أخبار - 2019.11.30

»نورا تحلم« مرافعة درامية تنتصر للحب وتشجـب العنف المسلّط على المرأة

»نورا تحلم« مرافعة درامية تنتصر للحب وتشجـب العنف المسلّط على المرأة

عادة ما تساهم سينما المؤلف في استنطاق »المسكوت عنه« أو »اللاّمفكر فيه« وزعزعته من خلال فكّ العزلة عن القضايا المجتمعية والإنسانية الملحّة التي تحتاج إلى رؤية فنية عميقة، لشرح خطوطها وتقريب ملامحها ومعالمها إلى المتلقّي. فيلم »نورا تحلم«، للمخرجة التونسية البلجيكية، هند بوجمعة، يندرج ضمن هذا السياق، حيث يطرح إشكالية مغيّبة تخبرنا عن عذابات الحبّ في بيئة اجتماعية لا ترى الأشياء بنفس المنظور. الفيلم إنتاج تونسي بلجيكي فرنسي مشترك، من بطولة هند صبري ولطفي العبدلي وحكيم بومسعودي، وجمال ساسي وسيف الدين الظريف وإيمان الشريف. يذكر أنّ الفيلم تحصّل على التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية في دورتها 30 (دورة المرحوم نجيب عياد)، وحازت على جائزة أفضل ممثّلة النجمة هند صبري. كما فاز العمل بعدد من الجوائز في مهرجانات دوليّة، وآخرها جائزة أفضل فيلم في مهرجان بوردو الدولي للسينما المستقلة، ونالت بطلته أيضا جائزة أفضل ممثلة في مهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الثالثة، وحصل الفنان لطفي العبدلي على تنويه خاصّ من لجنة التحكيم.

الخيانة الزوجية بين مطرقة القانون وسندان المجتمع

كثيرا ما تلقى الأفلام المستوحاة من قصص ووقائع حقيقية قبولًا واهتماما واسعًا لدى الجماهير التي تبحث عن أعمال تستقرئ الواقع ولا تكتفي بتقديم إجابة جاهزة عن الأسئلة السطحية المتداولة في مجتمعنا، بل تسعى إلى تفكيكها وتقديم قراءة نقدية تختلف عن السائد والمألوف.

فيلم «نورا تحلم» يطرح قضية مثيرة للاهتمام في علاقة بتعقيدات الحياة الزوجية وتداعياتها على الأسرة واستقرارها، من خلال التطرّق إلى موضوع الخيانة الزوجية من زاوية مختلفة تعكس مفارقة خيانة المرأة لزوجها والآثار الاجتماعية والقانونية المتّرتبة عليها.

تدور أحداث الفيلم الرئيسية حول شخصية «نورا»(هند صبري) وهي امرأة متزوّجة وربّة أسرة، تنتمي إلى الطبقة الكادحة، تقيم علاقة غرامية غير شرعية مع «لسعد» (حكيم بومسعودي) بينما يقضي زوجها «جمال» (لطفي العبدلي) مدّة عقوبته في السجن. وتسعى نورا مستفيدة من هذه الوضعية، إلى تسريع إجراءات الطلاق، بما أنّ القانون التونسي صارم للغاية فيما يتعلّق بالزنا، حيث تصل العقوبة إلى مدة خمسة أعوام سجنا وخطية مالية قدرها خمسمائة دينار. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ليتمتّع «جمال» بعفو رئاسي ويخرج قبل أيّام قليلة من إصدار الحكم، مصمّماً على استئناف حياته كما كان من قبل، ممّا يزيد الأحداث تعقيدا عندما يقرّر العشيقان الهروب بعيدا.بين الرغبة في العيش مع حبيبها والواقع الذي يفرضه خروج زوجها من السّجن، تغرق نورا في   حالة من التّخبط والخوف الممزوج بالحيرة والترقّب، فتجد نفسها ملزمة على خوض مغامرة عاطفية معقّدة قد تكون لها عواقب غير محمودة. ربّما تكون نورا قد اختارت شريك حياتها في السابق بمحض إرادتها، ولكن ما الذي يمنعها من تغيير موقفها من أجل تأسيس علاقة عاطفية ناجحة ومستقرة؟ فمن حقّها بالطبع أن تتطلّع إلى مستقبل أفضل بعد أن كانت لفترة طويلة مضطهدة ومقهورة نتيجة سلوك زوجها الإجرامي ورجوعه المتكرّر إلى السجن. هذا ما يقوله الفيلم بوضوح وبطريقة مبسّطة ومباشرة، ولكنّه في الحقيقة يستبطن أسئلة مركّبة وشائكة في علاقة بالجانب الاجتماعي والقانوني.

لا يمكن أن يحتكر فيلم «نورا تحلم» قضيّة الحبّ والخيانة الزوجية فقط، بل يتجاوز حدود المحظور ليقدّم قراءة نقدية لواقع متناقض في مجتمع يتفاوت فيه الحكم على الخيانة الزوجية ما بين تبرير للرجل وتجريم للمرأة. تجريم الزنا واضح في القانون التونسي، لكنّ الرجل هو الذي يلجأ دائما إلى التقاضي في هذه الحالات دفاعا عن شرفه وحفاظا على كبريائه، في حين تغفر المرأة في أغلب الأحيان نزوات الرجل وتضطرّ إلى التنازل عن حقّها تأميناً لمصالح عائلتها، تفاديا للفضيحة وسترا للأعراض. فالخيانة الزوجية هي مشكلة أخلاقية بالأساس طرفاها رجل وامرأة، وبذلك فليس من العدل في شيء ألاّ يغفر الرجل بدوره للمرأة إذا أخطأت، وهو ما لم يتقبّله «جمال» زوج «نورا» بعد أن اكتشف الأمر، فقرّر الانتقام على طريقته بعد أن أقدم على مضاجعة زوجته رغما عنها واغتصابا لإرادتها (في ظلّ غياب نصّ صريح وخاصّ يجرّم الاغتصاب الزوجي، علما وأنّ فقه القضاء التونسي يجرّم بصفة مبدئية اغتصاب الزوجة)، كما قام في مرحلة ثانية بتعنيف «لسعد» والاعتداء عليه بالفاحشة في ورشة عمله.

وتتواصل الوتيرة التصاعدية والمتسارعة للأحداث ليجتمع الأطراف الثلاثة في مشهد مطوّل أثناء التحقيق في مركز الشرطة، حيث يكذب الجميع بدون استثناء خوفا من التداعيات القانونية والاجتماعية، إذا ما تمّ اكتشاف الحقيقة. مشهد يترجم صراع العقل والعاطفة الذي تحرّكه وتتحكّم فيه الغرائز والأحاسيس، نتيجة التناقضات والإكراهات التي تمليها الحياة والواقع المتغيّر.

ولم تنس مخرجة العمل التعريج على جملة من القضايا الهامّة، كالفساد الذي ينخر أجهزة الدولة، وتفشّي الجريمة والعنف، ومسألة الإفلات من العقاب التي أصبحت ثقافة متأصّلة في مجتمعنا.
مع نهاية الفيلم يتحقّق حلم نورا، رغم كل العراقيل والعقبات التي واجهتها، بعد أن استماتت في الدفاع عن حقّها في الحب وفي حياة كريمة آمنة ومستقرة.

سيناريو متماسك واخراج مرتبك

من جانب آخر، نجحت مخرجة العمل في تقديم سيناريو جيّد متماسك البناء وغير مشتت الرؤى، إلا أن الإخراج السينمائي لقصة الفيلم كان مرتبكا وينقصه الكثير من النضج خاصة على مستوى العملية التوليفية (montage) التي أثّرت بشكل كبير على إيقاع الفيلم وتناسق المشاهد من أجل تأجيج لحظة الذروة الدرامية، بالإضافة إلى ضعف واضح في توجيه الممثّلين (direction d’acteurs)، إذ وقع توظيفهم في دور درامي مغاير لما عهدنـاه (acteur à contre-emploi)، وهي ممارسة شائعة في السينما، غير أنّ طريقة إدارتهم لم تساعد كثيرا في تفجير قدراتهــم التمثيلية والارتقاء بهم إلى قمّة الآداء، رغم المردود المحترم الذي قدّموه.

فيلم «نورا تحلم» يدين بشدّة العنف المعنوي والمادي غير المعلن ضدّ المرأة، في مجتمع يعيب عليها اللجوء إلى القانون لحماية نفسها والدفاع عن حقوقها ولا يعيب على الرجل عنفه وانحرافاته المفاجئة. فتلك نظرة اجتماعية رجعية متخلّفة وبالية، ربّما تجد جذورها في نوع من الثقافة الذكورية الراسخة في أذهان الكثيرين ورهينة قيود السلوكيات الموروثة.

ناظم الوسلاتي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.