الهـادي العنـابي: شهيـد الـواجـب الأمـمي (صور)
عشر سنوات مرّت على رحيل الهادي العنابي، رئيس بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي.. رجل عُرف بمهنيته وتفانيه في العمل، راح ضحيّة الزلزال الذي دكّ الجزيرة في 2010 مع جملة من الموظّفين الأمميّين الآخرين، ليترك وراءه تاريخا حافلا بالإنجازات. كان يوم 12 جانفي 2010 يوما حزينا في تاريخ هايتي التي شهدت زلزالا مدمّرا بقوّة 7 درجات على مقياس ريختر أودى بحياة أكثر من 200 ألف شخص. ولكنه كان يوما حزينا أيضا في تاريخ منظّمة الأمم المتحدة التي فقدت عددا من موظفيها العاملين في الجزيرة وعلى رأسهم رئيس البعثة، الهادي العنابي ونائبه البرازيلي، لويز كارلوس داكوستا، على إثر انهيار فندق كريستوفر، الذي كان يحتضن مقر البعثة. تطلّب الأمر وقتا من المنظمة الأممية لتؤكّد خبر وفاة الهادي العنابي ومن معه. وقد نعاه الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون بأسف كبير يوم 16 جانفي 2010. وقد قال عنه: »كان رجلا يُقبل على عمله بقلب أسد وكان أحسن ممثّل للوظيفة الدولية«.
ذهب بان كي مون خصّيصا إلى بور أو برانس، العاصمة الهايتية لتكريم أرواح الضحايا من موظّفي البعثة الأممية واستعادة جثامينهم. وفي كلمة ألقاها هناك، قال: «أشعر بفراغ كبير حولي منذ رحيل الهادي العنابي ونائبه وموظفي البعثة».
تم نقل جثمان الهادي العنابي إلى نيويورك قبل إرساله إلى تونس، حيث وقع تسلّمه في موكب رسمي ضمّ كبار المسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية، بالإضافة إلى ممثل عن الأمين العام للأمم المتحدة، وأفراد أسرة الفقيد ليتمّ فيما بعد تشييع الفقيد إلى مثواه الأخير بمقبرة الجلاّز.
ومن سخرية القدر أنّ الهادي العنابي كان ينتظر بفارغ الصبر عودته إلى تونس وكان من المفروض أن تنتهي مهمّته في سنة 2009 ولكنّ الأمم المتحدة مدّدت له بسنة في هايتي ليلاقي مصيره المحتوم. يوم وفاته، وقبيل دقائق من وقوع الزلزال، كان آخر من اتّصل به المرحوم وهو في طريقه إلى جلسة عمل، والدته، فريدة في تونس ليطمئنّ عليها، حسبما صرّحت به عائلته لليدرز بالفرنسية. لم يكن يعلم أنّها ستكون مكالمته الأخيرة مع والدته.
ترك الهادي العنابي الذي وافته المنية عن سنّ 65 عاما، أثرا طيبا لدى كلّ من عاشره وعمل معه، وبقي الجميع يشهد بدماثة أخلاقه وتفانيه في العمل وإيمانه العميق بالقيم الأممية، حتّى أنّ أحمد ونيس، السفير السابق والذي اشتغل معه في وزارة الشؤون الخارجية التونسية، اعتبره «مواطنا عالميا بحقّ».
مسيرة مهنية حافلة
ولد الهادي العنابي سنة 1944 بمدينة بنزرت في عائلة أغلب أفرادها من الأطباء ومنهم والده محمد صالح العنابي وشقيقه عبد العزيز العنابي، طبيب الأمراض العصبية.
درس العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس، وكذلك اللغة والآداب الإنقليزية التي حصل على الإجازة فيها من كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بتونس. كما حصل على شهادة في العلاقات الدولية من معهد الدراسات العليا الدولية بجنيف. التحق بعد ذلك بوزارة الشؤون الخارجية، قبل أن يعمل مستشارا دبلوماسيا للوزير الأوّل الهادي نويرة. خاض تجربة في مجال الإعلام رئيسا مديرا عاما لوكالة تونس افريقيا للأنباء من 1979 إلى 1981. ولكنّه سرعان ما استأنف عمله الدبلوماسي بالالتحاق بالأمم المتحدة سنة 1981. هناك بدأ عمله في مكتب الممثل الخاصّ للأمين العام للشؤون الإنسانية في جنوب شرق آسيا، قبل أن يصبح مديرا لهذا المكتب.
بدأ الرجل يتدرّج في السلّم الوظيفي داخل المنظمة الأممية نتيجة اجتهاده وقدراته المهنية الفائقة حيث أُوكلت له مهام صعبة منها المشاركة في إحلال السلام في كمبوديا ما بين 1982 إلى 1991.
إثر ذلك انتقل إلى العمل بإدارة عمليات حفظ السلام سنة 1992 ولا سيّما في إدارة القسم الخاص بإفريقيا. كان ذلك ما بين 1993 و1997، قبل أن يتقلّد وظيفة جديدة سامية وهي منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام في جانفي 1997. وهو المنصب الذي شغله إلى حدود سبتمبر 2007 عندما أصبح رئيسا لبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي وممثّلا خاصّا للأمين العام للأمم المتحدة في هذا البلد.
قاعة باسمه في مقرّ الأمم المتحدة بتونس
اليوم وبعد مرور عشر سنوات على رحيل الهادي العنابي المأساوي، تتالت التكريمات والمناسبات لإحياء ذكراه. وآخرها اللّقاء الذي نظّمته الأمم المتحدة في تونس، يوم 13 جانفي 2020، بالتعاون مع الجمعية التونسية للأمم المتحدة، للاحتفال بالذكرى العاشرة لوفاته. وقد تمّ خلاله تدشين قاعة باسمه في مقرّ المنظمة بضفاف البحيرة. وحضر حفل التدشين المنسّق الأممي المقيم، دييغو زوريلا وكاتب الدولة المكلّف بتسيير وزارة الشؤون الخارجية، صبري باش طبجي، بالإضافة إلى مجموعة من الشخصيات التونسية منها رئيسا الجمهورية السابقان، فؤاد المبزع ومحمد الناصر.
وفي رسالة بعث بها بهذه المناسبة، أشاد الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بخصال الفقيد قائلا: «كان فخرا للجميع ونحن نرى جهوده من أجل عالم أفضل» وأضاف: «من خلال تدشين قاعة باسمه في مبنى الأمم المتحدة، فإنّنا نشيد بأعماله ونحيي ذكرى زميل وصديق كرّس حياته لخدمة الأمم المتحدة ولقضية السلام في العالم».
حنان زبيس
- اكتب تعليق
- تعليق