أخبار - 2020.04.22

فيروس كورونا "كوفيد-19": قراءة نقدية في التدابير الاجتماعية المصاحبة المقررة في مراسيم رئيس الحكومة الصادرة في 14 أفريل 2020

فيروس كورونا "كوفيد-19": قراءة نقدية في التدابير الاجتماعية المصاحبة المقررة في مراسيم رئيس الحكومة الصادرة في 14 أفريل 2020  (تحليل الوضع والتوصيات)

مقدمة

1 - استنادا إلى القانون عدد 19 لسنة 2020 المؤرخ في 12 أفريل 2020 والمتعلّق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19"(1)، أصدر رئيس الحكومة يوم 14 أفريل خمسة مراسيم تم نشرها في نفس اليوم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ودخلت حيز النفاذ من تاريخ نشرها، بما في ذل خاصة:

  • المرسوم عدد 2 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020 يتعلق بسن أحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل؛
  • المرسوم عدد 3 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020 يتعلق بضبط إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة بعض الأصناف من العاملين لحسابهم الخاص المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"؛ 
  • والمرسوم عدد 4 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020 يتعلق بسن إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة المؤسسات والإحاطة بأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19".

2 - وتبين الدراسة المتعمقة لهذه المراسيم بوضوح أن هدفها المشترك هو معالجة المساوئ الناشئة عن تنفيذ تدابير الحجر الصحي الشامل، التي سبق سنها توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"(2).

3 - ومما لا شك فيه أن مساهمة هذه المراسيم مهمة لأنها تعالج بعض الشواغل، التي أبرزتها مقالات سابقة نُشرت في ليدرز باللغتين الفرنسية والعربية(3). ونحاول مع ذلك وفيما يلي تحديد النطاق الحقيقي لهذه المراسيم ، بما في ذلك أوجه القصور فيها، تليها بعض التوصيات، وهذا من خلال الإجابة على الأسئلة الثلاثة التالية: 

  • كيف، قبل كل شيء، تقييم التدابير المتخذة لمنع تسريح العمال وأزمة الأجور؟ (I)
  • ما هي الإمكانيات الحقيقية المتاحة للمؤسسات، وخاصة بفضل العمل عن بعد، لتكييف شروط أداء العمل مع الوضعيات الجديدة الناتجة عن قرار الحجر الصحي الشامل؟ (II)
  • كيفية ضمان الوقاية والحماية من العدوى بفيروس كورونا "كوفيد-19" بموجب التشريعات المهنية بموجب التشريعات المهنية وهل يمكن تحديدا للعامل المصاب بالفيروس أن يحصل على علاج لعدواه بموجب التشريعات المهنية؟ (III)

I – وقع التدابير الرامية إلى منع تسريح العمال وأزمة الأجور

أ - تحليل الوضع

4 - هذا هو الغرض الرئيسي من مرسوم رئيس الحكومة عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 والمتعلق بسن أحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل، ألا وهو منع تسريح العمال الناجم عن إغلاق معظم المؤسسات التي لم يسمح لها بمواصلة أنشطتها بتراخيص خاصة صادرة وفقاً للأمر الحكومي رقم 156 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020(4). وبموجب الفصل الأول من هذا الأمر الحكومي، "يتم تعليق العمل بأحكام الفقرة الفرعية (ج) من الفقرة الثالثة من الفصل 14 من مجلة الشغل المتعلقة بتعذر الإنجاز الناتج إما عن أمر طارئ أو قوة قاهرة حدثت قبل وأثناء تنفيذ عقد الشغل". 

5 - وينبغي الترحيب بهذه الأحكام لأنها تساعد على منع إنهاء عقود الشغل لعشرات الآلاف من العمال، وما يترتّب عنه من وقف حصولهم على أجورهم التي تشكل المصدر الوحيد لدخلهم ودخل أسرهم. وهل من المناسب التذكير هنا بأنه بموجب الفقرة الفرعية (ج) من الفقرة الثالثة من الفصل 14 من مجلة الشغل "... ينتهي عقد الشغل سواء كان مبرما لمدة معينة أو لمدة غير معينة :...ج) عند تعذر الإنجاز الناتج إما عن أمر طارئ أو قوة قاهرة حدثت قبل أو أثناء تنفيذ العقد...».

6 - ولا شك أن تطبيق هذه الأحكام على الحالة الناشئة عن فيروس "كورونا-19" وخاصة الآثار الناجمة عن ذلك من حيث وقف أنشطة المؤسسات نتيجة للحجر الصحي الشامل الذي قررته السلط العمومية، كان سيؤدي لا محالة إلى الإقرار بتوفّر جميع خصائص القوة القاهرة على معنى الفصل 283 من مجلة الالتزامات والعقود (استحالة التوقع، استحالة الدرء والصبغة الخارجة عن نطاق المدين). 

7 - وهنا بالذات تكمن الفائدة المنجرّة عن هذا الفصل الأول من المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 المذكور أعلاه، وهي تعليق تطبيق هذه الأحكام القانونية بشأن آثار القوة القاهرة على عقود الشغل السارية، والتي كان من المؤسف اعتبارها منتهية بمفعول ما ترتّب عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"، مع التذكير بالاجتهادات التي دأبت عليها محكمة التعقيب للتقليل من آثار القوة القاهرة على عقود الشغل والحرص على ضمان قدر من استقرار علاقات العمل، ما أدّى بها إلى إنشاء نظرية أصلية تتعلق بأثر القوة القاهرة، وحصر ذلك في تعليق عقد الشغل فحسب بدلا من إنهاءه في حالة استحالة تنفيذه مؤقتا. وهنا موضع الإشارة إلى عدة قرارات، على غرار القرار المدني عدد 10138 مؤرخ في 13 أكتوبر 1984، والذي اعتبرت فيه أنه: "لحكام الموضوع الاجتهاد في تقدير القوة القاهرة وتقدير تأثيرها على العلاقة الشغلية إما بتعليقها أو بقطع وإنهاء عقد الشغل"(5):

  • فإذا ثبت حالة القوة القاهرة، يتم فسخ عقد العمل وفصل الموظف، دون أي حق في التعويض، وهو ما أقرته محكمة التعقيب مثلا في قرارها المدني عدد 1990 مؤرخ في 17 أكتوبر 2005، والذي قضت فيه بأنه: "لا يستحق العامل التعويض عن الطرد التعسفي إذا تعذر تنفيذ عقد الشغل بسبب أمر طارءئ أو قوة قاهرة حدثت قبل أو أثناء تنفيذ عقد الشغل"(6)؛
  • أما إذا لم تثبت حالة القوة القاهرة ولم يكن هناك استحالة مطلقة لدرء الصعوبات الناشئة عن الأحداث الجارية، يجوز تعليق عقود الشغل، مع إمكانية استئنافها بمجرد أن تزول الموانع التي كانت أساس تعليق إنجاز العمل.

8 - بيد إنه ومهما يكن الوقع الحقيقي لإجراءات الحجر الصحي الشامل التي تم إقرارها على نشاط المؤسسات المعنية، سواء أجبرت هذه الأخيرة على إنهاء عقود الشغل لعمّالها أو تعليقها فقط، فإن النتيجة ستؤول إلى إمكانية تعليق صرف أجور العمال، على أي حال، ضرورة أن الأجر إنما هو طبقا للفصل 134 ـ 2 من مجلة الشغل (أضيف بالقانون عدد 62 لسنة 1996 المؤرخ في 15 جويلية 1996): "...ما يستحقه العامل من مؤجره مقابل العمل الذي أنجزه".

ب - حدود الحماية

9 - على الرغم من مساهمة المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020، المشار إليه أعلاه، فإن أحكامه غير كافية بل ويمكن أن تؤدي إلى وجوه انشغال مختلفة: 

  • يتعلق وجه الانشغال الأول بمجال الحماية للعمل من الطرد والتي تبدو نسبية ومحدودة في الزمن إلى غاية تاريخ رفع الحجر الصحي الشامل، مما يعرض عقود الشغل لخطر حقيقي بمجرد رفع التدابير الصحية التقييدية (ب1)؛
  • ويتعلق وجه الانشغال الثاني بالقيود غير المبررة المفروضة على المؤسسات وأجراءها للانتفاع بالإجراءات الاجتماعية الاستثنائية والظرفية على النحو المبين في المرسوم الآخر لرئيس الحكومة، وهو المرسوم رقم 4 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020، المتعلق بسن إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة المؤسسات والإحاطة بأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19" (ب2)؛
  • ويتعلق وجه الانشغال الثالث بأوجه القصور في تدابير الدعم الاجتماعي، بما في ذلك خاصة في مجال تأمين التعويض عن الأجور بالنسبة للعمال الذين اضطرّوا على التوقّف عن العمل بسبب الحجر الصحي الشامل (ب3)؛
  • وأخيرا، يتمثّل وجه الانشغال الرابع في التعقيدات الإدارية الناجمة عن نظام الرقابة الذي وضع للإحاطة بتدابير الدعم الاجتماعي، بما في ذلك الدور المنوط بتفقدية الشغل (ب4).

 ب1 - حماية من الطرد محدودة في الزمن إلى غاية تاريخ رفع الحجر الصحي الشامل

10. ينص الفصل 5 من المرسوم رقم 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020، المشار إليه أعلاه، على أنه: "... يجري العمل بأحكام هذا المرسوم إلى غاية تاريخ رفع الحجر الصحي الشامل بمقتضى أمر حكومي يصدر في الغرض". حكم غريب جدا، مؤداه الحد من حماية العمّال من الطرد بسبب آثار فيروس كورونا "كوفيد-19" إلى غاية انتهاء فترة الحجر الصحي الشامل! وهذا يعني منطقياً إمكانية إعادة تفعيل أحكام الفقرة الفرعية (ج) من الفقرة الثالثة من الفصل 14 من مجلة الشغل -التي تجعل عقود الشغل منتهية الفعالية "عند تعذر الإنجاز الناتج إما عن أمر طارئ أو قوة قاهرة حدثت قبل أو أثناء تنفيذ العقد"- بمجرد رفع الحجر الصحي الشامل! ويتعزّز هذا الاستنتاج من طبيعة المرسوم رقم 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 ذاته، ومجاله المتعلّق بصريح عنوانه "بسن أحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل"، ما يؤكد القاعدة العامة المنصوص عليها بالفصل 540 من مجلة الالتزامات والعقود ومقتضاها: "ما به قيد أو استثناء من القوانين العمومية أو غيرها لا يتجاوز القدر المحصور مدة وصورة".

11 - وهذا يعني، بعبارات أكثر تحديداً، أنه بإمكان صاحب العمل إنهاء عقود الشغل، قانونا وبصفة آلية، في اليوم التالي لرفع الحجر الصحي الشامل، وهو موقف متناقض جداً فيما يتعلق بالتدابير والإجراءات الاجتماعية المصاحبة التي تنفذها الدولة للتخفيف من آثار تنفيذ الحجر الصحي الشامل، والتي وعلى الرغم من أوجه القصور فيها- والتي سنعود إليها أسفله - كان ينبغي أن تؤدي إلى منع أي إجراء طرد آلي للعمل لأسباب متعلّقة بآثار فيروس كورونا "كوفيد-19" ، إلا في الحالات التي تكون المؤسسة نفسها مضطرة فيها إلى وقف أنشطتها بشكل صريح، أو تعتزم فيها القيام بإجراءات الطرد أو الإيقاف عن العمل لأسباب اقتصادية أو فنية للبعض من عمالها القارين أو كاملهم على معنى الفصل 21 وما بعده من مجلة الشغل، وفي هذه الحالات يتم إطلاق إجراءات أخرى لفض النزاعات المتولدة عن ذلك.

12 - والأصل أنه لا يمكن للمؤسسة، منطقياً وعدلاً، أن تستفيد من التعويضات وغيرها من الإجراءات الاستثنائية والظرفية التي وضعتها الدولة والمجموعة الوطنية لمرافقتها والإحاطة بأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل، مع الاحتفاظ بإمكانية استعادة حقها، بعد بضعة أيام - وفي أحسن الأحوال بضعة أسابيع - في إنهاء عقود الشغل اعتباراً لأسباب تتعلق بنفس هذه الأحداث المرتبطة بإجراءات الحجر الصحي الشامل المفروضة توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد 19" والتي كانت هي نفسها أساسا لانتفاعها بإجراءات التعويض والإحاطة بأجرائها المشار إليها أعلاه.

13 - وبالفعل، فقد تم بمقتضى مرسوم آخر صادر في اليوم نفسه اتخاذ تدابير تكميلية للوقاية من تسريح العمال ومن أزمة الأجور، وهو المرسوم عدد 4 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020 يتعلق بسن إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة المؤسسات والإحاطة بأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19".

  • ومن بين التدابير الخاصة بالوقاية من تسريح العمال، فقد حصر الفصل 5 ، فقرة 2، من المرسوم عدد 4 المذكور أعلاه حق الانتفاع بالإجراءات الاجتماعية الاستثنائية المقررة المصاحبة في "... المؤسسات التي تحافظ على كامل أجرائها القارين أو المرتبطين بعقود شغل محددة المدة ونافذة في تاريخ دخول هذا المرسوم حيز النفاذ وذلك في حدود المدة المتبقية من العقد ما لم يكن هناك تجديد صريح أو ضمني للعقد".
  • وبمقتضى الفصلين 12 و13 من نفس المرسوم عدد 4 المشار إليه أعلاه، فقد تم إقرار تدابير أكثر صرامة وحرصا على تفادي تسريح العمال، تتمثّل خاصة في إقرار "استرجاع المنح الاستثنائية والظرفية المسندة لفائدة الأجراء من المؤسسة طبقا لأحكام مجلة المحاسبة العمومية والتشريع والتراتيب الجاري بها العمل وذلك في صورة عدم محافظتها على كامل أجراءها القارين أو المرتبطين بعقود شغل محددة المدة وفي حدود المدة المتبقية من العقد وذلك طيلة مدة انتفاعها بهذه الإجراءات..." (الفصل 12)، من ناحية، و من ناحية أخرى، إقرار أنه "يتم استرجاع ضعف مبالغ المنح التي تم التوصل بها دون وجه قانوني من المؤسسة التي تولت الإدلاء بمعطيات مغلوطة قصد انتفاع أجراءها بالمنح الاستثنائية والظرفية وذلك طبقا لأحكام الفصل 12 من هذا المرسوم" (المادة 13).

14 - وبعيداً عن منع حالات الفصل عن العمل لأسباب تتعلق بإجراءات الحجر الصحي الشامل المفروضة توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد 19" ، فإن الضمانات التي ينص عليها المرسوم عدد 4 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 والمشار إليه أعلاه، لا تزال في أصلها محدودة الأثر طالما أنها تقتصر في معظمها صراحة على مدة الاستفادة من الإجراءات الاجتماعية الظرفية لمرافقة المؤسسات والإحاطة بأجرائها المتضررين، فضلا عن كونها، ضمانات محاطة بقيود غير مبررة 

ب2 - القيود غير المبررة المفروضة على المؤسسات وأجرائها للانتفاع بالإجراءات الاجتماعية الاستثنائية والظرفية 

15 - ينص الفصل 4 من المرسوم عدد 4 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020، المشار إليه أعلاه، على أنه: " يتعين على المؤسسات المتضررة على معنى هذا المرسوم وقبل طلب الانتفاع بالإجراءات الاجتماعية الاستثنائية والظرفية الواردة بهذا المرسوم، تقديم ما يفيد لقسم تفقدية الشغل والمصالحة المختص ترابيا أو للإدارة العامة لتفقدية الشغل حسب الحال اتخاذ أحد التدابير التالية:

  • تمكين كل الأجراء أو جزء منهم برصيد الراحة السنوية الخالصة،
  •  تمكين كل الأجراء أو جزء منهم بالراحة السنوية الخالصة بصفة مسبقة،
  • تكفل المؤجر بكامل الأجر أو بجزء منه عن فترة توقف نشاط المؤسسة المؤقت".

16 - وتجد هذه الأحكام أساسها في الحرص على حفز المؤسسات على أن تعالج بنفسها المساوئ الناجمة عن تعليق أنشطتها باللجوء إلى مجموعة من التدابير المشار إليها بالفصل 4 أعلاه، مما يسمح لها بتكييف شروط العمل مع الصعوبات الناجمة عن قرار الحجر الصحي الشامل الصادر عن السلطات العمومية، خاصة وأن معظم هذه التدابير المتصلة بشروط أداء العمل قد تم – كما سيتم عرضه لاحقا- تيسير العمل بها لجعلها أكثر تلاؤما مع الوضعيات الجديدة الناشئة عن قرارات الحجر الصحي الشامل.

17 - والرأي عندنا مع ذلك هو أن القيود المفروضة على هذا النحو يمكن أن تكون مبالغا فيها، وعلى أي حال، من الصعب تنفيذها ومراقبتها إلى درجة أنها يمكن أن تمثّل عقبة لا داعي لها وتتعارض مع أهداف السرعة التي يسعى إليها نظام المرافقة الاجتماعية الذي وضعه رئيس الحكومة لتقديم يد العون للمؤسسات والحفاظ فيها على الأجور ومواطن الشغل.

ب3 - أوجه القصور في التدابير الاجتماعية المصاحبة ومبالغ الأجور البديلة

18 - إن الغرض الرئيسي من المرسوم عدد 4 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020، المشار إليه أعلاه، هو كما جاء في عنوانه وفي الفصل الأول منه " سن إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة المؤسسات والإحاطة بأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد 19". وبمقتضى الفصلين 5 و9 من هذا المرسوم، تسند المنح الاستثنائية والظرفية بعنوان فترات التوقف المؤقت عن النشاط بمفعول تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل يُحدّد مبلغها الشهري "...بمائتي دينارا (200 د)، على أن لا يتجاوز مبلغ المنحة المسندة و جزء الأجر المتحصل عليه من المؤجر خلال فترة التوقف عن العمل مبلغ الأجر المصرح به للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان الثلاثية الرابعة لسنة 2019 أو الثلاثية الأولى لسنة 2020".

  • ويحدد نفس الفصل 9 من المرسوم عدد 4 المذكور أعلاه مجالا واسعا من حيث الأجراء المنتفعين المنح الاستثنائية والظرفية يشمل كلا من الأجراء القارين أو "الأجراء المرتبطين بعقود شغل محددة المدة ونافذة في تاريخ دخول هذا المرسوم". 
  • كما يمكن وبمقتضى الفصل 7 من المرسوم عدد 4 المذكور أعلاه لأجراء المؤسسة غير المنخرطة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغير المسجلة لدى مصالح الجباية الانتفاع بالمنح الاستثنائية والظرفية "...شرط انخراطها في أجل أقصاه شهر من دخول هذا المرسوم حيز النفاذ." ويضيف نفس الفصل 7 أنه "يسري مفعول الانخراط وتسجيل الأجراء من تاريخ إتمام هذا الإجراء تجاه أنظمة الضمان الاجتماعي". 
  • وترد أحكام مفيدة أخرى بموجب الفصل 8 من المرسوم عدد 4 نفسه، حيث يواصل الأجراء الذين تم إيقافهم عن العمل بصفة مؤقتة، جزئيا أو كليا والمنتفعين بالمنح الاستثنائية والظرفية، "...التمتع بمنافع العلاج المسداة بالهياكل العمومية للصحة طيلة فترة التوقف عن العمل". كما يواصلون "...التمتع بالمنح العائلية والزيادة عن الأجر الوحيد طيلة فترة التوقف المؤقت عن العمل طبقا للشروط والإجراءات المحددة بالتشريع والتراتيب الجاري بها العمل".
  • وأخيرا، أدخل الفصل 14 من نفس المرسوم عدد 4 حكما إضافيا لا يقل فائدة وذلك بتمكين المؤسسات المتضررة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بسبب تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل من "طلب الانتفاع بتأجيل دفع المساهمات المحمولة على الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي بعنوان الثلاثية الثانية لسنة 2020 لمدة ثلاثة أشهر ودون توظيف خطايا تأخير بعنوان هذا التأجيل". ويضيف نفس الفصل 14 أنه: "في صورة توقف المؤسسة المنتفعة بتأجيل دفع المساهمات عن النشاط نهائيا وقبل خلاص قسط الاشتراكات المؤجلة المشار إليه بالفقرة الأولى من هذا الفصل أو في صورة عدم محافظتها على كامل أجراءها تكون هذه الاشتراكات مستحقة الأداء في الحال".

19 - وبخصوص العمّال المستقلين، فقد تم سحب نفس المنح الاستثنائية والظرفية بعنوان فترات التوقف المؤقت عن النشاط حدّد مبلغها الشهري بمائتي دينارا (200 د)، ذلك بمقتضى مرسوم آخر صادر في نفس اليوم، وهو المرسوم عدد 3 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أفريل 2020 يتعلق بضبط إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة بعض الأصناف من العاملين لحسابهم الخاص المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19" (الفصلان 2 و3 من المرسوم).

20 - غير أن هذه التدابير الاجتماعية المصاحبة، على الرغم من تنوعها ونطاقها الواسع إلى حد ما، يمكن أن تثبت أنها غير كافية إلى حد كبير، ولا سيما من حيث مبلغ المنح الاستثنائية والظرفية المحددة بمائتي دينار (200 د) فقط.

21 - وتكمن الصعوبة الناشئة – من دون شك - في عدم وجود نظام تعويض البطالة التقنية في تونس الذي يظل، إلى حد كبير، مرهونا بإنشاء نظام تأمين يسمح بالتعامل مع حدوث وقائع تضع العمال في حالة بطالة جزئية أو كلية كما هو معمول به في بعض النظم المقارنة، على غرار القانون الفرنسي ونظام الانتفاع بالبطالة والتعويض عن فقدان الأجر الذي يصل إلى حدود 70 في المائة من إجمالي الدخل (حوالي 84 في المائة من صافي الأجور). 

22 - وفي الواقع، فقد ظل مفهوم البطالة الفنية غير معروف في قانون الشغل التونسي، ما عدا تجربة ظرفية انتهى العمل بها، وقد حددها القانون عدد 79 لسنة 2008 المؤرخ في 30 ديسمبر 2008 المتعلق بإجراءات ظرفية لمساندة المؤسسات الاقتصادية لمواصلة نشاطها، مثلما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى عدد 35 لسنة 2009 المؤرخ في 30 جوان 2009. وقد تمثلت هذه الإجراءات الظرفية أساسا في تكفل الدولة بمساهمة الأعراف في النظام القانوني الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان الأجور المدفوعة للعمال الذين تتم إحالتهم على البطالة الفنية لأسباب ناتجة عن تقلص نشاطها المرتبط بالأسواق الخارجية، وتستفيد منها فقط فئة محدودة من المؤسسات، على غرار المؤسسات المصدرة كليا كما تم تعريفها بالفصل 10 من مجلة تشجيع الاستثمارات، والمؤسسات المنتصبة بفضاءات الأنشطة الاقتصادية، والناشطة في القطاعات المنصوص عليها بمجلة تشجيع الاستثمارات.

23 - ولعل هذا هو الخيار الذي ينبغي أن يلهم الحلول التي ينبغي اعتمادها في القانون التونسي كجزء من قانون العمل الجديد الذي يتعيّن تحديده للمستقبل(7)، والذي من ضمنه النظر في إنشاء نظام للتأمين ضد البطالة، وهو الخيار الذي كان، على أي حال، متوخى في العقد الاجتماعي الجديد، الموقع بين الحكومة الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في 14 جانفي 2013، ولذلك ينبغي إنعاشه وإدماجه بنشاط في النظام التونسي للحماية من الطرد.

ب3 - التعقيدات الإدارية الناجمة عن نظام الرقابة ولإحاطة بتدابير الدعم الاجتماعي، بما في ذلك الدور المنوط بتفقدية الشغل

24 - تتفاقم القيود غير المبررة المفروضة على المؤسسات وأجرائها للانتفاع بالتدابير والإجراءات الاجتماعية الاستثنائية والظرفية، غير الكافية أصلا، نتيجة التعقيدات الإدارية الناجمة عن نظام الرقابة والدور غير المبرر الذي يُسند إلى تفقدية الشغل في تنفيذ خطة الإحاطة بالمؤسسات وأجرائها، مثلما تم تحديد ذلك في المرسوم عدد 4 لسنة 2020 المشار ليه أعلاه.

25 - ومن المرجح أن يؤدي هذا الدور الذي يُسند إلى تفقدية الشغل إلى زيادة الخلط الذي كثيراً ما يطبع في تونس الصلاحيات الواسعة إلى حد ما الممنوحة إلى تفقدية الشغل والتي تتجاوز دورها الرئيسي المتمثل في ضمان احترام تطبيق الأحكام القانونية والاتفاقية المتعلقة بظروف العمل وحماية العمال، مع أدّى إلى توسيع مجال تدخّلها ليشمل مجالات تطرح عدة تساؤلات اليوم، مثل تدخّلها في مجال تسوية نزاعات الشغل الجماعية، وتدخلها أيضا في مجال مراقبة الطرد عن العمل لأسباب اقتصادية وفنية(8).

26 - وإن إضافة مهام جديدة لتفقدية الشغل لرصد ومراقبة تطبيق نظام الإحاطة الاجتماعية بالمؤسسات وأجرائها المتضررين من إجراءات الحجر الصحي الشامل من شأنه تعقيد الإجراءات بإضافة أعباء إدارية لا تسمح بالمعالجة الفعالة والسريعة للوضعيات المطروحة فعلاً، ما يمثّل انحرافا عن نظام المرافقة الاجتماعية والأهداف والأغراض الوظيفية التي وضع من أجلها.

ج - التوصيات

27 - يتجه أن تتخذ الحكومة التدابير التالية:

توصية عدد 1: مراجعة مقتضيات الفصل 5 من المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 والمتعلق بسن أحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل، بغاية منع اللجوء إلى مقتضيات أحكام الفقرة الفرعية (ج) من الفقرة الثالثة من الفصل 14 من مجلة الشغل المتعلق بإنهاء عقود عند تعذر الإنجاز الناتج عن أمر طارئ أو قوة قاهرة منعا باتا، إلا في الحالات التي تكون المؤسسة نفسها مضطرة فيها إلى وقف أنشطتها بشكل صريح، أو تعتزم فيها القيام بإجراءات الطرد أو الإيقاف عن العمل لأسباب اقتصادية أو فنية للبعض من عمالها القارين أو كاملهم على معنى الفصل 21 وما بعده من مجلة الشغل، وفي هذه الحالات يتم إطلاق إجراءات أخرى لفض النزاعات المتولدة عن ذلك.

توصية عدد 2: إعادة النظر، بغية إزالتها، في القيود الناجمة عن أحكام الفصل 4 من المرسوم عدد 4 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020، المفروضة على المؤسسات وأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل، والتي تمثل عائقا حقيقيا لا مبرّر له وتتعارض مع أهداف السرعة التي يسعى إليها نظام المرافقة الاجتماعية الذي وضعته الدولة حفاظا على المؤسسات وعلى الأجور ومواطن الشغل.

توصية عدد 3: مراجعة مقتضيات الفصل 9 من المرسوم عدد 4 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 والمتعلق بسن إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة المؤسسات والإحاطة بأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرة عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"، وذلك بغاية مراجعة مبلغ المنح الاستثنائية والظرفية المسندة للأجراء لفترات الانقطاع المؤقت للنشاط، والنظر في الرفع فيها إلى مبلغ شهري محدد على الأقل بنسبة 50% من مبلغ الأجر الإجمالي.

توصية عدد 4: النظر في إنشاء "صندوق خاص لتعويض البطالة التقنية" ممول من اعتمادات من ميزانية الدولة ومفتوح للمساهمات الاستثنائية والإلزامية من جميع المؤسسات، بما في ذلك وبعنوان التضامن الوطني من المؤسسات المسموح لها بمواصلة أنشطتها خلال فترة الحجر الصحي الشامل.

توصية عدد 5: إعادة النظر في الهيئة الإدارية المسؤولة عن مراقبة تنفيذ نظام الاجراءات الاجتماعية المحددة بمقتضى المرسوم المعمول به بموجب المرسوم عدد 4 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020، المذكور أعلاه، وإسناد هذه المهمة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بما يتماشى مع أحكام الفصل12 من المرسوم نفسه الذي يقضي باسترجاع المنح الاستثنائية والظرفية المسندة من طرف نفس الصندوق،  وذلك في صورة عدم محافظة المؤسسة على كامل أجراءها القارين أو المرتبطين بعقود شغل محددة المدة وفي حدود المدة المتبقية من العقد وذلك طيلة مدة انتفاعها بهذه الإجراءات.

II - الإمكانيات الحقيقية المتاحة للمؤسسات، وخاصة بفضل العمل عن بعد، لتكييف شروط أداء العمل مع الوضعيات الجديدة الناتجة عن قرار الحجر الصحي الشامل

28 - من أهم الإضافات المترتبة عن المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 المتعلق بسن أحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل، حرصه على تكييف شروط أداء العمل مع الحاجيات الجديدة التي تولدها تدابير الحجر الصحي الشامل التي أصدرتها السلطات العمومية.

29 - وتمكّن بعض التدابير والتقنيات المنصوص عليها في المرسوم عدد 2 لسنة 2020 أعلاه المؤسسات من تدارك ساعات العمل الضائعة (أ)؛

وتمكّن بعض التدابير والتقنيات الأخرى المنصوص عليها في نفس المرسوم عدد 2 لسنة 2020 أعلاه المؤسسات من مراجعة طرق بإسناد الراحة السنوية الخالصة (ب).

وفي المقابل، كان من المفروض أن يذهب المرسوم عدد 2 لسنة 2020 إلى أبعد من ذلك وأن يتم توفير أساس قانوني لنمط العمل عن بعد، وهو أمر غير منظم في قانون الشغلل والحال أنه أثبت أنه أكثر الوسائل فعالية للعديد من المؤسسات والعمال لمكافحة انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19"(ج).

أ - التدابير والتقنيات الخاصة بتدارك ساعات العمل الضائعة

30 - ينص الفصل 3 من المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 المشار إليه أعلاه على أنه: "يتم تعليق العمل بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 92 من مجلة الشغل وتعوض بما يلي:" الساعات الضائعة بسبب انقطاع مشترك عن العمل بمؤسسة أو بقسم منها يمكن تداركها خلال الستة أشهر الموالية لانقطاع العمل"..

31 - وتمكن مقتضيات هذا الحكم من تكييف شروط تدارك الساعات الضائعة مع وضع الحال من خلال تجاوز حد الشهرين المنصوص عليه في الفصل 92 من مجلة الشغل ومن اعتماد حد يتناسب مع مدى الصعوبات التي يسببها الحجر الصحي العام بالنسبة للعديد من المؤسسات والتي يكون من الصعب بالنسبة إليها فرض التدارك "في غضون الشهرين المواليين لانقطاع العمل".

32 - وبما أن العمل توقف بسبب حدث غير متوقع، فلعلّه كان من المناسب في ذات الوقت تعليق تطبيق أحكام الفقرة الثانية من نفس الفصل 92 من مجلة الشغل، وبالتالي إعفاء المؤسسات، في ظروف استثنائية، من الامتثال للإجراءات الشكلية المطلوبة، وهي الإعلام المسبق لتفقدية بالانقطاع المشترك عن العمل وبكيفية التدارك، والاقتصار على الإعلام فورا وقت التدارك. والواقع أنه يمكن تجاوز هذه الصعوبة وذلك تطبيقا لصريح الفصل 92 المذكور أعلاه والذي ينص على أنه: " إذا وقع الانقطاع عن العمل بسبب حادث طارئ فان الإعلام يقع حالا". 

ب - التدابير والتقنيات الخاصة بمراجعة شروط إسناد الإجازة السنوية الخالصة

ب1 - تحليل الوضع

33 - ينص الفصل 4 من المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل 2020 المشار إليه أعلاه على أنه: " يتم تعليق العمل بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 117 من مجلة الشغل وتعوض بما يلي:

"للمؤجر إسناد إجازة سنوية لكل العملة أو لبعض منهم بعنوان السنة المنقضية أو السنة الجارية "..

34 - وتمكن مقتضيات هذا الحكم من وضع استثناء، ظرفي، لمقتضيات الفصل 117 من مجلة الشغل الذي يلزم حاليا بإسناد الإجازة السنوية في الفترة ما بين غرّة جوان و31 أكتوبر من كل سنة. ويمكن، في المقابل إسنادها في فترة أخرى من السنة، إذا استوجبت ضرورة العمل ذلك ولكن "بمقتضى اتفاقات جماعية أو فردية أو من طرف المؤجر وبعد أخذ رأي اللجنة الاستشارية للمؤسّسة".

35 - والرأي عندنا مع ذلك أن هذه الفرص المتاحة لصاحب العمل مبالغ فيها وتتجاوز الفرص المتاحة في القانون المقارن. فعلى سبيل المثال تم في فرنسا وبمقتضى المرسوم عدد 2020-323 المؤرخ 25 مارس 2020 السماح لصاحب العمل بفرض إجازة مدفوعة الأجر أو تغيير تواريخ الإجازة المدفوعة الأجر التي تم التحقق منها بالفعل دون الحاجة إلى الامتثال لأحكام قانون العمل أو الاتفاقات الجماعية ولكن بإحاطة ذلك بشرطين: فمن ناحية، تصاغ هذه الإمكانية وتخضع لتطبيق اتفاق جماعي (اتفاق مؤسسة، أو اتفاق قطاعي). ومن ناحية أخرى، والأهم من ذلك، فإن الأمر يقصر هذه الإمكانية على "6 أيام عمل، أو أسبوع واحد من الإجازة المدفوعة الأجر"(9).

ب2 - التوصيات

36 - يتجه أن تتخذ الحكومة التدابير التالية:

توصية عدد 6: مراجعة مقتضيات الفصل 4 من المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل المتعلق بسن أحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل، وذلك بغاية الحد من الإمكانية المخوّلة للمؤجر لإسناد إجازة سنوية لكل العملة أو لبعض منهم بعنوان السنة المنقضية أو السنة الجارية وجعلها لفترة يتم تحديدها بالتشاور مع المنظمات الممثلة للعمال والمؤجرين، علما، على سبيل المثال والاستئناس فقط، أنه تم اعتماد حد أسبوع واحد فقط في فرنسا، تبعا للتدابير التشريعية الاستثنائية المعتمدة بمقتضى المرسوم عدد 2020-323 المؤرخ 25 مارس 2020.

ج - غياب التدابير الخاصة بتوفير أساس قانوني لنمط العمل عن بعد

ج1 - تحليل الوضع

37 - لقد تبيّن مرة أخرى أن قانون الشغل التونسي غير كاف من حيث التدابير والتقنيات المتاحة للمؤسسات لتكييف أداء العمل مع المعطيات الجديدة الناشئة عن تدابير الحجر الصحي العامة التي أصدرتها السلطات العمومية.

38 - وما من شك إن الطريقة الأكثر فعالية لمكافحة انتشار فيروس كورون "كوفيد-19" هي الحد من الاتصال الجسدي في هذا الصدد، مما يحتّم على الجميع، المؤجرون والعمّال، المساهمة الفعالة في مكافحة انتشار الفيروس، وذلك باستخدام العمل عن بعد كلما أمكن ذلك. ومع ذلك، فإن المراسيم التي أصدرها رئيس الحكومة في 14 أفريل 2020، لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19"، بما في ذلك المرسوم عدد 2 لسنة 2020 المؤرخ في 14 أفريل المتعلق بسن أحكام استثنائية وظرفية بخصوص تعليق العمل ببعض أحكام مجلة الشغل، لم تغتنم هذه الفرصة لتوفير أساس قانوني لهذا الشكل من العمل، وهو العمل عن بعد.

39 - وفي سياق الحجر الصحي العام والتعليق شبه الكامل للأنشطة الاقتصادية والتجارية وأنشطة الخدمات المختلفة، فإن نظام العمل عن بعد هو الحل الرئيسي لضمان استمرارية نشاط المؤسسات بأنواعها. فهو يساعد على الحفاظ على نشاط العمال مع ضمان سلامتهم. كما أن العمل عن بعد هي الطريقة المفضلة للحفاظ على الاتصال بين المؤسسات ومختلف المتعاملين معها من الحرفاء والعاملين معها من الباطن.

العمل عن بعد: غياب اي تأطير قانوني قبل وأثناء قيام الحجر الصحي العام

40 - ويتحدى هذا الشكل من العمل نموذج العمل التابع الذي تدور حوله معظم القواعد المحددة في مجلة الشغل والاتفاقيات المشتركة، من حيث أنه يسلط الضوء على واقع عالم العمل المعاصر المتأثر إلى حد كبير بثورة الكمبيوتر، ".... الذي يأخذ عالم العمل من عصر القوى العاملة إلى عصر "دماغ العمل"(1)، أي العامل "المتصل" عبر الإنترنت: لم يعد أحد ينتظر منه أن يطيع الأوامر الميكانيكية، ولكننا نطالبه بتحقيق الأهداف المعينة من خلال التفاعل في الوقت الحقيقي مع الإشارات التي تأتي إليه"(11).

41 - ففي قانون الشغل الفرنسي، على سبيل المثال، ومنذ صدور المرسوم رقم 2017-1387 المؤرخ في 22 سبتمبر 2017، يمكن وضع نظام العمل عن بعد باتفاق الطرفين على أن يكون هذا النظام دوريا أو عرضيا أو منتظما. وفي حين لا يستطيع صاحب العمل فرض العمل عن بعد على العامل، فقد نص القانون على استثناء في المادة L. 1222-11 من مجلة الشغل الفرنسية في حالات الظروف الاستثنائية، بما في ذلك خطر انتشار وباء أو قوة قاهرة.

42 - ومن هنا تبرز الصعوبة في القانون التونسي بعدم النص على مثل هذا الاحتمال، بحيث يحق للعامل مبدئيا رفض أو قبول طلب المؤجر بالعمل عن بعد، دون التعرض لخطر الإخلال بعقد عمله، حتى في الظروف غير المسبوقة المتعلقة بالوقاية من انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19" وبمجابهة تدابير الحجر الصحي العام التي أصدرتها السلطات العمومية.

ج2 - التوصيات

43 - يتجه أن تتخذ الحكومة التدابير التالية:

توصية عدد 7: إعطاء المؤجر الفرصة لتكييف ظروف أداء العمل مع الصعوبات الناجمة عن تنفيذ تدابير الحجر الصحي العام للوقاية من انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19" وتنظيم العمل، بموافقة العامل، أو عند التعذّر مباشرة، وفقا لصيغة العمل عن بعد.

توصية عدد 8: تقديم الضمانات التي بموجبها يتمتع العامل عن بعد بنفس الحقوق التي يتمتع بها العامل الذي يؤدي عمله داخل المؤسسة.

توصية عدد 9: إلزام المؤجر بتحمّل تكاليف العمل عن بعد (المواد والبرامج والاشتراكات والاتصالات والأدوات، فضلاً عن تكاليف صيانتها). 

توصية عدد 10: إلزام المؤجر باتخاذ التدابير اللازمة لضمان سلامة العاملين عن بعد وحماية صحتهم البدنية والعقلية، بما في ذلك التدابير الوقائية لعمل العاملين عن بعد على الشاشة وتزويدهم بمعدات الحاسوب المناسبة (المعدات المكتبية، والبرمجيات المناسبة، وما إلى ذلك).

توصية عدد 11: الإقرار صراحة بأن الحادث الذي يقع على موقع ووقت العمل عن بعد يفترض أن يكون من ضمن حوادث الشغل.

III - ضمان الوقاية والحماية من العدوى بفيروس كورونا "كوفيد-19" بموجب التشريعات المهنية

أ - الإصابة بوباء كورونا "كوفيد 19" حادث شغل؟ مرض مهني؟

أ1 - تحليل الوضع

44 - لم تتضمن المراسيم الصادرة عن رئيس الحكومة يوم 14 أفريل 2020 القضايا المتعلقة بتحديد نظام الإصابة بفيروس كورونا "كوفيد-19" في قانون الشغل والضمان الاجتماعي وبالتحديد معرفة هل يجوز اعتباره حادث شغل ومرض مهني بموجب التشريعات المهنية.

45 - هل يمكن للعامل في صورة الإصابة بالوباء المذكور الحصول على علاج لإصابته وعلى التعويضات بموجب التشريعات المهنية؟

بموجب الفصل 3 من القانون عدد 28 لسنة 1994 المؤرخ في 28 فيفري 1994 المتعلق بالتعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاع الخاص المنقح في 27 نوفمبر 1995 بالقانون عدد 103 لسنة 1995، "يعتبر حادث شغل الحادث الحاصل بموجب الشغل أو بمناسبته لكل عامل عندما يكون في خدمـــة صاحب عمل أو أكثر وذلك مهما كان سببه ومكان وقوعه". ويعتبر حادث الشغل أيضا الحادث الحاصل للعامل أثناء تنقله بين مكان شغله ومحل إقامته، بشرط ألا يتم قطع الرحلة أو تحويلها بسبب إملاء من قبله مصلحة شخصية أو لا علاقة لها بنشاطه المهني. 

ويعتبر مرضا مهنيا كل ظاهرة اعتلال وكل تعفن جرثومي أو إصابة يكون مصدرها بالقرينة ناشئا عن النشاط المهني للمتضرر. تضبط قائمة الأمراض المعتبرة ذات مصدر مهني وكذلك أهم الأعمال التي قد تكون سببا فيها بقرار مشترك بين وزيري الصحة العمومية والشؤون الاجتماعية. وتقع مراجعة هذه القائمة بصفة دورية وعلى الأقل مرة كل ثلاث سنوات.

46 - بشكل ملموس، يمكن أن تقع مخاطر الإصابة بفيروس كورونا "كوفيد-19" بشكل متكرّر في مواقع العمل، حيث ينتقل الفيروس بين البشر من خلال اللعاب والقطرات (السعال والعطس)، ومن خلال الاتصال الوثيق مع المرضى (المصافحة) ومن خلال الاتصال بالأسطح الملوثة. وهكذا، يتم استيفاء الشروط الثلاثة لقيام حادث الشغل، وهي إصابة جسدية، وحقيقة مرتبطة بالعمل وحدث مفاجئ.

47 - في المقابل، يصعب ضمان وصف الإصابة بوباء الكورونة "كوفيد-19" بأنه مرض مهني، إذ يشترط ذلك تقديم دليل على حدوث العدوى نتيجة النشاط المهني للمتضرر وأثناء العمل. وبالإضافة إلى ذلك، وعلى افتراض أن العامل يرغب في الإعلان عن مرض مهني، يجب إدخال هذه الإصابة صراحة في قائمة الأمراض المعتبرة ذات مصدر مهني با بموجب قرار مشترك لوزراء الصحة العامة والشؤون الاجتماعية.

أ2 - التوصيات

48 - يتجه أن تتخذ الحكومة التدابير التالية:

التوصية عدد 12: تسجيل الإصابة بوباء الكورونة "كوفيد-19"، على أساس استثنائي، في قائمة الأمراض التي يفترض أنها ذات أصل مهني.

ب - دور المؤجر ومصالح طب الشغل في الوقاية والحماية من وباء الكورونة "كوفيد-19"

ب1 - تحليل الوضع

49 - يمثل مكان العمل أكثر الفضاءات معرضا للخطر بشكل العدوى بوباء الكورونة "كوفيد-19"، حيث تشكل الكثافة العالية للعمال في نفس الموقع وتعدد التبادلات والاتصالات بينهم وبين المواطنين عوامل تفضي إلى انتشار العدوى. 

50 - ووفقا للفصل 152-2 من مجلة الشغل (أضيف بالقانون عدد 62 لسنة 1996 المؤرخ في 15 جويلية 1996)، "على كلّ مؤجّر أن يتّخذ التدابير اللاّزمة والمناسبة لحماية العمّال ووقايتهم من المخاطر المهنية وعليه بالخصوص القيام بما يلي:

  • السهر على صحّة العمّال في أماكن العمل،
  • توفير ظروف وبيئة عمل ملائمة،
  • حماية العمّال من مخاطر الآلات والمعدّات والمواد المستعملة،
  • توفير وسائل الوقاية الجماعية والفردية المناسبة وتدريب العمّال على استخدامها،
  • إعلام وتوعية العملة بمخاطر المهنة التي يمارسونها".

ويتعيّن على العامل من ناحيته، "...الامتثال للمقتضيات المتعلقة بالصحّة والسّلامة المهنية وعدم ارتكاب أيّ فعل أو تقصير من شأنه عرقلة تطبيق هذه المقتضيات. وهو مطالب بالخصوص بما يلي:

  • تنفيذ التعليمات المتعلقة بحماية صحّته وسلامته وصحّة وسلامة العاملين معه بالمؤسّسة،
  • استعمال وسائل الوقاية الموضوعة على ذمّته والمحافظة عليها،
  • المشاركة في الدورات التكوينية والأنشطة الإعلامية والتحسيسية المتعلقة بالصحّة والسلامة المهنية التي تنظمها أو تنخرط فيها المؤسّسة،
  • إبلاغ رئيسه المباشر فورا بكلّ خلل يلاحظه يمكن أن يتسبّب في خطر على الصحّة والسّلامة المهنية،
  • الخضوع للفحوص الطبيّة التي يطلب منه إجراؤها" (الفصل 153 من مجلة الشغل).

51 - كما تلعب مصالح طبّ الشغل التي يتعيّن إحداثها وتجهيزها خاصة المؤسّسات التي تشغّل 500 عامل على الأقل (فيما تنخرط المؤسّسات التي تشغّل أقلّ من هذا العدد بمجمع لطبّ الشغل أو تحدث مصلحة لطبّ الشغل خاصّة بها) دورا أساسيا في مجال الصحّة المهنيّة وهي مكلّفة بالخصوص "...بفحص ومتابعة صحّة العملة واستعدادهم البدني للقيام بالأعمال المطلوبة منهم سواء عند الانتداب أو أثناء الاستخدام وكذلك بحمايتهم من الأخطار التي يمكن أن تستهدف لها صحّتهم بسبب مهنتهم...". (الفصل 153 من مجلة الشغل).

52 - وقد أصدر معهد الصحة والسلامة المهنية دليل تخطيط خطة للوقاية من وباء الكورونا "كوفيد-19"(12) تضمنت، فضلا عن تدابير الصحة العامة، تدابير محددة في جميع الأعمال وأماكن العمل خلال حالات الوباء، وذلك بهدف تعزيز رصد وفحص ومتابعة الحالات وجهات الاتصال، وتحسين تدابير الوقاية والسيطرة على العدوى وتحدديد التدابير العلاجية والتشخيصية للحالات، لمنع انتشار هذه العدوى إلى المجتمع. 

وتقوم الخطة، من جملة أمور، على توصيل المعلومات الهامة حول المخاطر والأحداث باعتماد نهج تشاركي ومعرفة أماكن العمل وتقييم جيد للمخاطر، وتحديد الاحتياجات والحصول على المعدات في الوقت المناسب.

ب2 - التوصيات

53 - يتعين معاضدة جهود مصالح طب الشغل في تأمين الوقاية والحماية من وباء الكورونا "كوفيد-19" بالقيام خاصة بما يلي:

التوصية عدد 13: تعزيز طرق نشر المعلومات لدى العمال الذين لا تشملهم قرارات الحظر الصحّي العام والمضطرّين بمواصلة العمل حول خطة استعمال طرق الوقاية التي وضعها معهد الصحة والسلامة المهنية.

التوصية عدد 14: تقديم كل أوجه المساعدة لمصالح طب الشغل لمواصلة تنفيذ خطة الوقاية الموضوعة والمساهمة بشكل فعال في مراقبة الصحة، والعمل على مدّها باستمرار بمعلومات دقيقة ومحدثة حول المخاطر المستجدّة في أماكن العمل.

ج - هل يحق للعامل الانسحاب من العمل كإجراء وقائي؟

ج1 - تحليل الوضع

54 - لا ينص قانون الشغل التونسي على حق الانسحاب (Droit de retrait)  المعترف به، على سبيل المثال، بمقتضى الفصل L.4131-1 من مجلة الشغل في فرنسا، كما تمت إضافته بالقانون المؤرخ في 23 ديسمبر 1982، والذي يحق بموجبه لكل عامل تنبيه صاحب العمل "لحالة عمل لديه سبب معقول للاعتقاد بأنها تشكل خطراً جسيماً ووشيكاً على حياته أو صحته، وكذلك أي خلل في أنظمة الحماية المهنية".

55 - وإن الإمكانية الوحيدة المتاحة للعامل هي تلك المنصوص عليها في الفصل 152-3 من مجلة الشغل، كما أضافها القانون رقم 62 لسنة 1996 المؤرخ 15 جويلية 1996 (الباب الثالث حفظ صحة العامل وحفظه): والمتمثلة في "... إبلاغ رئيسه المباشر فورا بكلّ خلل يلاحظه يمكن أن يتسبّب في خطر على الصحّة والسّلامة المهنية... ". وفي المقابل، لا يستطيع العامل ممارسة أي حق في الانسحاب من تلقاء نفسه وعليه إخطار المؤجر بكل صعوبة أو خطر داهم وانتظار تعليماته.

ومع ذلك، إذا كان التهديد وشيكاً وفي حالة فشل التوافق بين الأطراف، فإن النتيجة النهائية يمكن أن إلى قرار القاضي وتقديره لحقيقة الخطر الداهم، وما إذا تم إخطاره رئيس المؤسسة من قبل العامل بحيث تتاح له الفرصة لاتخاذ تدابير الوقاية والحماية اللازمة.

ج2 - التوصيات

56 - يتجه أن تتخذ الحكومة التدابير التالية:

التوصية عدد 15: إقرار حق خاص وظرفي للعامل بعد تنبيه صاحب العمل في الانسحاب من مكان العمل إذا توفّر لديه سبب معقول للاعتقاد بوجود خطر جسيم ووشيك على حياته أو صحته، وكذلك أي خلل في أنظمة الحماية المهنية.

الخاتمة

57 - بصرف النظر عن المسائل الطارئة التي يثيرها فيروس كورونا "كوفيد-19"، لعله فرصة لتقدير مدى تشبّع التونسيين بقيم الوطنية الصادقة التي تلزم كل شخص بحماية نفسه وعائلته والوطن! ولئن نص الدستور التونسي لعام 2014 على أن "الحفاظ على وحدة الوطن والدفاع عن حرمته واجب مقدس على كل المواطنين" (الفصل 9) وعلى أنه "تضمن الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية"، فقد خلا في المقابل من أية واجبات صريحة تقع على المواطنين لمواجهة الأعباء الناجمة عن الآفات والجوائح التي تصيب البلاد، على غرار ما تضمنه مثلا الفصل 40 من الدستور المغربي الجديد لعام 2011 مثلا على ما يلي: "على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد".

58 - ومع ذلك، يبقى الأمل قائما على وعي المواطن وخصاله لمعاضدة جهود الدولة. كما يكون للقطاع الخاص واجبات أساسية، يجسّم من خلاله دوره الاجتماعي والمواطني! 

ويبقى بالأساس على رئيس الحكومة أن يعزّز التدابير المتضمنة في المراسيم الصادرة يوم 14 أفريل 2020 لغرض مجابهة تداعيات من انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19"، بما في ذلك من خلال تلافي بعض النقائص تأمينا لبيئة عمل ملائمة، تؤمن بالدرجة الأولى وقاية صحة العمال وسلامتهم المهنية وتحافظ قدر الإمكان على المؤسسات الاقتصادية بوصفها نواة الحياة الاقتصادية ككل ومواطن الشغل فيها، وغير ذلك من التدابير الواجب اتخاذها حفاظا على الموارد البشرية التي تمثّل الهدف من كل بناء حضاري ينشد البقاء والدوام!

(1) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 31، 12 أفريل 2020، ص 894.

(2) راجع الأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بتحديد الجولان والتجمعات خارج أوقات منع الجولان، الرائد الرسمي للبلاد التونسية عدد24، 22 مارس 2020.

(3)راجع مقالاتنا السابقة:

- « Ce que Elyes Fakhfakh a omis de dire ! », Leaders 14 mars 2020.

- « Covid-19, couvre-feu et contrats de travail », Leaders 18 mars 2020.

- « Faire bloc derrière le gouvernement pour la sauvegarde de l’économie, des entreprises et l’emploi », Leaders 23 mars 2020.

- دليل معاضدة جهود الدولة في مجابهة وباء الكورونا "كوفيد 19" وانعكاساته على عقود الشغل والعلاقات المهنية: تدابير الحماية والتوصيات ليدرز العربية، 25 مارس 2020.

(4)راجع الأمر الحكومي عدد 156 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بضبط الحاجيات الأساسية ومقتضيات ضمان استمرارية سير المرافق الحيوية في إطار إجراءات الحجر الصحي الشامل، الرائد الرسمي للبلاد التونسية عدد24، 22 مارس 2020.

(5)راجع نشرية محكمة التعقيب لسنة 1984، القسم المدني، ص 45.

(6)راجع نشرية محكمة التعقيب لسنة 2005، القسم المدني، 2 ص 379.

(7) Cf. Hatem Kotrane, Nouveau Droit du travail, édition SIMPACT, Tunis, 2018, paras. 329 et s.).

(8)Cf. sur ces points, Hatem Kotrane, Nouveau Droit du travail, édition SIMPACT, Tunis, 2018, paras. 154-155, et 334-337).

(9)Ordonnance n° 2020-323 du 25 mars 2020 portant mesures d'urgence en matière de congés payés, de durée du travail et de jours de repos, JORF n°0074 du 26 mars 2020.

(10)Michel Volle, « Anatomie de l’entreprise. Pathologies et diagnostic », dans Pierre Musso (sous la dir. de), L’Entreprise contre l’État, Manucius, Paris, 2017 ; Cité par Alain Supiot, article précité.

- Cité par Hatem Kotrane, Nouveau Droit du travail, édition SIMPACT, Tunis, 2018, paras. 32-33, p. 23).

(11)Alain Supiot, « Pour une réforme digne de ce nom- Et si l’on refondait le droit du travail … », Le Monde diplomatique, Octobre 2017, Pages 1, 22 et 23.

(12)Institut de santé et de sécurité au travail (ISST), « GUIDE DE PLANIFICATION DU PLAN DE CONTINUITÉ DE L’ENTREPRISE- Guide entreprise 2020 I'infection par COVID19).

 

د. حاتم قطران

أستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
حسين السعيدي - 22-04-2020 22:46

دراسة تصلح اعتمادها في مركر الدراسات الاستراتيجية،،، والدكتور حاتم قطران غني عن التعريف وتشرفت بالعمل معه بالمعهد العربي لحقوق الانسان خلال التسعينات،،، شكرا دكتور

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.