عبد العزيز قاسم: دردشات »كـورونـيّــة«
1 - وضرب الإرهاب من جديد. شقيّان من سقط متاع السلفية وأراذل الدواعش تحوّلا إلى قنبلتين بشريتين فذهبا أشلاء مقرفة وكان بودّنا أن نقول أراحا الناس من «خلقتيهما» لولا أنّهما خّلّفا ضحايا أعزّاء على الوطن. رحم الله الملازم أوّل توفيق الميساوي وشفا الجرحى. والسؤال المطروح على الأمن والقضاء هو أنّ الانتحارييْن خرّيجان من مدرسة روابط حماية الثورة بالكرم فمتى يتم تطهير هذا المكان من العناصر الإرهابية؟ أما من شجاعة، لا للقمع بل لتطبيق القانون؟ أليس من نكد الدنيا أن نسمع محاميا في القناة الوطنية، يحمّل الدولة مسؤولية عدم احتوائها للإرهابيين؟ ولنا أن نفهم من هذا المنطق الغريب أنّ الضحايا والجناة بإمكانهم مطالبة السلطات بالتعويضات لأنّها مقصّرة في رقابة 25000 إرهابي محتمل يمرحون في الطبيعة ذئابا وضباعا سائبة. إنّي لأرثي لحال الحور العين لا يتلقين منّا إلا مثل هذه الرهوط، رهوط لا مكان لهم إلا جهنم وبئس المصير.
2 - كان للإرهاب حماته ودعاته في المجلس التأسيسي ممّن جنّدوا الآلاف من شبابنا الضال ورحّلوهم لمقاتلة أشقّائنا السوريين باسم مقاومة الردّة وأحلّوا لهم الذبح والاغتصاب وبيع الحرائر. وفي الداخل، أجازوا لهم اغتيال شكري بالعيد ومحمد البراهمي وذبح جنودنا وتفجير حافلات الأمن وقطع رؤوس رعاة الغنم. ورغم كلّ التواطؤات في مستوى القضاء للتغطية على منظّمي الجريمة والمشجّعين عليها، لاحظنا بشيء من الارتياح، عشية انتخابات 2014 التشريعية، أنّ النهضة أسقطت من قائمات مرشحيها بعض المتشدّدين من أمثال الصادق شورو والحبيب اللوز. فما راعنا إلا زحف روابط الثورة «ديمقراطيا» على مجلس النواب الجديد. ألاَ إنّ صندوق الاقتراع منفذ لمن هبّ ودبّ وما الديمقراطية في الشعب الجاهل القاصر إلا مهزلة مبكية.
3 - أصبح مجلس النواب بمثابة كركوز مضحك لو كانت البلاد تعيش في رخاء وطمأنينة. ولا بدّ لنا أن نستنكر بشدّة ما تتعرّض له السيدة عبير موسي من شتم وتهديد. الأستاذة عبير امرأة صعبة المراس، قويّة الشكيمة، تُعِدّ مداخلاتها إعدادا محكما. ولا شكّ أنّها بلبلت روتين المجلس، وكنت أودّ أن يقارعها خصومها حجّة بحجّة، رأيا برأي، ذكاء بذكاء. إلا أنّ شيئا من ذلك لم يكن. وبصرف النظر عن مواقفها السياسية القابلة للجدل فإنّ هذه المرأة على غاية من الفطنة وعلى جانب مهمّ من الثقافة ولها طاقة استيعاب ذهني نادرة. ومع ذلك نعتها زملاء الصدفة بـ«الكلوشارة» في سوء أدب صريح وفي جهل صارخ بالمصطلحات. كما اتّهمتها نائبة أخرى بأنّها «مرتزقة ومشبوهة» علما بأنّ عبير موسي تحت المجهر منذ اندلاع «الثورة» ولو عثروا لها على زلّة لما رحموها. واستمرّت حملة التشويه اليومية إلى أن وصلت حدّ التكفير على لسان نفر من ائتلاف الكرامة فسانده نائب يمتهن الطب والإمامة ويباهي بسلفيته إذ قال بفصاحة قحطانية: «ما يلزمناش نستعارومن التكفير لأنّو حكم شرعي» وحاول الاستشهاد بسورة «الكافرون» ولا يسعني إلا أن أشكر السيد طارق الفتيتي النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، رئيس الجلسة، الذي قاطعه بحزم قائلا: «لسنا هنا في مجال إصدار الفتاوى».
4 - نذكّر الناس بأنّ التكفير على ألسنة هؤلاء المتشدّدين ليس بالمعنى العادي للزّيغ عن الصواب. لا ينبغي الاستهانة بهذه التهمة فالكافر يستباح دمه وعرضه وأرضه وجوبا وفي ذلك ما يشفي غريزة الجريمة والاغتصاب والاكتساب في الدنيا وفيها الثواب والحور العين في الآخرة. ولا ننسى أنّ روابط حماية الثورة وجدت من أدخل زبانيتها إلى داخل قاعة المناقشات بالمجلس لتهديد عبير بالقتل مباشرة. وإذا خرجنا من هذه البوتقة الجهنمية نجد من يطلق عليها أوصافا مدنية في ظاهرها، ظلامية في باطنها. فهذا أستاذ في القانون الدستوري، المفروض أنّه يعي ما يقول، في تصريح لجوهرة أف أم ينعت رئيسة الحزب الدستوري الحر بأنّها «فيروس كورونا، قادرة على تخريب وضعية البلاد». ونحن نقول إنّ مثل هذه الأحكام الطائشة مخرّبة للعقول. أرجو للسيدة عبير موسي طول السلامة، وعليها الحذر. علما بأنّها لو نالها ما نال الشهيدين بلعيد والبراهمي، لا سمح الله، فإننا سنغرق في بحار من دموع التماسيح...
5 - لنتحدّث قليلا عن «فيروس كورونا». إنّه وباء سريع العدوى، قاتل لكبار السنّ ولذوي قصور التّنفّس. والتفاصيل أتركها للأطبّاء. إلا أنّي أريد أن أنوّه بالمجهود المشهود الذي تبذله الصين لمحاصرة الفيروس لفائدة مواطنيها ولصالح المعمورة كافة. لقد حاول الغرب وأمريكا بالذات، كما في كلّ مرة، إثبات أنّ هذه الأوبئة بعضها آت من أفريقيا وبعضها من آسيا، بينما الغرب يصنِّع الجراثيم والفيروسات بغية الحصول على ما يسمّى بالأسلحة البيولوجية. وها هي أوروبا تعيش في هلع انتشار حتمي لهذا الوباء. أمّا نحن فننعم بالاطمئنان والحفظ والأمان. فلقد تلقيت في الأيام الأخيرة على صفحتي الفيسبوكية كمّا هائلا من الأدعية المستجابة يقرأها المؤمن فتهرب منه كل الجراثيم. وتساءلت لماذا ننفق كل تلك الأموال الطائلة على الصحّة العمومية ونحن نمتلك أسلحة وقائية جبّارة لا تتطلب منا سوى تلاوتها كلما أطلت طلائع المرض. إنّ الفكر الخرافي السلفي لا يدفع بنا إلى القتل الجهادي فقط بل يبلّد المخ ويمنعنا من فهم العالم الذي نعيش فيه.
6 - والأنكى من ذلك كله أنّ البُلْه يعتقدون بأنّ الكورونا عقاب سلطه الله على الصين لما تمارسه من اضطهاد ضدّ الإيغور المسلمين. يمنعون إطلاق اللحى ويحجّرون على المسلمات الطاهرات ارتداء النقاب فألبسهم سبحانه كمّامات إناثا وذكورا. دعنا من هذا الهراء. لنضع الأمور في نصابها. أخبار اضطهاد الإيغور صادرة عن الغرب وعن أمريكا بالأخصّ والسبب الرئيسي لهذا التشنيع مساومات ومحاولات ضغط على العملاق الآسيوي حتى لا يلتهم الأسواق العالمية وحده وحتّى يدفع ما يشبه الإتاوات والرشاوى للإمبريالية المتهالكة والتي تشهد من الكساد في صادراتها ما لم تعد تتحمّل. حتى الفيديوات المروّجة عن قمع المسلمين في الصين وما يصحبها من مشاهد وشهادات مفبركة في تركيا على الأغلب. لماذا تركيا؟
7 - يعيش اثنا عشر مليونا من الإيغور في إقليم شينغيانغ دخلوا الإسلام في القرن السادس عشر على المذهب السني السلفي يحلمون بالاستقلال باعتبارهم تركمان وتلعب فيهم يد تركيا الأردوغانية التوسعية بما يشّجعهم على التمرّد وفي تركيا جالية إيغورية تناهز ثلاثمائة ألف. والصين من جهتها لا تنكر احتجاز عناصر أصولية انفصالية ارتكبت جرائم إرهابية ضدّ الجيش وتدعو منظمات حقوقية إلى زيارة الإقليم للتثبت من حقيقة الأمر.
8 - وقبل الكلام وبعده فإنّ الصين يحكمها نظام شيوعي ينظر إلى كلّ الأديان بعين أقلّ ما يقال فيها إنّها حذرة. والأمن الصيني غير مشهور بالملاطفة كما أنّ الانفصاليين الإيغور ليسوا من الملائكة في شيء. لهم زعماء وقادة وحركيون من الرجال والنساء. على سبيل المثال الزعيمة ربيعة قدير عرفت السجن هي وزوجها وعدد من أبنائها الأحد عشر. توالد مشطّّ وتطبيق نشط لمقولة «تناكحوا تناسلوا» في بلد يحدّد النسل بطفل واحد لكلّ عائلة ثم إنّهم يرفضون إرسال أبنائهم إلى المدارس الحكومية. تعيش ربيعة قدير اليوم في أمريكا وتقود حملات تشويه ممنهجة ضد بلدها وذلك أضعف الإيمان. أمّا الرجال الإيغور فشأن آخر ويالهول ذلك الشأن.
9 - في سوريا ومنذ 2011 ومن بين كلّ الطوائف والملل والنحل يشكّل اللإيغور أشرس وأعتى وأوحش المقاتلين ضدّ الشعب السوري. أعمارهم تتراوح بين ستّ إلى ما يزيد عن الثمانين سنة. فالشيشان والأفغان والعرب بما فيهم الذبّاحون التوانسة عبارة عن هواة أمام حرفية الإيغور في إتيان الفظائع. من بين ما اشتهروا به في محافظات حلب وإدلب وحمص واللاذقية تفخيخ الحافلات بأطنان المتفجّرات وقيادتها نحو مواقع الجيش السوري. ذلك أنّ الحزب الإسلامي التركستاني الانفصالي قد وقع تصنيفه تنظيما إرهابيا من قبل المنتظم الأممي منذ 2002. إذ قدّمت الصين ما يثبت أنّ زعيم الحزب «حسن محسوم «، على علاقة بأسامة بن لادن منذ عام 1999، وأنّ هذا الأخير أرسل إلى الصين مجموعات إرهابية. ومن أسباب هذا التصنيف تجنيده للأطفال وتدريبهم على القتال منذ السادسة من العمر. قتل محسوم في باكستان وخلفه «عبد الحق التركستاني» وتوسّع التنظيم إلى أن وصل إلى سوريا سنة 2012عبر تركيا وانضمّ إلى جبهة النصرة بقيادة أبو رضا التركستاني الذي قتل في غارة للجيش السوري. عدد المقاتلين الإغور يزيد عن 16000. أخشى ما تخشاه السلطات الصينية أن يعود هؤلاء السباع الضارية إلى الإقليم. فهل نلومهم على التنبّه والحيطة.
10 - الصين عضو دائم بمجلس الأمن. ناصر كلّ القضايا العربية وما يزال. وعلاقات بيكين مع المشرق العربي قديمة. وقد أخذ العرب عن الصينيين صناعة السكّر والحرير والورق، وكلمة الكاغذ مثلا كلمة صينية. فلنحترم هذا البلد العظيم الذي لن يخيب ظنّنا فيه إذا احتجنا إليه. ولقد سبق أن ساعدتنا الصين على بناء السدود وعلى إحداث المركز الثقافي والرياضي للشباب بالمنزه السادس. ولقد جاء في الحديث الشريف «اطلبوا العلم ولو في الصين». هناك شابّ صيني يعيش بيننا لتعلم العربية وقد أصبح يحسنها واسمه Guang Chen. ادخلوا على صفحته الفيسبوكية سترون إلى أيّ مدى يحبّ تونس. أخيرا هاجمته كوكبة من الأوباش، ولأنّه صيني، رموه بالحجارة وصاحوا فيــه «يا كورونا». متى نتخلّص من هذه الرهوط؟ أشعر بالعار.
عبد العزيز قاسم
- اكتب تعليق
- تعليق
حقيقة أخي عبد العزيز قاسم الخبير والإعلامي القدير وقد زرتكم أخيرا ببيتكم صحبة نخبة من الزملاء والمناضلين. ما قرأته في نصك ملك شعوري وأعادني إلى تاريخ هؤلاء السفالة الأسود وكل ما ذكرته في مقالك هو جزء من أعمالهم القذرة التي لا تحصى، ولكنّ المؤسف له شديد الأسف أننا نعلم الحقيقة لكن وقفنا عند حد العلم بها فقط. فقط!!!