مكرم العزيزي: قراءة في أحكام المرسوم المتعلق بتعليق الإجراءات والآجال

قراءة في أحكام المرسوم المتعلق بتعليق الإجراءات والآجال

بعد طول انتظار صدر المرسوم عدد 8 لسنة 2020 المؤرخ في 17 أفريل 2020 الخاص بتعليق الإجراءات والآجال وذلك تطبيقا لأحكام القانون عدد 19 لسنة 2020 المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات إنتشارفيروس كورونا والذي أجاز لرئيس الحكومة ضمن فصله الأول إقرار أحكام استثنائية في الآجال والإجراءات في الدعاوى والطعون أمام مختلف أصناف المحاكم وبصفة عامة في كل الإجراءات والآجال المتعلقة بالالتزامات المدنية والتجارية وغيرها (الفصل 1)

وهو أمر حتّمه صدور مذكرات عمل عن المجلس الأعلى للقضاء وعن وزيرة العدل توقّيا من تفشّي وباء كورونا أفضت إلى تعليق العمل العادي بالمحاكم وإعلان الحجر الصحي العام وحظر التجول بعد صدور الأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 المتعلق بتحديد الجولان والتجمعات خارج أوقات منع الجولان والأمر الحكومي عدد 156 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 المتعلق بضبط الحاجيات الأساسية ومقتضيات ضمان استمرارية المرافق الأساسية وحماية لحقوق المتقاضين وضمانا للمساواة بينهم تحسّبا لاختلاف اتجاهات المحاكم بخصوص اعتبار ذلك من قبيل القوة القاهرة التي تسعف المتقاضي بتعليق للآجال من عدم ذلك.

وقد جاء إصدار المرسوم متماشيا مع ما أقرّته عدة تشاريع مقارنة ومن بينها:

  • المشرع الفرنسي الذي كرّس قاعدة مماثلة حملها المرسوم عدد 306 المؤرخ في 25 مارس 2020 المتعلق بتمديد الآجال النهائية المستحقة خلال فترة الطوارئ الصّحية وتكييف الإجراءات خلال الفترة نفسها (الفصل 1)
  • المشّرع الإيطالي بموجب المرسوم عدد11 المؤرخ في 08 مارس 2020 المنقح بموجب المرسوم عدد 18 المؤرخ في 17 مارس 2020 -
  • المشرّع المغربي الذي أورد تنصيصا مماثلا ضمن المادة السادسة من المرسوم بقانون عدد 292 المؤرخ في 23مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.

واختار المشرّع تنظيم هذه المسألة ضمن نص مستقلّ خلافا لما أقرّه المشرع المغربي مثلا الذي أقحمها ضمن نص عام يعنى بحالة الطوارئ الصحية واحتوى المرسوم المذكور على أربعة فصول حدّدت أساسا نطاق التعليق من حيث الموضوع 1- ومن حيث مدة سريانه -2

1 - نطاق التعليق من حيث الموضوع:

1-1 - موضوع التعليق

تضمن طالع المرسوم عددا كبيرا من الاطلاعات وذلك محاولة من واضعيه لحصر مختلف النصوص القانونية المنظمة للآجال والإجراءات،و قد حدد فصله الأول نطاقا واسعا للتعليق وتميزت صياغته بعمومية عباراته فهو يشمل "الإجراءات والآجال المنصوص عليها بالنصوص القانونية الجاري بها العمل" وتشمل خاصة تلك "المتعلقة برفع الدعاوى وتقييدها ونشرها واستدعاء الخصوم والإدخال والتداخل والطعون مهما كانت طبيعتها والتبليغ والتنابيه والمطالب والإعلامات ومذكرات الطعن والدفاع والتصاريح والترسيم والإشهارات والتحيين والتنفيذ والتقادم والسقوط"

فالتعليق يشمل الأعمال والآجال والإجراءات القانونية المشار إليها آنفا و غيرها مما ينص عليه القانون كإجراء وجوبي يكون جزاء مخالفته البطلان أو سقوط الحق أو التقادم أو عدم سريان في حق الغير وغيرها من صور سقوط الحق ،وهذا ما كرّسه المشرّع المغربي فيوقف بموجب المادة السادسة من المرسوم بقانون عدد 292 لسنة 2020 "سريان جميع الآجال المنصوص عليها بالنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل "

كما يشمل التعليق أجال وإجراءات التسوية والتتبع والتنفيذ المتعلقة بالشيكات والآجال والإجراءات المتعلقة بالالتزامات المعلقة على شرط أو أجل.

ويترتب عن التعليق توقف سريان جميع الفوائض وغرامات التأخير والخطايا .."

2-2 - إستثناءاته

نصّ الفصل الثالث من المرسوم على أنه "لا تنطبق أحكام هذا المرسوم على أجال الطعن المتعلقة بقضايا الموقوفين وأجال الاحتفاظ والإيقاف التحفظي وإجراءات التنفيذ الخاصة بالمفتش عنهم وآجال التتبع وسقوط العقوبات "

وبهذا فقد استنى المشرّع من نطاق تطبيق المرسوم الآجال والإجراءات السّالفة في الذكر وهو مايعني خروجها عن نطاق التعليق وذلك اعتبارا لتواصل العمل القضائي بالنيابة العمومية وقضاء التحقيق والمجالس القضائية بخصوص النظر في قضايا الموقوفين خلال فترة الحجر الصحي من جهة ولارتباطها بالحقوق والحريات من جهة أخرى.

هذا ومن المعلوم أن ممارسة الدعوى العمومية ومتابعة تنفيذ العقوبة لم تتواصل بشكل عادي تبعا لصدور مذكرات عمل عن المجلس الأعلى للقضاء وعن وزارة العدل أفضت إلى تعليق العمل العادي بالمحاكم كما وللاضطراب الحاصل في عمل الضابطة العدلية غير أن الفصل المذكوراستثنى الآجال الخاصة بسقوط الدعوى العمومية وسقوط العقوبات من مجال التعليق وذلك في تعارض مع ما تضمنته أحكام الفصلين 5 و350 من مجلة الاجراءات الجزائية التي تنص على تعليق احتسابها لوجود مانع من الموانع المادية.

وقد كان من الوجاهة بمكان عدم الإشارة إلى الاجال المذكورة وترك المجال للاجتهادالقضائي بخصوص اعتبار فترة الحجر الصحي وتعليق العمل بالمحاكم من قبيل المانع المادي من عدم ذلك أو التنصيص صراحة على شمولها بالتعليق مثلما أقرّه المشرع الفرنسي الذي أصدر مرسوما خاصا بالإجراءات الجزائية خلال فترة الطوارئ الصحية وهو المرسوم عدد 303 المؤرخ في 25 مارس 2020 والذي نص على ذلك ضمن فصله الأول

"les délais de prescription de la peine sont suspendus a compter du 12mars 2020 jusqu’au terme prévu a l’article 2(c'est-à-dire jusqu'à l’expiration d’un délai d’un mois a compter de la date de cessation de l’état d’urgence sanitaire .)

وربما تسمح صياغة الفصل المذكور(لا تنطبق أحكام المرسوم على ..) باعتماد قراءة ثانية مغايرة لما سبق بسطه مفادها بقاء النصوص القانونية المنظمة للآجال المذكورة سارية المفعول ويبقى تبعا لما ذكر للاجتهاد القضائي قوله بخصوص تطبيق الفصول المذكورة واعتبار فترة الحجر الصحي وتعليق العمل بالمحاكم من قبيل المانع المادي من عدم ذلك.

والجدير بالتذكير أن الأعمال والإلتزامات المضمنة في العقود ونحوها من الاتفاقات لا يشملها التعليق وتبقى واجبة التنفيذ طبقا لمبدأ القوة الملزمة للعقد وأن العقد شريعة المتعاقدين المنصوص عليه بالفصل 242 من م إ ع ويبقى للقضاء تقدير حالة القوة القاهرة وآثارها طبقا لأحكام م ا ع (الفصول 282و283 من م إ ع) كان أن العقود الشغلية مسثناة من ذلك تبعا لصدور المرسوم عدد2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 المتعلق بسنّ أحكام إستثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل بمجلة الشغل والذي علق العمل بالفصول 14-ج –و 21- 12 من مجلة الشغل ..

2 - مدة سريان التعليق

نص الفصل الثاني على أنه "يسري التعليق المشار إليه بالفصل الأول من هذا المرسوم بداية من 11 مارس 2020 ويستأنف إحتساب الآجال المذكورة بعد شهر من تاريخ نشر أمر حكومي في الغرض ."

وبهذا فإن المشرّع إختار تاريخ 11 مارس 2020 كبداية لتحديد أجل التعليق لا يوم 22 مارس 2020 تاريخ الإعلان عن الحجر الصحي الشامل في حين لم يحدّد نهايته بصفة واضحة لسوء صياغة الفصل وأشارإليها بصفة ضمنية حين التنصيص على استئناف احتساب الاجال التي تكون "بعد شهر من تاريخ نشر أمر حكومي في الغرض"

ومعنى ذلك أن التعليق ينتهي بمضي أمد شهر يبتدأ إحتسابه من تاريخ نهاية الحجرالصحي المحدّد بأمر حكومي رغم عدم التّنصيص على ذلك صراحة مثلما اقتضاه المشرّع الفرنسي ضمن الفصل الثاني من المرسوم إذ حدّد أجل التعليق ( المشرع الفرنسي يستعمل عبارة التمديد في الآجال) بداية من تاريخ 12 مارس 2020 إلى نهاية أجل شهر من تاريخ رفع الحجر الصحي.

« Tout acte …….qui aurait du être accompli pendant la période mentionnée a l’article 1 (du 12 mars 2020 jusqu'à la fin de l’expiration d’un délai d’un mois a compter de la date de la cessation de l’état d’urgence sanitaire( sera réputé avoir été fait a temps s’il a été effectué dans un délai qui ne peut excéder a compter de la fin de cette période le délai légalement imparti pour agir dans la limite de deux moix. »

مدة التعليق =

البداية 11 مارس 2020 وتضم كامل فترة الحجر الصحي التي تنتهي بتاريخ يحدده أمر حكومي + مدة شهر تحتسب بداية من تاريخ رفع الحجر الصحي بمقتضى الأمر الحكومي المذكور

أما المشرع المغربي المشرع فقد كرّس ضمن المادة السادسة من المرسوم بقانون عدد 292 لسنة 2020 قاعدة التعليق خلال فترة الحجر الصحي فحسب إذ نصت على أنه "يوقف سريان جميع الآجال المنصوص عليها بالنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها ويستأنف إحتسابها إبتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.

والملاحظ أنّ المشرّع أضاف أجل شهر إلى فترة الحجر الصحي ونص على تعليق الآجال خلاله وذلك أسوة بالمشرع الفرنسي الذي اعتمد قاعدة مماثلة ضمن الفصل الأول من المرسوم عدد 306 المؤرخ في 25 مارس 2020 وتسمى كامل فترة التعليق "الفترة المحمية (période juridiquement protégée)

(للمزيد من التفاصيل يراجع تقرير الوزير الأول الفرنسي المقدم إلى رئيس الجمهورية المتعلق بالمرسوم المذكور منشور jorf n 0074 du 26 mars 2020 texte n 8 ومنشور وزير العدل حارس الأختام المؤرخ في 26 مارس 2020 ).

وعلّة إضافة الشهر المذكور هي التحسّب لإمكانية إقرار جزئي للحجر خلاله وضمانا للمساواة بين المتقاضين.

ويعني ذلك أن الأعمال القانونية المذكورة بالفصل الأول أوالتي كان يجب القيام بها خلال كامل مدة الحجر الصحي بداية من تاريخ 11 مارس 2020 ويضاف إليها تلك التي كان من المفروض القيام بها خلال أجل شهر من تاريخ رفع الحجر تعتبر معلقة ويستأنف إحتساب الاجال بداية من إنقضاء أجل الشهر المذكورطبق القواعد العادية لإحتساب الآجال.

وهذا خلافا للمشرع الفرنسي والذي كان أكثر مرونة بأن منح أجل إمهال يتم القيام به بالأعمال المذكورة خلاله فتعدّ صحيحة قانونا ونافذة متى تم القيام بها خلال أجل شهرين يقع احتسابهما من تاريخ انقضاء أجل الشهر المذكور.

"sera réputé avoir été fait a temps s’il a été effectué dans un délai qui ne peut excéder a compter de la fin de cette période le délai légalement imparti pour agir dans la limite de deux moix.»

مكرم العزيزي

قاض بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.