أخبار - 2019.12.01

الصحبي الوهايبي: صحـن تـونــسي

الصحبي الوهايبي: صحـن تـونــسي

مواضيع ثلاثة شغلت النّاس ومازالت تشغلهم: الأزمة الاقتصاديّة والانتخابات وخَلْق الشركات؛ وقد تبدو الصّلة بين هذه المواضيع ضعيفة باهتة واهية مثل خيط العنكبوت، ولو أنّه ثبت بمقاييس النّسبيّة أنّ خيط العنكبوت أمتن ممّا يظنّ كثير من النّاس. يبدو أنّي شردت عن الموضوع الأصليّ. يقال شرد المسافر عن الطّريق أي حاد عنه، ويقال شرد ذهن فلان أو فكره أي سرح خاطره وغفل عما حوله. ولا يخفى عليكم أنّ كثيرا من النّاس هذه الأيّام غافلون عما حولهم أو شردت بهم الطّريق وهم لا يدرون. وأنصحكم ألاّ تفعلوا كذلك الذي تاه فأرخى العنان لبغلته علها تدلّه الى الثّنيّة، فالبغال أيضا تشرد عن الثّنيّة. ويقال شرد ذهن التلميذ فلم يفهم الدّرس إلاّ بعد الامتحان. المهمّ أنّي نظرت في المواضيع الثلاثة وقلّبتها على أوجهها وظهورها، وتساءلت كيف السّبيل الى أن أصنع منها طبخة واحدة؟ «صحن تونسي» مثلا! ولن أكون لا أوّل المخترعين ولا آخرهم في هذا المجال، فكثير من رجال السّياسة سبقوني إلى فنون الطّبخ ولو أنّ بعضهم يصحّ فيهم قول أبي الطيب المتنبّي:

جوعان يأكل من زادي ويمسكني        لكي يقــال عظيم القــدر مقصود

وبعضهم كحال بعض «معارضتنا» شأنه شأن الأيتام وأصحاب العاهات وفاقدي السّند يأكلون من مطبـخ السّلطة لينطبق عليهم المثل التّونسي البليغ «أطعم الفـــم تستحي العين». وقد تساءلت كيف نفرّق بين معارضة حقيقيّة ومعارضة افتراضيّة. على الأقلّ من حيث الكتابة حتى لا يختلط الحابل بالنابل (هذه فنون حربيّة قد نعود إليها في ورقة غير هـذه). فهدانا تفكيرنا، وليغفر لنا حماة اللّغة العربيّة، أن تُكتب المعارضةُ الافتراضية «المعارظة» هكذا، أي علم في رأسه نار، فتلك الإشالة تصلح في مآرب كثيرة شأنها شأن المهماز للحمير وخيول السّباق أو عصا مؤدّب الصّبيان أيّام زمان.

لا أطيل عليكم وأمرّ إلى الوصفة التي ابتكرتُ بعد أن ألحّت عليّ أسئلة كثيرة: كيف نتصدّى للأزمة الاقتصاديّة، وكيف نربح الانتخابات، وكيف نؤسّس الشركات في ﺁن واحد وضربة واحدة؟ أي كيف نصطاد ثلاثة عصافير بحجر واحد أو حتّى بدون حجر. والصّيد أنواع وفنون، بالحيلة أو المباغتة أو المحاصرة، أو بالكلاب، أو برخصة أو بدون رخصة والصّيد في الأعماق، ولو أبحرنا في هذا الشّأن فلن نخرج منه أبدا. ها نحن شردنا مرّة أخرى، فدعونا نعود إلى موضوعنا الأصليّ. قلنا إذا، فأمّا الأزمة الاقتصاديّة فلا أخالها إلاّ مقيمة بيننا لسنوات عجاف طويلة أُخَر؛ وقد يطيب لها المقام فلا ترحل أبدا. هذه واحدة، أولى ثلاث. وأمّا الانتخابات فالحمد لله أننا بلد متمرّس بالدّيمقراطيّة، لا نحسم أمرا ولا نضع خيطا في إبرة إلاّ دعونا إليه النّاخبين من كلّ حدب وصوب ليبتّوا في كلّ انتخاب أو استشارة أو استفتاء؛ فصَوْتُ النّاخب يعلو ولا يُعلى عليه! هذه ثانية ثلاث. فكيف للنّاخب وقد شحّت موارده وخفّ زاده أن يستثمر صوته العالي الغالي في مثل هذه الأزمات الاقتصادية؟ ألا يمكن أن يكون لهذا الصّوت مقابل ماديّ شأنه شأن أيّ سلعة تباع وتشترى؟ لماذا الغضب؟ دعنا نواصل طرح الفكرة. في تونس اليوم سبعة ملايين ناخب أو أكثر، ينتخبون رئيسَ الجمهوريّة وأعضاءَ مجلس النّوّاب ومستشاري البلديّات وأعضاءَ الجمعيات الرياضيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والهيئات المهنيّة. لنفترض أنّ ثمن الصّوت الواحد مائتا دينار فقط. اضرب هذا في ذاك واضرب ذاك في عدد المواعيد الانتخابية الأصليّة والجزئيّة (لسدّ الشغور، فهناك دائما شغور لوفاة أو إقالة أو استقالة أو غيرها، لسبب أو دون سبب) وتثبّت وخذ حذرك من عدد الأصفار، ستكون النّتيجة آلاف المليارات؛ وهذه ثالثة الثّلاث؛ فكيف يمكن أن تصرّف مثل هذه الأمور وهذه الأموال من دون شركات تتولّى تصريف شؤون النّاخبين؟ أرأيت كيف نستثمر أزماتنا ونحوّلها؟ هذه عبقرية تونسية! سيكون الجميع راضين، إلاّ المعارضة، أمّا «المعارظة» فدونها والمهماز إن غضبت أو حرنت.

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.