منطقة الساحل والصحراء هل باتت الجنة الموعودة للإرهابيين؟
مع انحسار رقعة الإرهاب في الشرق الأوسط بعد القضاء على تنظيم داعش وزعيمه التاريخي، تتّجه الأنظار حاليا إلى منطقة جديدة تُعتبر الأرض الموعودة بالنسبة للإرهابيين وهي منطقة الساحل والصحراء. منطقة شاسعة يصعب التحكّم فيها، وهي مرتع لمافيات تجارة المخدرات والسلاح والبشر. ومع تزايد العمليات الإرهابية فيها واستهدافها للسكان المحليين والقوات الأممية والأجنبية، أصبحت هذه المنطقة تُشكّل تحديا حقيقيا لأمن جيرانها ولأمن العالم بأسره.
لم يكن من باب الصدفة أن يتحوّل اهتمام الإرهابيين بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق إلى منطقة الساحل الأفريقي، حيث تتمركز أساسا في هذه المنطقة جماعات ارهابية تابعة لتنظيم القاعدة منذ تسعينات القرن الماضي، انضمّ بعضها إلى داعش بعد ذلك. وهو ما يفسّر توجّه البغدادي قبل موته، في أفريل 2019، برسالة إلى أتباعه للتوجّه نحو الساحل الإفريقي والتمركز في الصحراء.
وجاء تواتر العمليات الإرهابية الموجعة خلال السنتين الأخيرتين في مالي وبوركينا فاسو والتشاد ونيجريا التي أوقعت ضحايا بالمئات سواء في صفوف السكان المحليين أو في صفوف القوات العسكرية الأجنبية والأممية، ليؤكّد على الدور الجديد الذي أصبحت تلعبه المنطقة كنقطة تمركز للحركات الإرهابية في العالم. كما أنّ قربها الجغرافي من أوروبا ومن الشرق الأوسط جعلها أفضل ملاذ للإرهابيين الهاربين من المحرقة السورية لاستعادة أنفاسهم وإعادة ترتيب صفوفهم والتهيئ للقيام بعمليات إرهابية تستهدف المصالح الغربية في إفريقيا ولكن أيضا البلدان الأوروبية نفسها في عقر دارها.
جغرافية مساعدة
تمتد منطقة الساحل والصحراء على مسافة تتجاوز 5000 كلم وهي عبارة عن صحراء مترامية الأطراف تخترق حدود دول عديدة منها مالي والتشاد والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو، تصعب مراقبة حدودها والتحكّم في تنقّل سكانها الذين يٌعدّ جزء مهمّ منهم من التوارق الرحّل، كما أنّها منطقة تتميّز بتركيبة اثنية معقّدة بالإضافة إلى ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، فهي من أفقر المناطق في إفريقيا. كلّ هذه العوامل تجعل منها أرضا مناسبة لنموّ وترعرع الإرهاب الذي يزدهر على خلفية الأوضاع الاقتصادية الصعبة للسكان المحليين وسخطهم وغضبهم على حكامهم، إلى جانب الهشاشة الأمنية التي تجعل من السهل القيام بعمليات إرهابية واستهداف قوّات الأمن والجيش.
ولكنّ ما يزيد الأمر تعقيدا في هذه المنطقة هو كونها منطقة عبور لمختلف أنواع التجارة غير الشرعية من تجارة المخدّرات إلى تجارة السلاح مرورا بتجارة البشر والهجرة غير الشرعية. هذا الوضع خلق مناخا خصبا لتحالف استراتيجي بين الإرهاب وكلّ هذه الأنشطة غير القانونية، بما أنّها كلّها تزدهر في غياب دولة قويّة قادرة على مقاومتها.
بالتالي ليس بالغريب، أن تعتمد التنظيمات الإرهابية المختلفة الموجودة في المنطقة في تمويل أنشطتها على مختلف أصناف التجارة غير الشرعية. وينضاف إليها مورد آخر للتمويل وهو تحصيل مبالغ هامّة من الفدية نتيجة عمليات خطف السياح الأجانب والعاملين في المجال الإنساني.
الحرب في ليبيا وبداية التوسّع
تمركز التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل ليس جديدا وإن تدعّم خلال السنوات الأخيرة، فوجودها يعود إلى انطلاق العشرية السوداء في الجزائر وعودة العرب الأفغان إلى بلدانهم في بداية تسعينات القرن الماضي، حيث كوّن بعض منهم نواة تجمّعات سلفية تحوّلت فيما بعد إلى مجموعات إرهابية قادها في مرحلة أولى قادة جزائريون قبل أن تُفرز قيادات محلية أكثر معرفة بطبيعة المنطقة جغرافيا وثقافيا واثنيا. ولكنّ هذه الجماعات تدعّمت وزادت قوّتها بعد الثورة الليبية في 2011، حيث أنّ سقوط نظام القذافي والفوضى التي اجتاحت ليبيا ساهمت في تهريب كميّات كبيرة من السلاح من مخازن القذافي نحو البلدان الإفريقية المجاورة لتقع في يدي الإرهابيين، كما أنّ سقوط النظام الليبي جعل آلاف الجنود المرتزقة الأفارقة الذين كانوا يحاربون في صفوف الجيش الليبي يجدون أنفسهم فجأة بدون أي مورد رزق ليتفرّقوا على البلدان القريبة وأهمّها التشاد والنيجر ومالي.
هذا الإمداد بالسلاح والمقاتلين، لم يلبث أن أتى أُكله على مستوى نشاط الجماعات الإرهابية المتمركزة بمنطقة الساحل والتي ينتمي أغلبها لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث أعلنت هذه الجماعات في 2012 سيطرتها على شمال مالي وكانت متوجّهة نحو إحكام سيطرتها على العاصمة باماكو لولا التدخّل العسكري الفرنسي من خلال عملية «سيرفال» في جانفي 2013 لإيقاف تمدّده، هذه العملية التي قامت فرنسا باستبدالها بعملية «برخان» في أوت 2014 لتشمل تحصين كافّة منطقة الساحل ضدّ الهجومات الإرهابية.
ساهم التدخّل العسكري الفرنسي بالإضافة إلى جهود بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي MINUSMA التي تكونت في أفريل 2013، إلى حد كبير في إيقاف تمدّد الجماعات الإرهابية ولكن لم يتم القضاء عليها تماما. ما حصل هو أنّ الإرهابيين الفارّين من مالي توسّعوا نحو البلدان المجاورة ليجدوا لهم موطئ قدم في التشاد والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا، وبذلك توسّعت رقعة نفوذهم.
ظهور جماعات جديدة
ومع حلول 2015، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية على خارطة الجماعات الإرهابية المتمركزة في الساحل، حيث أعلنت جماعة «المرابطون» التي كانت موالية للقاعدة في المغرب الإسلامي، بيعتها لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي. جاء ذلك في تسجيل صوتي نُشر في شهر ماي من نفس السنة لأبي الوليد الصحراوي الذي أعلن نفسه زعيم «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخلافا لما حصل في سوريا والعراق من صراعات واقتتال بين الجماعات الإرهابية الموالية للقاعدة والأخرى الموالية لداعش، فإنّ التنظيمات الإرهابية المختلفة في الساحل الإفريقي خلقت تحالفات استراتيجية وتنسيقات على مستوى العمليات الإرهابية التي استهدفت بشكل خاصّ القوات الأجنية الموجودة في بلدان الساحل إلى جانب قوات الأمن المحلية. من هنا جاءت العمليات الدامية التي استهدفت في نوفمبر الماضي قاعدة عسكرية للجيش المالي في شمال البلاد أوقعت 54 قتيلا أو الهجوم المسلّح الذي استهدف السفارة الفرنسية في واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو) ومقرّ قيادة القوات المسلحة في مارس 2018 وأسفر عن 28 قتيلا.
من جهة أخرى، نتج عن التحالفات بين المجموعات الإرهابية الإعلان عن ولادة تنظيمات جديدة جاءت نتيجة انصهار تنظيمات داخل أخرى، حيث تمّ الإعلان في مارس 2017 عن نشأة «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، وتضُمّ تجمّع تنظيم «أنصار الدين «المالي بقيادة إياد أغ غالي الذي تسلّم قيادة المجموعة الجديدة وتنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» وتنظيم «المرابطون» و»جبهة تحرير ماسينا» في مالي. هذه المجموعة أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة وقامت بالعديد من العمليات في مالي استهدفت دوريات للأمن ومقرّات للجيش وأسفرت عن مقتل 250 جنديا ماليا في 2017، كما قامت بأخذ 6 رهائن أجانب من مدينة تمبكتو في جويلية 2017. وقد تمّ وضع هذه المجموعة على لائحة المنظّمات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة منذ سبتمبر 2018 نظرا لخطورتها. ولم تكتف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» بالقيام بعمليات إرهابية في مالي وإنّما وسّعت نشاطها إلى بوركينا فاسو والتشاد والنيجر ووصل مجال تحرّكها إلى البلدان المحاذية لمنطقة الساحل في إفريقيا الغربية مثل البنين وساحل العاج والطوغو.
وقد أصبحت هذه الجماعة ومعها «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى» أهمّ جماعتين ناشطتين وقويّتين في منطقة الساحل. كما أنّهما تقومان باستمرار بتوسيع نطاق نفوذهما مهدّدين بنشر الإرهاب على رقعة تتجاوز منطقة الساحل والصحراء، أمام عجز الحكومات المحلية والقوّات الأجنبية على التصدي لهما.
العجز عن التصدّي للتنظيمات الإرهابية
لا يبدو أن خطر الجماعات الإرهابية الناشطة في الساحل سينحسر، فعدا تواصل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الهشة في بلدان المنطقة، مما يمثل أرضية خصبة لتطور الإرهاب، فإن هناك اليوم عجزا حقيقيا للتصدي لها من قبل القوات العسكرية الأجنبية خاصة الفرنسية والأمريكية، وقوات حفظ السلام في الساحل.ولئن حاولت البلدان الغربية ذات المصالح الاستراتيجية في منطقة الساحل، مثل فرنسا والولايات المتحدة تقوية وجودها العسكري فيها، إلاّ أنّ ذلك يساهم في ردع الجماعات الإرهابية التي يقوى نفوذها كل يوم أكثر وتتزايد عملياتها.
فمنذ 2014، أطلقت فرنسا عملية «برخان» وقوامها 4500 جندي، كما عملت على تدريب قوات الشرطة والجيش في بلدان المنطقة وتزويدها بالسلاح لدعم جهودها في مقاومة الإرهاب إلا أنّ ذلك لم يسفر حقيقة عن نتائج ملموسة على الأرض، بل زاد نسق العمليات الإرهابية التي تستهدف قوات الأمن المحلية وكذلك الجنود الفرنسيين. وأصبحت فرنسا تتساءل بعد خسارة عدد هام من جنودها عن جدوى وجودها العسكري، خاصّة مع تعالي الأصوات من داخل بلدان الساحل التي تندّد بهذا الوجود وتعتبره استعمارا جديدا.
من جهتها، عزّزت الولايات المتحدة حضورها عسكريا في منطقة الساحل من خلال قوات «الأفريكوم»، حيث يوجد حاليا 7500 جندي أمريكي في المنطقة، كما عملت على بناء قواعد عسكرية لمراقبة تحركات التنظيمات الإرهابية ودعم المجهود الاستخباراتي. وهي تتهيأ لإنشاء أكبر قاعدة عسكرية في تاريخها في النيجر بحلول 2024. ولكن كل هذه الجهود لم تساهم في انحسار نفوذ الجماعات الإرهابية التي تتزوّد بشكل مستمر بعناصر بشرية جديدة، مستفيدة من حالة الفوضى والضعف السياسي والاقتصادي التي تعاني منها حكومات الساحل، إلى جانب أنها تتغذى من الصراعات القبلية والإثنية حول الموارد والأراضي بين السكان المحليين.
كذلك لم تنجح القوات الأممية مثل بعثة الأمم المتحدة MINUSMA والتي قوامها 15 ألف جندي، بالإضافة إلى «قوات جيش الساحل» التي تكوّنت في 2015 من قبل 5 دول (مالي والتشاد والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو)، في القضاء على الجماعات الإرهابية، رغم أنّها تتكوّن من جنود محليين على خلاف القوات العسكرية الأجنبية. وقد مُنيت هي أيضا بخسائر بشرية كبيرة، حيث فقدت بعثة الأمم المتحدة 170 جنديا منذ انشائها في 2013.
كلّ هذه العوامل، تجعل من المشروع اليوم القلق حول حجم الخطر الذي تمثّله منطقة الساحل باعتبارها أصبحت موقعا استراتيجيا لتفريخ الإرهاب وتنميته وتصديره للبلدان المجاورة ولكن أيضا للعالم، بحكم موقعها الجغرافي القريب من أوروبا والشرق الأوسط. وفي غياب تنسيق أكبر سواء بين الحكومات المحلية أو بينها وبين القوى الغربية ذات المصالح الاستراتيجية في المنطقة، ومع انعدام حلول جذرية للفقر وتفشّي الفساد والنتائج الكارثية للتقلبات المناخية على السكان المحليين في منطقة الساحل، فإنّ رقعة الإرهاب ستتوسّع بشكل سريع، قد يصعب بعد ذلك التحكّم فيها
حنان زبيس
- اكتب تعليق
- تعليق
شكرا المقالة أريد ان أوضح أن الآن توجد خارطة جديدة يتم الإعداد لها من قبل الأتراك معتبرين الغزو العثماني للعرب نصر لهم لذلك نرى السيد اردوغان يتحرك في هذا الإتجاه