محمد النفطي ... أم هل عرفت »ليدرز« بعد توهّم؟
يتوهّم قارئ «ليدرز» في مجلّته كلّ الخير ومع كلّ هلال يستقبل إصداراتها بكل فرح وسرور وسعة صدر ليتصّفح ما تجود به قريحة الكتّاب في كلّ عدد جديد. والقارئ المتأمّل في مسيرة «ليدرز» العربية التي تحتفل هذه الأيام بعددها الخمسين لا يجحد الإعجاب بما تقدّمه هذه المجلّة الفتية من زاد ثقافي متنوّع وثري يدرّ نفعا كبيرا على كلّ من ثابر على قراءتها ونهل من موردها. وبهذه المناسبة أودّ أن أتقدم بأحر التهاني إلى كلّ أفراد أسرة المجلة على هذا النجاح الأوّل وبأصدق التمنيات لهم بالصمود والتطوّر في مسيرتهم الصحفية المستقبلية.
وقد ارتأيت تقديم ملاحظات موضوعية بدل توجيه عبارات المديح والشكر. فبعض النقد والنصح قد يدرّ النفع أمّا الشكر فلا يربي خيرا ولا فائدة.
تدبّرت أمر هذه الملاحظات فوجدتها تهمّ ثلاثة أضرب من الكتابات على الأقلّ، منها ما حسن اختيار مواضيعه وجادت حياكة أجزائه ورسخت في نفس القارئ معانيه فأصبح يتشوّق إلى قراءتها وبالتالي يترقّب الإصدار الجديد بكل شغف. ومن هذا الصنف مقالات سريعة نسجت بإبداع كبير باللغة العربية الفصحى وكما يقال حسنت أدبا فخففت ونقلت. ومثل ذلك مقالات الكاتب المبدع الصحبي الوهايبي أو النصوص باللغة العاميّة المهذّبة التي تسري على لسان المبدع عادل الأحمر. وتضمّنت هذه المقالات هموم المواطن المغلوب على أمره بينما لا تتطلّب قراءتها عناء كبيرا ولكنّها تروّح عن النفس كثيرا. وهي مواضيع تعجب جميع أصناف القراء حسب رأيي.
وهناك ضرب ثان من الكتابات حسن أيضا اختيار مواضيعها ولكنّها نسجت بمنهج علمي تحليلي تغلب عليه صفة البحث وتفتقد في غالب الأحيان النبرة الحداثية. وأغلب هذه الأشكال تتعلّق بالمواضيع الاقتصادية التي تطغى عليها الصبغة النظرية وينتج عن قراءتها شئ من العزوف والملل. ولا أظنّ أنّ الجيل الحديث يستهوي هذه المقالات بل إنّما تستهوى القرّاء الذين باتوا في ذيل الكهولة وأرادوا ملء فراغات أوقاتهم في المنزل بعيدا عن صخب المقاهي وضجيج الطرقات.
أما الضرب الثالث فيغلب على مواضيعه الحنين إلى الماضي والبكاء على الأطلال. فلا يكاد يخلو عدد من المجلة من حديث عن أعلام الماضي وثروات الماضي والزمن الجميل. وهذه المقالات لا تستهوي، في تقديري، إلاّ من كان في بادئة الشيخوخة وأصبحت «السبحة» لا تفارق أصابعه. يسبّح بين المقال والمقال وبين الفقرات وهمّه أن يملا فراغ النهار ويبعد أرق الليل.
وفي الختام أريد أن أسوق ملاحظة عامّة حول المجلّة برمّتها: إنّي أرى أنّها في جانب كبير تضمّنت صفحاتها أبوابا قيّمة وتناولت مواضيع ثقافية وسياسية إلاّ أنّها لا توسّع ثقافة القارئ التونسي ولا تفتح له أبواب الحداثة على مصراعيها ليطوّر معارفه وعلومه. ولا أقصد بهذا أن تقدّم المجلّة الدراسات والمعلومات بالكمّ والكيف الواسع بل عليها أنّ تبسط مواضيع مقتضبة وتعرض إشارات مختزلة في فقرات سريعة على شكل (Reader’s Digest). وهذه الإشارات تنبّه القارئ إلى المصطلحات الأساسية وتوجّهه إلى المراجع التي يمكن اللجوء إليها لزيادة المعرفة. ولعلّ هذا هو الدور الأساسي لمجلة اتخذت من كلمة «ليدرز» عنوانا لها. و«الليدر» هو القائد. ومهمّة القائد هى التأثير فى سلوك الفرد ليكون مواطنا صالحا يحافظ على بلاده ويحترم بني وطنه وينحني أمام القانون. والمجلّة التي تؤمن بهذه القيم تستحقّ أن تسمّى «ليدر» ولعلّ في هذا المثل اختزلت أهم المواضيع أو الأبواب التي يقترح إدماجها في أركان المجلّة إلى جانب الموضوعات التي دأبت على تقديمها في الأعداد السابقة. وحظّا وافرا لمجلّة «ليدرز» العربية.
محمد النفطي
لواء متقاعد-نابل
- اكتب تعليق
- تعليق