أخبار - 2020.03.28

أمام جائحة كورونا: الطبيعة تستعمل حق الردّ

أمام جائحة كورونا: الطبيعة تستعمل حق الردّ

قمت صباحاً محمولاً بالهموم لما يعانيه عالمنا اليوم من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه من جراء فيروس متناهي الصغر لايمكن رؤيته بالعين المجردة.

فطوال مسيرة الإنسان التاريخية مرَّ بالعديد من الأزمات والكوارث وتغلب عليها، فصوَّرَ له كبرياؤه أنه يتحكم في زمام الأمور (كل شئ تحت السيطرة). طوال مسيرة الإنسان على الأرض إمتدت يداه بإعتداء جائر على الطبيعة وكل ما منحته له. فقطع الأشجار وقتل الحيوانات وتسبب في انقراض الآلاف من أنواعها، وأطلق الغازات والملوثات حتى تغير كل شئ في الطبيعة وأخل بتوازنها الطبيعي. كل هذا، وكأنه يصنع كل شئ لكتابة نهايته هو نفسه دون أن يدرك، بعد أن أفسد كل شئ حوله.

ودائما ما كانت الطبيعة تحتفظ بحق الرد، لكن هذا الكائن الذي يسعى على إثنين، منتصباً، لم يتعلم الدروس العديدة التي ردت بها الطبيعة، من فيضانات حينا وجفاف ومجاعات، وأعاصير وزلالزل ودرجات حرارة غير مسبوقة حينا أخر، وأمراض وأوبئة جراء أفعاله. لكنه ظل يعبث مخرباً هنا وهناك، أعطى لنفسه حق القتل لبني جنسه، فخلق العداوات وابتكر إيدلوجيات عديدة، فلفسية وروحية ودينية، اقتصادية وسياسية ومبررات للكراهية والتمييز والعنف حتى عمَّ الظلم والقتل والخراب في كل أنحاء العالم  قأردأه جحيماً لا يُحتمل.

إلاَّ أن الطبيعة قررت في هذه المرة، الردّ عليه بكل قسوة في الوقت الذي كان يحلِّقُ فيه في علياء غروره وبأبسط أدواتها كان الرد.. فأرسلت فيروس متناهي الصغر لايُرى بالعين المجردة.. هذا الفيروس سقط في براثنه نصف مليون بشر، توفي منهم أكثر من 20 ألف، وهو لا يزال في عنفوان اجتياحه للكرة الأرضية. وهو الفيروس يداهم الجميع بدون تفريق بين غني وفقير، لا يبجل صاحب منصب وجاه أو ذي الشأن البسيط، لايفرق بين وزير أو غفير، لا يفرق بين ساكني القصور ومعتلي سدة الحكم أو ساكني العشش، لم يفرق بين دولة عظمى ودولة فقيرة. فعلا إنه فيروس عادلُ عدلا مطلقا لايعترف بالتمييز الطبقي بين بني البشر.

هذا الفيروس المجهري أجلس حوالي ثلاث مليارات من البشر في بيوتهم، عطل العمل والإنتاج في كل مكان، في المصانع والشركات الكبرى والصغرى منها على السواء. بث الرعب في النفوس وفرض حظر التجوال في أرجاء المعمورة. ضرب أعظم الاقتصاديات في العالم وأصغرها في مقتل. أظهر ضعف ووهن الإنسان حيثما كان وحيثما أنجز. إنه أظهر خاصة كل الثغرات في كافة الأنظمة، والسياسات والإستراتيجيات، والتشريعات.. أرعب الإنسانية جمعاء.

هذا الفيروس سيغير خريطة العالم،سيسقط أمما وستقوم أمم أخرى، سيُنهي تحالفات ويخلق تحالفات جديدة، بعد هذا الفيروس لن تعد الكرة الأرضية على حالها كما كانت من قبل!!!

من زاوية أخرى هذا الفيروس أعطى الطبيعة هدنة لتتنفس الصعداء من عبث الإنسان وجوره و إهلاك الطبيعة وهباتها له، ظهرت الحيوانات في الشوارع، أصبح الهواء أكثر نقاءاً وخفة وهدوءاً بدون ضوضاء هذا الكائن وآلالاته، الماء أصبح أكثر صفاءاً، الطبيعة تتنفس!! نعم تتنفس بهدوء شديد وتستريح من هذا الكائن البشع والأناني والجشع والجائر. هذا الكائن الذي دمَّر كل شئ في طريقه، لم يراع أن في حياة هذه الأرض وما تحمله، حياته، وبفنائها فناؤه!!

لقد أرسلت الطبيعة إحدى أدواتها المتواضعة جدا لتقول لهذا الكائن كفى .. توقف.. أعد حساباتك في مبادئك ومعتقداتك وإيدولوجياتك المخادعة من بني جنسك، إنظر حولك تأمل عن كثب إنظر إلى ماصنعت يداك من خراب، أعطيتك الحياة وأعطيتني الموت، وهبتك الخير الوفير ووهبتني وبني جنسك الشح والبخل. أعطيتك النقاء وردت إليَ ثوباً ملطغ بالدماء ويكشف أكثر مما يستر، أعطيتك أرضاً خصبة، شجرً وزرعاً فجُرت عليها، هواءاً نقياً فلوثته، ماءاً صافياً فسممته، كائنات تشاركك التوازن فقتلتها.. توقف ياهذا توقف، أنت الآن تحصد مازرعته يداك، نعم هو مبدأ الزرع والحصاد، فهنيئاً لك!!

أرسي مبادئ العدل والرحمة والمواجدة، كفاك عنفا وكرها وبغض، كفاك قتلا وعداوة لبني جنسك،كفاك قتلا وعداوة  للأجناس الأخرى. كفاك جشعا وتستهلاك ونهما. كف يدك عن العبث بي وبكل ماوهبته لوجودك هنا.

فهل سوف تدرك وتستوعب درس الطبيعة الأم هذه المرة؟

هل سنعيد الحسابات في كل أنظمتنا وسياستنا وأيدلوجايتنا ومبادئنا وقيم الاستهلاك والجشع والأنانية؟

هل سنعيد ترتيب أولويتنا  للتعليم والصحة بدل تصنيع أدوات القتل والإبادة؟

هل  سننشر السلم والسلام والأمن والأمان والوحدة بين جنسنا الواحد ذي المصير الواحد؟

هل سنعيد التوازن للطبيعة الأم ونصنع واقعا جديدا يحترم كل المخلوقات والكائنات التي تشاركنا هذا الكون؟

هل بالفعل سنصنع واقعا مختلف لأبنائنا وأحفادنا؟ أم نتركهم في خراب وحروب على شح الحياة ومواردها وانتقامها؟

أم سيمرُّ هذا الدرس كما مرَّ ما سبقه، مرور الكرام وتستمر أيها الباغي في كتابة نهايتنا و تنقراضنا الذي بات وشيكا، نحن وكوكبنا أيضا؟

الخيار لك والتاريخ شاهد على ما سوف تقرره وتفعله!

الأستاذ أثناسيوس وليم

محام ومستشار دولي لدى هيئة الأمم المتحدة للمرأة في العراق، الأمين العام السابق لبرنامج حقوق الإنسان في مؤسسة الجيل الجديد،  رئيس مجلس الإدارة السابق لمجلة "حقوق الإنسان" وهي أول جريدة مصرية متخصصة في حقوق الإنسان وله العديد من المقالات في هذه المجلة التي كانت تنشر في القاهرة- مصر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.