أخبار - 2020.04.24

رشيد خشانة: أربعون عاما على عملية قفصة لتي أضاعت علينا فرصا كبرى

رشيد خشانة: أربعون عاما على عملية قفصة لتي أضاعت علينا فرصا كبرى

في مثل هذا الشهر من سنة 1980، أي منذ أربعين عاما، أصدرت محكمة أمن الدولة قرارتها في حق المشاركين في ما بات يُعرف بـ"عملية قفصة"، التي نفذها كومندوس تونسي أتى من ليبيا، عبر التراب الجزائري. وقضت المحكمة بالإعدام لـ15  منهم، والأشغال الشاقة لـ25 آخرين.

فجرت العملية، التي تمت في الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي 1980، أزمة اقليمية أطرافُها تونس وليبيا والجزائر وفرنسا وأمريكا، وكانت من أخطر الأزمات التي واجهتها البلاد بعد الاستقلال.

وقائع العملية

تسلل كومندوس مؤلف من حوالي ستين مسلحا من ليبيا، عبر الحدود الجزائرية، ليستقر في مدينة قفصة. وفي خط مواز تم تهريب أسلحة مختلفة من ليبيا إلى قفصة، تمهيدا للعملية. كان السيناريو المُعد يقضي بالهجوم على حامية قفصة والسيطرة على المدينة، ثم طلب المساعدة العسكرية من ليبيا، مما يقود إلى تدويل الأزمة. وكان الدافع الأول لمعمر القذافي هو الانتقام من الحبيب بورقيبة، الذي ألغى "معاهدة جربة"، بعدما وقعا عليها معا في 12 جانفي 1974، بأحد نزل جربة. ولم تُعمر "الجمهورية العربية الاسلامية" أكثر من أربع وعشرين ساعة، قبل صدور قرار تونسي بإرجائها إلى حين إجراء استفتاء في البلدين، لم يتم أبدا.
بعد ذلك، احتضن القذافي معارضين تونسيين، ودربهم في معسكر قريب من الحدود مع تونس. وقبيل الموعد المقرر لتنفيذ العملية، انطلق قسم من أعضاء الكومندوس إلى قفصة، عبر مدينة تبسة الجزائرية، بضوء أخضر من مسؤول رفيع في المخابرات الجزائرية، هو العقيد سليمان هوفمان، من دون علم الرئيس الشاذلي بن جديد على ما يبدو. أما القسم الثاني فدخل إلى تونس بجوازات تونسية باعتبارهم مواطنين يعملون في الخارج، وقدموا من بيروت وروما.

مُجنَدون غير مسلحين

استفاد المهاجمون من عنصر المباغتة للهجوم على حامية قفصة ليلا، مما أدى إلى مقتل شبان مُجندين غير مسلحين، فيما كانت غالبية الضباط والجنود يشاركون في تدريبات في ولاية مجاورة. وبحسب العقيد عز الدين بالطيب، قائد القوة التي وصلت إلى قفصة وحاصرت الثكنة، استطاع قائد المهاجمين أحمد المرغني أن يأسر 300 مُجند داخل الملعب الرياضي. كما توجهت قوة ثانية إلى مركز الحرس الوطني، وثالثة إلى مركز الشرطة وسيطرتا عليهما. وانطلقت إذاعة مجهولة الموقع، يُعتقد أنها تبثُ من سفينة بين تونس ومالطا، في إصدار بيانات باسم "إذاعة قفصة"، تحث المواطنين على التمرد ودعم المهاجمين. وكان المخطط يقضي بإعلان حكومة مؤقتة في قفصة، تعترف بها ليبيا، وتمدُ لها يد العون. وكتبت صحيفة "الرأي" المعارضة، أن العملية "ترمي لتقسيم تونس بين حكومتين، تستنجد كل واحدة منهما بدول أجنبية، فيغدو (البلد) ألعوبة في أيدي الدول الكبرى".

لكن مع وصول تعزيزات من الولايات المجاورة بدأ ميزان القوى يتغير، وخاصة بعد ظهور مروحيتين تونسيتين في السماء لتحديد مواقع المهاجمين، بينما كان هؤلاء ينتظرون وصول طائرات ليبية مثلما وُعدوا. أما سكان قفصة فلم يتجاوبوا معهم على عكس ما كانوا يأملون.

نقطة فاصلة

وأفاد أحد المهاجمين لدى استنطاقه لاحقا أمام المحكمة، بأن السيطرة الجوية للجيش التونسي كانت نقطة فاصلة، فقد أكدت لهم أن الطائرات الليبية لن تصل، ودفعتهم إلى الهرب نحو المناطق المجاورة. غير أن قوات الجيش تمكنت من الامساك بغالبيتهم ونقلهم إلى العاصمة. ولقي الجيش التونسي دعما من الجيش الفرنسي مما أثار جدلا في حينه، إذ أرسل الفرنسيون طائرتي نقل عسكريتين لنقل الجرحى إلى العاصمة، ولم يكن الجيش الوطني يملك طائرات نقل مجهزة آنذاك. كما أرسل المغرب طائرتي نقل عسكريتين وعددا من المروحيات.

وفي تلك الأثناء اقتربت قطع من الأسطول الحربي الفرنسي من السواحل التونسية في خليج قابس، وهي أقرب نقطة بحرية إلى قفصة، فيما تولت طائرات من طراز "ميراج"، استكشاف المناطق المحاذية للحدود التونسية مع ليبيا، مستخدمة آلات مراقبة متطورة. في المقابل، كانت غواصة روسية تقترب من المياه الفرنسية، فيما عبر أسطول روسي مضيق البوسفور في اتجاه المتوسط. وبعد مرور يومين على العملية، تحركت أربع طائرات من طراز "ميراج أف1" من قاعدة كورسيكا نحو القاعدة الفرنسية في جيبوتي، مع تموينها بالوقود جوا.

حرب باردة

وعزا الاعلام الفرنسي تلك العملية إلى سعي الفرنسيين لإثبات قدرة طيرانهم الحربي على تنفيذ عمليات في مناطق بعيدة عن قواعده. ومن هنا فإن الأمر تجاوز تقديم المساعدة إلى حكومة صديقة (تونس)، ليندرج في إطار الحرب الباردة، وتحديدا الصراع الفرنسي السوفياتي، الذي سيتجسد مُجددا في حرب تشاد، بين القوات الفرنسية من جهة، والقوات الليبية ذات التسليح السوفياتي من جهة ثانية. وهي الحرب التي خسرها قائد القوات الليبية خليفة حفتر، فوقع هو نفسه في الأسر. وكان لافتا أن الرئيس بورقيبة، الذي أصر على البقاء في مقر إقامته بنفطة (على بعد 100 كلم فقط من قفصة)، تحدث لزواره عن وصول شحنات أسلحة من أمريكا، لكنه لم يحدد نوعها أو عددها. أكثر من ذلك، لم يتوان بورقيبة عن الذهاب إلى مدينة قفصة يوم 28 جانفي، وجاب شوارعها على متن سيارة مكشوفة. وفي سياق تداعيات العملية أعلن الوزير الأول الهادي نويرة تخلي تونس عن شعار "التنمية قبل السلاح"، فيما طار رئيس أركان الجيش عبد الحميد الشيخ إلى واشنطن للتفاوض على شراء مروحيات وناقلات جنود مصفحة.  

السياق الاجتماعي

تمت العملية في ظلال الذكرى الثانية للإضراب العام، الأول منذ الاستقلال، الذي نفذه اتحاد الشغل، بقيادة الحبيب عاشور، في 26 جانفي 1978، دفاعا عن هياكله، في وجه محاولات الحكومة والحزب الاشتراكي الدستوري إخضاعه بالقوة. والظاهر أن القذافي بنى توقيت العملية على موجات الغضب التي أعقبت سجن القيادات النقابية ومحاكمتها، مُعتقدا أن المواطنين في قفصة سينضمون إلى المهاجمين ما أن يُطلقوا الرصاصة الأولى. لكن ما حدث كان العكس تماما. ويمكن أن نلمح هنا تشابها بين هذه الخطة والسيناريو الذي اتبعه تنظيم "داعش" في بنقردان، التي اختارها التنظيمُ في 2017 لإقامة إمارة تابعة له. غير أن المواطنين هم الذين أفشلوا الهجوم وتولوا اعتقال المهاجمين. ومن الحركات التي كان لها تأثيرها في موقف سكان قفصة، أن الجيش هو الذي تولى تموين المدينة بالخبز من أفرانه، بعدما توقفت المخابز عن العمل، وكادت قفصة تبقى بلا خبز.

كان بورقيبة مقيما في نفطة لدى حدوث العملية، مثلما أسلفنا، واتخذ بعض الإجراءات الإنفتاحية لتهدئة المعارضين، ورد الاعتبار للمطرودين من الحزب الحاكم، وتنفيس الاحتقان مع الاتحاد. وفي الوقت نفسه طرد القذافي عشرات الآلاف من العمال التونسيين، لتأزيم الوضع الاجتماعي، وإرباك حكومة الهادي نويرة، الذي كان من أشد المعارضين لوحدة جربة.

موقف بن جديد

تقدمت تونس بشكوى للجامعة العربية، التي عقدت اجتماعا في تونس (مقرها المؤقت بعد تجميد عضوية مصر)، في مستوى وزراء الخارجية، للنظر في الشكوى. وقبل الاجتماع هاتف العقيد القذافي الرئيس الجزائري بن جديد، طالبا منه دعم الدعوة الليبية إلى سحب الفرنسيين من قفصة، فرد بن جديد بأنه سيطلب سحب "المجموعة الفرنسية للدعم اللوجستي" من قفصة، لكنه سيدعم أيضا شكوى تونس ضد ليبيا "لأنكم سمحتم لقوى مناهضة للنظام (التونسي) بالتدريب والتسلح وغزو قفصة من أراضيكم".

من هم المهاجمون؟ وما هي دوافعهم؟ قُدر عددهم، بحسب مصادر غير رسمية، بحوالي ستين عنصرا، كلهم تونسيون، ويقودهم أحمد المرغني الذي كان عضوا في "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس" المحظورة والموالية لليبيا. واعتُقل المرغني في تونس عام 1972 بتهمة التخطيط لتفجير المركز الثقافي الأمريكي بالعاصمة، وأفرج عنه بعد أربع سنوات، فسافر إلى ليبيا. أما القائد السياسي للعملية فهو عز الدين الشريف، المولود في قفصة، والذي شارك في المحاولة الانقلابية لعام 1962، للإطاحة ببورقيبة، وأمضى عشر سنوات في السجن، قبل أن يُغادره ويلجأ بدوره إلى ليبيا.

إلى جانب أسر المرغني والشريف، تم أسر حوالي أربعين عنصرا من المهاجمين، وإحالتهم على المحكمة، التي قضت بإعدام 15 منهم، وسجن 25 لفترات متفاوتة، فيما تمكن الآخرون من الفرار. وسعت منظمات حقوقية داخل تونس وخارجها، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، للحيلولة دون تنفيذ أحكام الاعدام. وبدت الأمور بعد تلك الحملة، كما لو أن بورقيبة سيعفو عن عشرة منهم. لكن الزعيم ياسر عرفات، القادم إلى تونس من قمة دول "الصمود والتصدي" في ليبيا، لم يُحسن مخاطبة بورقيبة في الأمر، مما أثار غضب الرئيس فرفض التوقيع على العفو.

قُصارى القول إن "عملية قفصة" ظلت علامة سوداء في العلاقات التونسية الليبية حتى سقوط نظام القذافي في 2011، وأضاعت على البلدين فرصا ثمينة للتقارب والتكامل الاقتصادي، كما سممت العلاقات مع الجزائر، ولو إلى حين، ناشرة مناخا من التوتر والريبة وفقدان الثقة بين البلدان المغاربية.

رشيد خشانة

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
aswan aissaoui - 13-07-2021 15:19

ايضاحات حول عملية قفصة 1980... اولا عدد المسلحين لم يكن 60 فردا بل 31 عنصر..ثانيا نفذ حكم الاعدام يوم 17 افريل 1980 في 13 فردا اما العنصر الاخير وهو الجيلاني الغضباني نفذ فيه الاعدام لاحقا لانه كان بالمستشفى يعالج واجل التنفيذ ليصبح عدد المعدومين 14 نفرا...ثالثا لم يكن هناك تدخل فرنسي عسكري لا من قريب ولا من بعيد والاعانة الفرنسية كانت تتمثل في الاسناد اللوجستي حيث ارسلت طائرات نقل جنود PUMA و TRANSALL....افراد الكومندوس ليست لهم اية علاقة باليوسفية ولا بالفصائل العروبية الا اذا استثنينا ضو بن عمارة بن نايل و عزالدين الشريف قائدا المجموعة ..وحتى الجبهة التقدمية لتحرير تونس التي تبنت العملية لا تنشط على ارض الواقع ولا تملك لا البرنامج السياسي ولا كوادر فقط استعانت بافراد الكومندوس بايعاز من هواري بومدين والقذافي لارباك تونس .. هذه العملية ليست رد فعل على احداث 26 جانفي 1978 بل ان الاعداد المادي لعملية قفصة كان منذ 1976 حين طلب المعارض الليبي ورفيق القذافي في الانقلاب العسكري وعضو مجلس الثورة عمر المحيشي اللجوء السياسي بتونس واحتمى بها رغم الالحاح الليبي الكبير لاسترجاعه وحاول القذافي اغتياله لكن احبطت هذه المحاولة وبقي فريق الاغتيال وخاصة اليد اليمنى للقذافي محمد بن علي بن نايل يترصد ومجموعته تحركات الوزير الاول الهادي نويرة قصد تصفيته بما انه الضالع الرئيسي في اسقاط اتفاقية جربة 1974.. ولكن يقبض عليه صحبة 2 افراد وقدم للمحكمة في افريل 1976 وحوكم بالاعدام ولكن لم ينفذ(وقعت عملية تبادل رهائن محمد بن نايل مقابل استرجاع المقاول رؤوف مهنا والذي وقع اختطافه حينها في طرابلس) .. وبدات عملية تهريب السلاح من الجنوب تتدفق ولكن احبطت من طرف قواتنا المسلحة والأهم من حيث حجمها كانت تلك التي حدثت في صيف عام 1978 والتي أحبطتها دورية الجمال. وجدت مخبأة تحت شجيرات وأعشاب صحراوية ، على بعد ثلاثة كيلومترات داخل الأراضي الوطنية على بعد سبعين كيلومترًا جنوب رمادة ، كمية كبيرة جدًا من الأسلحة والذخيرة. ..تظم الأسلحة الفردية والجماعية بالإضافة إلى ذخيرتها والقدرة على تجهيز مائتي رجل بسهولة ، ووقع تحميلها على شاحنتين كبيرتين Magirus لإعادتها إلى رمادة. ... وعليه بدا التفكير في تغيير المسلك الحدودي اي عبر الحدود الجزائرية بمساعدة العقيد الجزائري سليمان هوفمان والكولونيل محمد الصالح اليحياوي والكولونيل شكيب وبتنسيق صحفي تونسي يقطن بالجزائر وهو محرر بجريدة المجاهد اسمه صلاح الدين قرام وقد حوكم وقتها بالمؤبد و بحالة فرار... بداية العملية ليست باطلاق قذيفة بازوكا كما يعتقد البعض.. بعد قدوم الامني ابراهيم كيدار قرب مركز الامن قصد ارجاع مفاتيح الغرفة التي تخزن فيها الاسلحة والتي نسي ان يودعها في المركز وعندما شاهد محمد القاسمي البرقاوي مسلحا شهر مسدسه وطالبه بالتوقف ولكن عبد المجيد الساكري افرغ فيه رشاشته..وعندها كانت بداية المواجهة بين المجموعات الثلاث..مجموعة احمد المرغني كانت تضم 18 عنصر وليس 23..مجموعة عزالدين الشريف التي تولت مهاجمة الثكنة الداخلية الهادي خفشة كانت تضم 9 عناصر..حسين بن نصر عليم وعبد الرزاق الهمامي تكفلا بمنطقة الحرس الوطني اما محمد القاسمي البرقاوي و عبد المجيد الساكري فتكفلا بمركز الامن ..تصحيح لاسماء بعض افراد الكومندوس عبد الرزاق نصيب الاسم الحقيقي عبد الرزاق الهمامي..جسين العبيدي اسمه حسين بن نصر عليم ..بلقاسم الكريمي هذا اسم لا وجود له الاسم الحقيقي هو محمد القاسمي البرقاوي....احمد الميرغني لم يكن قائد المجموعة فقط كلف باستقطاب جماعة لبنان فحسب رواية منفذي العملية القائد الفعلي هو عزالدين الشريف وبدرجة اقل محمد الصالح المرزوقي وعمار المليكي رغم ضعف مستواهما التعليمي........قتل في العملية من الكومندوس عمر البحري الذي انتحر بعد محاصرته كما قتل اثناء المواجهة صالح بدري والناصر الدغباجي..وجرح محمد الصالح المرزوقي ونورالدين الدريدي والجيلاني الغضباني..على الساعة السابعة حلقت مروحيتان هليكوبتر تحت امرة النقيب الطويل و العقيد القنوني لاستجلاء واقع الميدان ثم يلتحق العقيد الطاهر بكر القادم من ثكنة القصرين بمزنجرتين وقوة عسكرية على الساعة 11 صباحا ..بعدها يدخل قفصة العقيد عزالدين بالطيب والقادم من ثكنة الكاف ويتدعم بدخول قوات العقيد بوغزالة من حامية قابس ..ثم يقع التعزيز من العقيد يوسف بن سليمان من ثكنة بوفيشة واخيرا كومندوس تحت قيادة العقيد حميدة الفرشيشي .... كان من المفترض تاجيل العملية قبل اربع ساعات من انطلاقتها لاقتناع الاغلبية بعدم الجاهزية (اقترح احمد المرغني وعبد المجيد الساكري التاجيل ) ولكن عزالدين الشريف وخاصة عمار المليكي اصرا على تنفيذها بل وهددا المجموعة بابلاغ الامن في صورة الاصرار على عدم التنفيذ ..اغلب افراد المجموعة اقتنعت بفشل العملية سويعات بعد انطلاقتها .. ومن ثمة بدا الانسحاب تدريجيا ..القي القبض على عزالدين الشريف يوم 29 جانفي-عمار المليكي يوم 2 فيفري بسبالة اولاد عسكر-احمد المرغني 6 فيفري وعند محاولةاعتقاله قتل بمسدسه احد اعوان الحرس اصيل قرقنة-حسين بن نصر عليم يوم 29 جانفي-عبد المجيد الساكري يوم 8 فيفري بالمكناسي.. حين استقر راي الكومندوس على تاريخ بداية العملية اي 27 جانفي اوفدوا عمارة بن ضو مانيطة الى طرابلس عبر الجزائر وذلك يوم 23 جانفي قصد استشارة القائد الفعلي للجماعة وهو عمارة بن ضو بن نايل والذي سوف ينسق الامر مع الليبيين واخذ الضوء الاخضر منهم وكانت كلمة السر تكمن في اذاعة اغنية من اغنيات المطربة اللبنانية نجاح سلام وهذا ما تم فعليا وهو اعلان على الموافقة من طرف القيادة والسلطة الليبية على بدا التنفيذ تكفل سليمان هوفمان بايواء المجموعة في منزله في ضاحية عين الطاير تبعد تقريبا 20كم عن الجزائر العاصمة لمدة شهر وكانت تضم 29 عنصر ووقع تدريب المجموعة القادمة من ليبيا من طرف مجموعة لبنان وعددهم 9 افراد وهم مقاتلون متمرسون شاركوا في عمليات فدائية بجنوب لبنان بين سنة 1977 و 1978.. قدوم المجموعة من الجزائر نحو الحدود التونسية امنه العقيد سليمان هوفمان وصلاح الدين قرام بسيارتهما الاولى استافات والثانية سيارة سياحية يقودها ضابط جزائري واشير ان الدخول الى تونس كان على دفعتين..وصلوا للحدود اين استقبلهم مهرب جزائري(اسمه هذيبة) استراحوا في منزله حوالي ساعة ثم واصلوا السير على الاقدام حوالي كيلومترين تحت حراسة المخابرات الجزائرية بسيارات كشافة ليجدوا مجموعة محمد الصالح المرزوقي تنتظرهم والذي نسق مع 3 افراد من الديوانة كي يسهلوا لهم عملية الدخول ..الكومندوس كانوا بازياء رياضية وفرها لهم ضابط استخبارات جزائري هو محمد الصالح اليحياوي.. حاول عزالدين الشريف استمالة الشيخ العربي العكرمي قبل بدا التنفيذ فالمح له قائلا..**عبد العزيز يسلم عليك** اي هل تريد الثار وتشارك في العملية ففهم الشيخ ما قصده الشريف قائلا له **عبد العزيز مات** اي لا يمكنني المشاركة لانها حتما سوف تفشل وحذره قائلا في صورة فشل العملية لا تورد اسمي في التحقيقات لاني اصبحت شيخا ولا استطيع تحمل التعذيب وانصحك بالعدول عن هذه الفكرة والعودة سالما الى ليبيا... كل افراد الكومندوس لهم سوابق عدلية باستثناء محمد علي الحميدي ورؤوف بن الهادي صميدة.. تقول احدى الروايات الاتي..**ان السبب الرئيسي لفشل العملية او انتهائها بسرعة هو ان هناك 500 متطوع متجمعون في المظيلة (10 كم جنوب قفصة) و كانوا سوف ينظمون للعملية لاحقا و مسؤول الربط هو التوهامي الكريمي ..في مساء 26 جانفي يتوجه التوهامي الى المظيلة على دراجة موتوبيكان زرقاء و على الطريق السفلي في واد بياش و تحت الجسر يصطدم بشاحة بيجو 404 فيموت على الفور فبقيت المجموعة في المظيلة بدون اتصال مع المجوعة في قفصة خاصة و انهم بدون اسلحة لان كل السلاح كان بمدينة قفصة.*** حين بدأت وحدات الجيش تقترب من المدينة كي تسترجع المدينة و التجاء الكومندوس الذين هاجموا ثكنات الجيش إلى اقتياد المجندين العزل و حشروهم في قاعة رياضية داخل المعهد الثانوي حي الشباب و حاولوا المساومة بحياتهم و اعتبارهم كرهائن مشترطين على ممثلي السلطة و آمر الجيش ارسال مروحية مجهزة لترحيلهم وايفاد اما سفير كوبا بتونس او افراد من هذه السفارة لتسهيل اجراء هذه المفاوضات.. في الوقت الذي فر البعض منهم إلى الجبال المجاورة للمدينة و تحصن البعض الآخر في صومعة الجامع الكبير بسلاح سرق من ثكنة الجيش. في تلك الاثناء كانا وزير الدفاع رشيد صفر ووزير الداخلية عثمان كشريد يعلما الوزير الأول الهادي نويرة في منزله بالمنزه بتطورات الاوضاع و كان هو بدوره يعلم الرئيس الحبيب بورقيبة الذي كان متواجدا كعادته في تلك الفترة بالنزل المحبذ له بواحة نفطة و توزر…..اتفقا ان ينتقلا الى منزل الوزير الأول حوالى الساعة الرابعة مساء لتقديم تقرير شفاهي اولي مشترك و اخذ التعليمات الحاسمة لمواصلة العمليات….بعد ان استمع اليهما هاتف رئيس الدولة و القائد الأعلى للقوات المسلحة و اخذ الاذن منه باقتحام المعهد الذي تحصن به افراد الكومندوس لتحرير الرهائن (قرابة الاربعمائة جندي مستجد بالخدمة العسكرية)..وبمجرد تلقي التعليمات من الرئيس غادرا منزل الوزير الأول واتجه وزير الدفاع رأسا الى الوزارة وابلغ مساعديه (رئيس الاركان عبد الحميد الشيخ و الجنرال الكاتب والجنرال محمد قزارة قائد اركان البر) بتعليمات القائد الاعلى للقوات المسلحة…و ذهب الجنرال محمد قزارة لقاعة العمليات للتنفيذ…..وتمت عملية اقتحام المدرسة و تحرير الرهائن حوالي الساعة السادسة مساء… و كان الثمن غاليا جدا حيث كانت عملية الاقتحام عشوائية وغير مدروسة و أزهقت ارواح العديد من المجندين الرهائن...حوالي عشرون عنصرا...(هذه رواية السلط حينها ..ولكن حسب روايات شهود عيان وخاصة من الرهائن كان عدد الضحايا اكثر من ذلك الرقم..وبكثير.. ) المحاكمة بدات من يوم 10 مارس الى غاية 27 مارس برئاسة الهادي الجديدي والمدعي العام هو عبد العزيز الحمزاوي.. يوم 14 مارس 1980 واثناء استنطاق عزالدين الشريف بالمحكمة وحين بدا حديثه حول طريقة ادخاله شحنات السلاح بايعاز وتسهيل من المخابرات الجزائرية وحين قال في شهادته انه كان على اتصال بالجزائريين اكثر من القادة الليبيين عندها اوقف رئيس المحكمة المداولات طالبا اخراج جميع وسائل الاعلام لان السلطة التونسية وقتها تعلم بالدور الرئيسي للجزائر في هذه العملية ولكن تجنبت الخوض فيها كي لا تفتح جبهة اخرى في مواجهة النظامين في نفس الوقت ولقد كانت التعليمات لاعضاء المحكمة بالتخلي عن الاستماع لشهادات تورط النظام الجزائري. تلقى الرئيس الحبيب بورقيبة بعد ادانة المحكومين بعد 27 مارس ندائات من طرف جيسكار ديستان ومنظمات حقوقية دولية لاسقاط حكم الاعدام واقتنع بعض الشىء وقرر اعفاء المحكومين من الاعدام والاستعاضة بالمؤبد الا عنصرين فقط الميرغني وعزالدين الشريف حيث اصر على اعدامهما..ولكن المفاجاة كانت بقدوم الزعيم الفلسطيني عند عودته من طرابلس حيث حضر مؤتمر جبهة الرفض..ولما طلب ياسر عرفات من الرئيس التونسي العفو على المجموعة نظرا لان العديد منهم كانوا فدائيين وساهموا في القتال مع المجموعات الفلسطينية ضد العدو الصهيوني ولكن ثارت ثائرة بورقيبة فلقد ظن ان هذا الالتماس كان بايعاز من القيادتين الجزائرية والليبية فالغى صفحه عن المجموعة وامر وزير العدل آنذاك صلاح الدين بالي بالتنفيذ الفوري للاعدامات..وكان فجر 27 افريل حزينا في السجن المدني 9 افريل.... في نفس السنة 1980 اصدر عمارة بن ضو بن نايل وتحت اسم مستعار هو حسن يوسف اللموشي كتيب اسمه وانطلقت الثورة من قفصة محاولا ان يؤرخ للعملية ويسلط الضوء على المجموعة التي قامت بالعملية ويعرف باهداف الحركة القومية التقدمية لتحرير تونس ويمجد خاصة نظام **الجماهيرية**..كما صدر مؤخرا كتاب لاحد المؤرخين الليبيين محمد سعيد قشاط اسمه **قفصة في الافق-ثورة الشهيد احمد الميرغني** وهو كتاب سخيف معبأ بالمغالطات ودون توثيق لمصادره. اضافة شخصية.. اواخر 1993 تعرفت على احد العراقيين في مدينة جنيف وكان هذا الشخص من الذين رفعوا السلاح في السبعينات ضد البكر وصدام ..تحدثنا على عملية قفصة ..يقول لي بانه حل بتونس كي يغطي العملية لاحدى الصحف اللبنانية رفقة تونسي امتنع عن ذكر اسمه ذكر لي فقط اسمه الحركي ..يقول لي انهما انسحبا من قفصة على الساعة السابعة صباحا بعد اقتناعهما بفشل العملية..وهذا يعني ان كل بيروت وكل لبنان كانت تعلم بالعملية وتفاصيلها ......فقط النظام التونسي وامنها وداخليتها كانوا صما بكما لا يعمهون..عثمان كشريد -زين العابدين بن علي واخرون..الغريب في الامر ان السلطات التونسية لم تفتح تحقيق خاص بهذه العملية والمشبك باختراقات وتجاوزات لا حصر لها بل بالعكس حفظت الملفات باسرارها كما هي وتبقى عملية قفصة ورغم مرور اكثر من 41 سنة تحتفظ باسرارها ولذلك تجد الكثير من الخلط والتهريج من طرف جل التونسيين وحتى من رجالات السياسة وقتها (شهاداتهم التلفزية العبثية خاصة قناة الجزيرة) مثل احمد بنور وطاهر بلخوجة وعثمان كشريد ومحمد المزالي والهادي البكوش وادريس قيقة ومحمد الصياح... أخيرا.... الوزير الاول الاسبق رشيد صفر والذي عمل في المؤسسات و الحكومة منذ الخمسينيات يقول في شهادته بمؤسسة التميمي.. انطلاقا من احداث قفصة 1980 اصبحت لي القناعة الكاملة بان البلاد تسير من سىء الى اسوأ ......................

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.