الإنسانية: من تعميم ضرّاء "الكوفيد 19" إلى تعميم سرّاء العولمة!..
في مطلع هذا الأسبوع، طلبت تونس، بصفتها عضوا غير دائم في مجلس الأمن، "عَقْدَ جلسة طارئة للمجلس للتباحث حول تداعيات فيروس الكورونا على الأمن والسلم الدوليين، وحول الإجراءات العاجلة التي سيتخذها المجلس لمؤازرة جهود الدول لاحتواء هذه الجائحة وتوفير الإمكانيات الضرورية للتصدي لها".
وقد أجرى رئيس الجمهورية سلسلة من المكالمات الهاتفية مع عدد من قادة الدول الشقيقة (الجزائر وايران) والصديقة (فرنسا وإيطاليا واسبانيا) تناول معهم خلالها بالبحث هذا الطلب التونسي و"سبل مقاربة هذه الجائحة العالمية مقاربة جديدة تكون فيها الأمم المتحدة متّحدة بالفعل"... وتتجاوز بها، هي وخاصة مجلس الأمن الدولي، المفهوم الضيّق للسلم والأمن الدوليين.
كما تناولت المكالمات الهاتفية بالبحث "ضرورة التنسيق بين مختلف الدول بهدف اتخاذ إجراءات موحّدة خاصة في مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لأن الأمن والسلم الدوليين لا يجب أن يفهما بالمعنى التقليدي بل بالمعنى الذي يحفظ الإنسانية جمعاء من أي خطر يتهدّدها"، حيث تبيّن "أن المقاربات التقليدية المألوفة في السابق لم تعد مجدية لمواجهة مثل هذه الجوائح"، وأن الاجراءات على المستوى العالمي ينبغي أن تكون متناسقة، "إذ أن الحرب اليوم هي حرب أولى من نوعها تتعلق بالإنسانية جمعاء".
ومهما يكن مآل هذا الطلب التونسي، وسواء انعقدت الجلسة المُقْتَرَحَة أو لم تنعقدْ، وسواء أسفرت أو لم تسفرْ عن نتيجة ملموسة، فإن المبادرة به مبادرة طيّبة في حد ذاتها، ومن حيث المبدإ، وسيكون من الضروري، حتى تؤتي أكلها، ولو بعد حين، أن يتواصل العمل على حشد التأييد الإقليمي والدولي اللازم لها، وفي نفس الوقت، أن يقع إعداد مشروع القرار الذي سيتم عرضه على مجلس الأمن الدولي بكل إتقان ودقة، وفي نفس الوقت بكل إيمان وتصميم.
وقد يقول قائل، وهو ما قِيلَ فعلا، إن الظرفية الدولية والسلوكات التي سلكتها مختلف دول العالم في التعامل مع هذه الجائحة لا تسمح بعقد الجلسة، وإن انعقدت فليس من المتوقَّع أن تفضي إلى أي نتيجة، وقد يكون هذا الأمر صحيحا، وإلى حد بعيد، غير أن محاولة تحريك سواكن هذا العالم الذي أصابه "الكوفيد 19" بالشّلل ماديا ومعنويا وحتى أخلاقيا تبقى ضرورية، وإن لم تكن نافعة فهي ليست بالضارّة، وسيكون من دواعي الشرف لبلادنا أنّها أول من قام بهذه المحاولة.
إن العالم يعيش اليوم أزمة لم يسبق لها نظير في تاريخه الطويل، والمؤسف حقا أن جميع دوله أو أغلبها تنزع في التعامل معها من خلال الإغلاق والانغلاق، مُحَاوِلَةً النجاة بنفسها من هذا العدو غير المرئي الذي لا يعترف بالحدود، والذي استطاع أن يكرّس العولمة أكثر من الذين اخترعوها وفرضوا مساوئها أكثر من محاسنها على البشرية جمعاء طوعا أو كراهية...
إن هذا العدو الخطير الخبيث أقام الدليل في بضعة أسابيع، لا غير، على أن تعميم الضرّاء حتى على أقوى الدول وأعتاها أمر هيّن، فهل ستتجه الإنسانية بعد أن تجتاز محنته القاسية التي ستنتهي عاجلا او آجلا، إلى استخلاص الدروس الواجبة من هذه المحنة، وإلى محاولة تعميم سرّاء العولمة على جميع أبنائها؟
إذا كانت الجلسة التي طلبت تونس عقدها لمجلس الأمن ستؤكد على حاجة العالم الماسة إلى بدء السير في هذه الوجهة، من خلال الدعوة إلى حتميّة بلورة سياسة عالمية تكاملية تضامنية لإدارة شؤون البشرية المشتركة، بحسّ إنساني جديد، ففي ذلك ما يكفي، وما يستحق الثناء والتقدير...
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق