أخبار - 2020.03.12

الأمريكية ستيفاني توركو ويليامز تتولّى رئاسة البعثة الأممية في ليبيا بالنيابة بعد استقالة غسّان سلامة

الأمريكية ستيفاني توركو ويليامز  تتولّى رئاسة البعثة الأممية في ليبيا بالنيابة بعد استقالة غسّان سلامة

أعلن يوم الخميس 12 مارس 2020 الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش تعيين الأمريكية ستيفاني توركو ويليامز، ممثلة خاصة له بالنيابة، ورئيسة بعثة المنظمة الأممية في ليبيا.

وجاء في بيان أصدره ستيفان دوغريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، أن "ويليامز ستعمل كممثلة خاصة في ليبيا إلى أن يتم تعيين خليفة للبناني غسان سلامة" الذي تقدم باستقالته من منصبه الأسبوع الماضي لأسباب صحية.

وأوضح البيان أنّ "ويليامز تتمتع بخبرة تزيد على 24 عامًا في الشؤون الحكومية والدولية حيث عملت نائبة الممثل الخاص (السياسي) في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا منذ عام 2018".

استقالة غسّان سلامة تعيد الحرب في ليبيا إلى المربّع الأولى

بعد 33 شهرا من الصبر وسعة البال والتعالي على السفاسف، أغلق المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، الباب بقوّة وانصرف، يائسا من التوفيق بين الغريمين اللدودين. وأتت استقالة الدكتور سلامة، لتعكس تضاؤل الأمل في حلّ سياسي لحرب أهلية لا تبوح باسمها، لكنّها تهدّد بتقسيم البلد، إذا ما مضت القوى الكبرى في سياسة تغذية الصراع بالسلاح والمال، وحتّى المرتزقة. بهذا المعنى كانت الاستقالة كمن رمى المنديل في وجه العواصم الكبرى، التي أصرّت على تدويل الصراع، وإجهاض فرص التسوية السلمية. ومن الواضح أنّ ليبيا، تحوّلت في السنوات الأخيرة، إلى مركز استقطاب للقوّى الدولية، بحكم ما لها من ثروات طبيعية، وما تتمتّع به من موقع جغرافي استراتيجي، يمتدّ من سواحل المتوسّط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا، حيث تُطل على منطقة الساحل والصحراء. ويشكّل النفط والغاز في ليبيا قطاعا حيويا، إذ يؤمّن نحو 95 بالمئة من مداخيل البلاد. وتقدّر منظمة البلدان المصدّرة للنفط (اوبك) احتياطي النفط الليبي بنحو 48 مليار برميل، وهو الأكبر في إفريقيا. وتأثّر تطوّر الأوضاع في ليبيا على مدى نصف قرن تقريبا، بالصراع الفرنسي الإيطالي على استثمار ثروات البلد، ولاسيما من خلال مجموعتي النفط العملاقتين "إيني" و"توتال". في المقابل لا تولي الادارة الأمريكية اهتماما كبيرا للملف الليبي، عدا    ما يتصل بالحرب على الإرهاب، وملاحقة المسؤولين عن الهجوم الذي استهدف القنصلية الأمريكية في بنغازي، والذي أودى بحياة ثلاثة أمريكيين، بينهم السفير كريستوفر ستيفنز عام 2012.

نقطة الوصل

كما تستهدف الضربات الجوّية الأمريكية في ليبيا، التي لم تنقطع أبدا، قياديين في الجماعات الإرهابية وبخاصّة "تنظيم الدولة" و"القاعدة" و"أنصار الشريعة". لكن بالرغم من الخطط التي وُضعت لاحتواء تلك الجماعات وكسر شوكتها، يعتقد سلامة أنّها حافظت على قوّتها العسكرية والمالية، واستطاعت أن تسحب من مدينة سرت قسما من مقاتليها لم يتسنّ تقديرُهُ، بالاعتماد على مساومات، مقابل السماح لها بالانسحاب بأقلّ معارك ممكنة.  وزادت أهميّة الساحة الليبية في الموازين الأمريكية بعد هزيمة "تنظيم الدولة" في كلّ من سوريا والعراق، وخاصّة بعد إخراج التنظيم من "عاصمتيه" الموصل والرقّة، فليبيا تقع عند نقطة الوصل بين المشرق العربي وشمال الصحراء الكبرى، ما يُتيح للعناصر المنسحبة ملاذا آمنا نسبيا.

غير أنّ الدّعم العسكري الذي قدّمته روسيا إلى قوّات اللواء خليفة حفتر، اعتبارا من 2017، والدعم المالي من بعض دول الخليج، شكلا متغيّرا أساسيا من المتغيرات التي بدّلت وجهة الحرب، وجعلت الجنرال حفتر على وشك احتلال طرابلس، مع استمرار الدعم الذي يلقاه من الإمارات ومصر وفرنسا والأردن. وأتى ردّ تركيا على روسيا داعما لحكومة الوفاق، بإرسال أسلحة متطوّرة من بينها الطائرات المُسيّرة والناقلات المصفّحة، فضلا عن الخبراء والمستشارين العسكريين. لا بل إنّ الرئيس التركي إردوغان اعترف بمقتل جنود أتراك في المعارك الدائرة في ليبيا. وكم حذّر غسان سلامة من ذلك المنزلق الخطر المتمثّل في دخول الروس والتُرك بقوّة إلى ساحة الوغى، لكن لا من سميع لتحذيراته في مجلس الأمن.

غاز في المتوسّط

مع اكتشاف مخزونات كبيرة من الغاز في شرق المتوسّط، توصّلت تركيا إلى اتفاقين مع حكومة الوفاق الليبية، الخريف الماضي، الأوّل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والثاني للتعاون العسكري. وتصاعدت حدّة التوتّر بين أنقرة من ناحية واليونان وقبرص، اللذين انضمّت إليهما مصر واسرائيل، من ناحية ثانية. ويستعدّ الأتراك لمباشرة أعمال التنقيب، فيما عطّلوا الاستكشافات التي كانت قبرص تعتزم القيام بها، لأنّ خطّ الترسيم الذي وضعوه لا يبعد كثيرا عن السواحل القبرصية. والأكيد أنّ الأزمة الليبية زادت تعقيدا بالتخلّي عن خارطة الطريق، الرامية إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو ما سعى إليه سلامة في جولاته المكوكية واتصالاته بجميع الأطراف الداخلية والاقليمية.

في هذا السياق أتى اتفاق أبو ظبي بين السراج وحفتر (2019)، الذي أنفق سلامة وقتا طويلا في الإعداد له، والذي شكّل خطوة حاسمة في الإعداد لملتقى غدامس. كان لقاء أبوظبي مبنيا على حزمتين من القرارات، تخصّ الأولى تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي من تسعة إلى ثلاثة فقط (السراج من الغرب وسيف النصر من الجنوب والعبَار من الشرق) تنبثق منه حكومة، يقتصر دورها على تسيير الأعمال، بحيث لا تتّخذ قرارات استراتيجية، وإنّما تُركّز على تنظيم انتخابات حرّة وشفّافة. وتضمَن الاتفاق أيضا ما يُفيد بأن شخصين فقط مُخوَلٌ لهما وضع فيتو على القرارات، وهما السراج وحفتر. أمّا الحزمة الثانية فتعلّقت بتشكيل مجلس الدفاع والأمن القومي المؤلّف من أربعة أعضاء هم السراج والقائد العام (حفتر) ووزيرا الداخلية والخارجية.

قرارٌ أتى من الخارج

تلك كانت الأرضية السياسية لملتقى غدامس، الذي كان مقرّرا عقده بين 14 و16 أفريل الماضي. وكشف سلامة في إحاطة أمام مجلس الأمن أنّ الإعداد لذلك الملتقى استغرق ستّة أشهر من العمل. أمّا قرار الإجهاض فأتى من خارج ليبيا، وهو ما يُلقي الضوء على دور الأيادي الخارجية في تقويض الجهود التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة لحلحلة الوضع، وجمع الليبيين حول مائدة الحوار، ووقف الصراعات العسكرية، حقنا للدماء.

لم يكن ملتقى غدامس فكرة عابرة ولا مشروعا نظريا، فقد تمّ الإعداد له بعقد 77 اجتماعا شارك فيها 6000 ليبي وأنتجت 80 ألف ورقّة، لُخّصت في 22 ورقة، وشملت الأوراق كلّ المجالات. وأتى إجهاض الملتقى لتغليب الحل العسكري (الوهمي) من خلال عمليّة "طوفان الكرامة"، بقيادة حفتر، ومن ثمّ قطع الطريق أمام مصالحة تاريخية تُنهي ثماني سنوات من الحروب الأهلية. والأرجح أنّ هذا الوضع مرشحٌ للاستمرار إلى وقت غير معلوم، بعد استقالة سلامة، طالما ظلّت النخب الليبية متصارعة، تستقوي على بعضها البعض بقوى خارجية، ولم يعد أحدٌ بعد سلامة، قادرا على إدارة الحوار بينها. ومع استمرار الحرب بلا أفق للحل، سيدفع الليبيون فاتورة الصراعات . لذا فإن مفتاح الحلّ في الحقيقة بأيدي الليبيين أنفسهم، لأنّهم هم وحدهم القادرون على إنقاذ بلدهم من التفكّك والانحلال، وهم الذين سيهبونه لقمة سائغة إلى الطامعين، إذا ما أمعنوا في التدافع والتنابُذ.

وحذّر سلامة من ذلك في حوار شامل أجرته معه مجلة "ليدرز عربية"، في نوفمبر 2017، وقال فيه، منذ ذلك الوقت، "بعد سقوط نظام القذافي قامت منظومة اقتصادية بالكامل تعتمد على الاستيلاء على مقدّرات البلد ونهب موارده المالية ومختلف موارده الأخرى، ممّا أدّى إلى بروز طبقة سياسية تدعم هذا النهب وليس لها أيةّ مصلحة في أن يتغيّر هذا الوضع. أنا أسمّي العقبة الأساسية أمـام تســـوية الأزمة الليبية حزبٓ الوضـع القائـم (le parti du statuquo) أي مجموع السياسيين والمجموعات المسلّحة، ومتعاطي التجارة غير الشرعية، وأفراد العصابات الإجرامية، الذين يتعاونون مع بعضهم البعض، كلّ يوم، لنهب بلادهم إلى آخر حدّ". وشدّد على أنّه "إذا لم يتم كسر هذه المنظومة فإنّ العملية لن تكون سوى عملية تجميل".

رشيد خشانة


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.