أخبار - 2020.04.14

أزمة كورونا بين حتميّة التأقلم وضرورة التغيير

أزمة كورونا بين حتميّة التأقلم وضرورة التغيير

لقد انعكس غلق المجال الجوي والبحري على التبادلات التجارية وأثر فيها سلبا مما أدى الى انكماش تسبب في زعزعة النظام الاقتصادي والاجتماعي لكل دول العالم دون استثناء.

فبالرغم من أن الأزمة صحية بامتياز، تتسارع فيها الدول لتوفير المستلزمات الطبية التي أصبحت اسعارها تسابق أسعار الذهب، وتتسابق فيها المختبرات وشركات الأدوية الى انتاج لقاح يقضي على الفيروس الذي ملأ الدنيا وشغل الناس. يبقى توفير الغذاء من أهم التحديات التي تواجه الدول في هذه الفترة الحرجة.

لا سيما أن الاسعار ارتفعت بشكل ملحوظ ويرجع ذلك إلى عدة أسباب من أهمها:

إغلاق الحدود بين الدول خوفًا من تفشى العدوى.
توخي سياسات التباعد الاجتماعي وفرص الحجر الصحي انعكس سلبا على الإنتاج الفلاحي، بسبب تقليص عدد العمال في الحضائر والحقول.
انخفاض مخزون الدول بسبب اللهفة العشوائية على المنتجات الغذائية.

كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى خلق أزمة جديدة ستتواصل مخلفاتها حتى بعد الخروج من الأزمة، وهي أزمة الغذاء التي لا تقل أهمية عن الأزمة الصحية.
فهل ستعيش كل دول العالم نفس النسق في نقص الغذاء، أم أن بعض الدول ستتغلب على هذه الأزمة بتغيير الاستراتيجيات و الأنماط الغذائية لشعوبها؟
إن تغيير سلوك الشعوب يتطلب إلزامًا، زمنًا حتى تتأقلم العقليات وتتفاعل ثم تستجيب الى مفاهيم جديدة، ونظام معيشي مختلف.

لكن للأزمات رغم وطأتها، مزاياها، فهي تساهم في كسر النسق الرتيب الذي تتطلبه المجموعات حتى تغير سلوكا ما، كما انها تفرض مقياسًا زمنيًا مغايرًا،تحكمه المصلحة العليا من أجل البقاء لتصبح قابلية التأقلم مرنة مقارنة مع فترات الترف والرفاهة الاقتصادية.

وتبعًا لذلك بات من الحتميّ اتخاذ إجراءات عاجلة وأخرى متوسطة وثالثة بعيدة المدى، لتجاوز الانعكاسات السلبية لهذه المرحلة الدقيقة.

إن ترشيد الاستهلاك يعد من اهم الخطوات التي يجب وضعها في الحال حيز التنفيذ.

حيث ان أدارة الأزمات تقتضي حنكة والتزامات تخرج عن المعتاد، وتشرع لأخذ معايير صارمة، كالحد من استهلاك مادة ما. من ذلك أن الكميات التي كانت تكفي لشهر يجب ان تكفي لشهرين وهكذا، وهو أمر ليس بالعسير اذا ما وجدت الشعوب نفسها امام واقع يحتم عليها القبول والرضا.

إن إرساء هذا الأسلوب سيجنب الدول استراد مواد ارتفعت اسعارها وأصبحت صعبة المنال وهو ما سيخفف الوطء على ميزانيات مرهقة من تبعات الأزمة الصحية.
لنأخذ على سبيل المثال القموح التي تعرف اسعارها ارتفاعا لا مثيل له وذلك لازدياد الطلب العالمي وشحة العرض، حيث ان كبرى الدول المصدرة، كروسيا و كازاخستان وضعت سياسات حمائية لمنع تصدير القمح والاحتفاظ به داخل حدودها. وحذت الفيتنام التي تعتبر ثالث مصدر للأرز، نفس السياسة. هذا الى جانب الخضر والغلال التي تعرف اسعارها ارتفاعا تصاعديا.

وسط كل هذه المحاذير العالمية يجب علينا ان نخفض استهلاكنا للقموح الى النصف! ونأكل ما تنتجه أرضنا وشمسنا!

وهذا ليس ضربًا من ضروب المستحيل اذا ما عزمنا على ذلك.

وهو الذي سيجعلنا لا نعيش أزمة غذاء على غرار ما تشهده أروبا أو ما سوف تشهده بأكثر حدة في الأيام القادمة.

إن الملاحظ للسوق الاروبية والفرنسية تحديدًا يرى ارتفاعا في أسعار الخضر والغلال، وقلة تنوّع في العرض، ويعزى ذلك أساسا الى ان فرنسا تستورد ثلاثة ارباع احتياجاتها من اسبانيا وإيطاليا، وقد تسبب غلق حدود هذين البلدين الى نقص في التزويد وبالتالي زيادة في الاسعار.

هذا الى جانب معاناة الفلاح الفرنسي والأروبي عامة، جراء سياسات تهميش القطاع الفلاحي. فهل ستلقى بلدان الشمال الأفريقي نفس المصير؟

تونس، مطمورة روما، تنتج تقريبًا كل الخضر والغلال التي يحتاجها شعبها ، فتنوع وثراء المنتوج الفلاحي يغنيها عن الاستيراد. وهي تحقق اكتفاءا ذاتيًا يجعلها تتجاوز الأزمة بسلام. وهذا ثابت وأكيد!

لقد حبى الله هذه البلاد بأرض خصبة و شمس يجعلانها لا تحتاج لاحد في توفير أساسيات الغذاء

ان كانت هذه بعض الإجراءات التي يجب اتخاذها بصفة فورية لتأمين الغذاء .فهناك إجراءات متوسطة وبعيدة المدى حان الوقت للتعجيل بوضعها حيز التنفيذ.

إن الأزمة الحالية ستضع الدول امام حتمية اعادة ترتيب أولوياتها و إعادة الاعتبار لقطاعات همشتها أو أخضعتها لسياسات اعتباطية أفرغتها من كنهها.

ويعتبر القطاع الفلاحي "رئة الاقتصاد"، والعمود الفقري الذي يجب الاهتمام به.من ذلك أن إعادة البذور الأصلية التي استبدلت ببذور هجينة، فرضت على بلداننا من قبل شركات البذور العالمية، والتي انصاع الى أوامرها أصحاب الضمائر المنعدمة، أولوية الأولويات و ضرورة الضرورات.

لقد حان الوقت لاسترجاع سيادتنا الغذائية والقطع مع اللوبيات التي فرضت علينا بذورا ومبيدات أهلكت الحرث والنسل!

ومارست علينا ارهابا غذائيا جعلنا نفقد هويتنا الغذائية و بصمة بذورنا التي كانت تكفينا وتغنينا عن الاستيراد.

هذه الشركات التي ما فتئت تمارس الإرهاب الغذائي على الدول حتى تضمن تبعيتها، حان وقت إجلائها.

لكن العودة إلى فلاحتنا يتطلب تخطيطًا يبدأ أولا بإعلاء شان الفلاح وتشجيعه على إنتاج خال من المبيدات. واسترجاع البذور الأصلية وتعميمها. وإنشاء بنوك للمحافظة عليها من التلف والضياع لانها تحمل جينات الشعب وخصائصه ومن ثمة تشجيع العلوم والتقنيات الفلاحية، وهو ما يقودنا إلى تخصيص ميزانيات أهم للبحث العلمي في بلداننا واعتبار العلم في كل المجالات مناص النجاة للارتقاء والخروج من عنق الزجاجة التي وضعنا نحن أنفسنا فيها!

حان الوقت، لإعادة هيكلة التعليم بإدخال برامج تحفز على التفكير وتقطع مع التلقين والاجترار.

وذلك بإعطاء ديناميكية جديدة للبرامج التعليمية مع ضخ جرعة من التربية الأخلاقية التي بدونها تنحدر الشعوب وتسقط في الهاوية.

ان المطلع على سيكولوجيا مجتمعاتنا، يلحظ اليوم،أنها مع الأسف الشديد، انزلقت وحادت عن الأخلاق التي كانت نبراسها، فانشغل الناس بسفاسف الامور وحادوا عن الجدّ والجادّة! إن العالم من حولنا أصبح يقوده عقل صارم وقلب أجوف حتى بات شق يستبيح القتل بل ويشرعه ويشرع له، وبات آخرون يستبيحون الشيء ونقيضه!

لقد أسقط فيروس كورونا الستار،فتعرّت التحالفات المزعومة. وظهرت أزمة الأخلاق گاحدى أهم الأزمات التي تمر بها هذه الحقبة من الزمن ، التي تتجلى فيها مقولة الشاعر أجمد شوقي "إنما الامم الأ خلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، بكل أبعادها.فهل تكون هذه الأزمة، بداية لاستفاقة طال انتظارها.

راضية بوزيان
جنيف

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.