية ومستوى العائدات الجبائية والقدرة على التعامل مع السوق العالمية.. أصبحنا في حاجة إلى تعبئة مزيد من الموارد التي توفرها الأطراف التي عادة ما نتعامل معها وهي موارد نحصل عليها بتكلفة منخفضة قياسا بغيرها من مصادر التمويل الخارجي.
وسأظل ملتزما تماما وباستمرار بالتأكد من أننا سوف لن نثقل كاهل البلد بديون تتجاوز من حيث حجمها قدراتنا الحقيقية على استيعابها وتوظيفها في إنجاز مشاريعنا التنموية. وعلينا والحالة تلك أن ندقّق حاجتنا إلى ضخ مزيد من هذه الأموال ، حتى لو أدى بنا الأمر إلى إعادة توظيف بعض التمويلات الموجودة وهو ما تنكبّ عليه الوزارة حاليا. فنحن بصدد إعادة النظر في ترتيب الأولويات وهيكلة المشاريع الجارية حتى نتأكد من أننا جادّون تماما في إحكام توظيف ما يتوفر لنا من موارد وملتزمون بالاكتفاء بما هو ضروري حقيقة.
هذه التمويلات الجديدة كيف ستتم تعبئتها؟
تلك هي المهمة الأساسية المنوطة بفرق العمل المكلفة بالتعاون الدولي صلب وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي . ونحن بصدد إجراء مشاورات يومية مع شركائنا . وسيكون هذا الحوار المتواصل سبيلنا إلى سد حاجياتنا من الموارد في حدود الضرورة القصوى.
وأريد في هذا الصدد أن أشيد بما يتحلّى به كل الموظفين الإداريين بوزارة التنمية والاستثمار والتعاون الخارجي من مهنية ونجاعة وقدرة فائقة على التحكم في مقاليد التعاون الدولي وهو ما سمح لي بمباشرة عملي بكل أريحية حال تسلمي مهامي على رأس الوزارة. كما لا يفوتني أن أعبّر عن اعتزازي بما نلقاه من تعاون وتفهم من لدن كل الأطراف التي دأبنا على التعامل معها.
وماذا عن تعاونكم مع الاتحاد الأوروبي؟
الأصدقاء الحقيقيون يعرفون وقت الشدة. لم يتأخر الاتحاد الأوروبي وكل الدول الأعضاء داخله في مدّ يد العون السياسي والمالي لنا في الإبّان وبالنجاعة المطلوبة. وإني لسعيد جدا بذلك وممتنّ به لكل شركائنا. وقد تجّسم هذا العون في التعجيل بتنفيذ البرامج الجاري إنجازها وفي رفع حجم تمويل بعض البرامج ذات العلاقة المباشرة بالصحة العامة في تونس وفي تسخير أموال جديدة من خلال سياسة الجوار الأوروبية
هل ستعمدون إلى تعديل البرامج الحالية؟
هي برامج بصدد التعديل في الوقت الحاضر وبعضها تم تعديله أو أعيدت هيكلته. ويجري هذا العمل وفق مسارين اثنين : هناك إعادة هيكلة من جهة، وهناك تعجيل في صرف الاعتمادات من جهة أخرى ، ونحن الآن بصدد التفاوض بشأن إسنادٍ مالي (AMF3) بقيمة 600 مليون أورو. وقد حظي هذا الإسناد بموافقة اللجنة الأوروبية ولم يبق إلا التصديق عليه بشكل نهائي في غضون شهر ماي القادم من قِبَل البرلمان الأوروبي.
ما هي حصيلة التعاون القائم مع المؤسسات المالية متعددة الأطراف (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، البنك الإفريقي للتنمية، البنك الأوروبي للاستثمار الخ.)؟
علاقاتنا بهذه المؤسسات المالية متعددة الأطراف ممتازة وبنَّاءة. ونحن ننظر لها على كونها شراكة حقيقية على أساس أنّ المقود بيد البلاد التونسية التي تطلب الحصول على مساعدات من شركائها بحسب احتياجاتها وبالنظر الى السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ويتلقى شركاؤنا بطبيعة الحال العديد من المقترحات التي نعتبرها بمثابة قِيمَةٍ مضافة. ولا شك أنّ الاستنجاد بالخبرات الفنية العالية واعتمادها يعتبر إضافة ذات بال لا تقل أهمية عن الدعم المالي. وتتوفر المؤسسات المالية متعددة الأطراف على خبراء متفوقين جدا كل في مجال اختصاصه. وهي تولي اهتماما حقيقيا للتنمية والاستقرار في تونس وتدرجه ضمن مشاغلها الجغراسياسية الإقليمية. ولنا معها مبادلات بشرية وفكرية جيِّدة تتيح لنا جميعا إمكانية البحث عن أفضل السبل والظروف التي تساعدنا على إرساء قواعد التفاوض في كل ما يتعلق بنشر النماء والازدهار في ربوع تونس الخضراء. ويعود لتونس وحدها أمر تحديد طبيعة تدخلات شركائها ومداها وتبقى هذه التدخلات في كل الأحوال خاضعة لقرار يصدره نواب الشعب صلب مجلس نواب الشعب.
ما ذا عن المطالب المستجدة المعروضة، أو التي سيتم عرضها في المستقبل؟
نحن بصدد إجراء مفاوضات لوضع اللمسات الأخيرة لما يسمى بـ" الحاضنة الموحّدة – matrice unifiée" وهذا مفهوم جديد يتمثل في دعم مشروع إصلاحات تتولى تمويله مجموعة من الأطراف المشاركة التي لها علاقات تعاون مع تونس ( البنك الدولي، الوكالة الفرنسية للتنمية، المؤسسة المالية العامة الألمانية - KFW - ، الوكالة اليابانية للتعاون الدولي – - JICAالصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، البنك الإسلامي للتنمية ... ) وقد يتجاوز الغلاف المالي للمشروع 500 مليون يورو وهو ما نرجوه على كل حال.
(يتبع)
- اكتب تعليق
- تعليق