محمد إبراهيم الحصايري: متى يَقْبُحُ الخوفُ ومتى يَجْمُلُ؟
"يَقْبُحُ الخوفُ إذا كان من قَرْنٍ (بمعنى عدوّ) تراه ويراك، وتنال منه وينال منك": بهذا أجاب أحمد باي كاتبه أحمد بن أبي الضياف عندما قال له "قد بالغنا في الخوف"، وهو يتحدث عن الطريقة التي تعامل بها الباي للوقاية من تفشّي وباء الكوليرا في البلاد، ومن إمكانية إصابته به، حين ظهر الوباء في تونس في مطلع سنة 1266 هجرية (أي سنة 1849 ميلادية).
وإذا أردنا شرح هذا الجواب فإن معناه "أن الخوف يَجْمُلُ إذا كان من قَرْنٍ لا تراه ويراك ولا تنال منه وينال منك"، وهو ما ينطبق تمام الانطباق على "فيروس الكورونا" الخبيث الخطير وغير المرئي الذي يمكن أن يقتحم جسم الانسان، أيّ انسان، دون أن يستطيع له ردا، إلا إذا تسلح بكل وسائل الوقاية منه.
ويقول أحمد بن أبي الضياف في كتابه الشهير "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان"، إن الباي الذي ارتحل عند ظهور الوباء إلى "قرطاجنة" حيث "أقام متحفّظا على عادة الكرنتينة"، والذي "اشتد خوفه من المرض، وبالغ في عدم الخُلْطَة، وضيّق في ذلك تضييقا لا يلزم عند الأطباء" فسّر موقفه قائلا: ""يقبح الخوف إذا كان من قرن تراه ويراك وتنال منه وينال منك. أما من سطوة الله تعالى فإذا لم يجمل الخوف لا يقبح. ولعل الشجاعة في مثله من سوء الأدب مع الله. ولسنا من رجال التوكّل. ثم قال: لو سبق القضاء والقدر، ومتّ بهذا المرض أخشى أن أقول عند حلوله: لو فعلت الكرنتينة ما حلّ بي مع اعتقادي أنْ لا فَاعِلَ إلاّ الله".
أحببت أن أسوق هذا الكلام العاقل والعقلاني، في إيمان، والذي قِيل قبل سبعين ومائة سنة، لأنّه قِيل في مواجهة وضع شبيه بوضعنا اليوم عسى أن يساعد الذين لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، (ولكن ليسوا بُكْمًا خاصة في زمن شبكات التواصل الاجتماعي) على أن يفتحوا أعينهم وآذانهم حتى يروا الخطر المحدق بهم وبغيرهم، وحتى يسمعوا ما يجب عليهم أن يلتزموا به حتى لا يضرّوا بأنفسهم وبغيرهم...
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق