الصحبي الوهايبي: بيـن أهلنـا وذوِينـا

الصحبي الوهايبي: بيـن أهلنـا وذوِينـا

...والإمساك ليــس مرضا، ولكنّه عارض، يشـي بأمــراض أخـــرى؛ أمّا علاماته فكثيرة، منها انتفاخ في البطــن وشـعـور بالامتلاء بعد تنـاول طعام قليل؛ كثيرة هي الحكومــات الممتلئة فخرا بما أنجزت، على قلّته؛ ومن علاماته أيضا، تجشّؤٌ متواصل آناء اللّيل وأطراف النّهار، وهـــذه لا تخفى على أذن السّامع في الرّاديو وعين النّاظر في التّلفاز؛ وأهمّ مسبّبات هــذه الأعراض الارتجاع المَعِدي؛ ذلك أنّ بين المعدة والمريء صمّاما يسمح بمرور الطّعام من هذا إلى تلك، وليس العكس، فإذا وهن الصمّام، وهو الحسيب الرّقيب، فعجز أنْ يؤدِّيَ دورَه بشكلٍ سليم، ارتفعت عصارة المعدة صاعدةً إلى المريء، وهو الذي بطبيعته لا يتحمّل الحموضة العالية؛ ويبدو، في حال بعض الحكومات، أنّه ليس ثمّة أصلا صمّام بين المريء والمعدة؛ وقد تكون هناك أسباب أخرى عديدة، كالمسكِّنات وحبوبِ الكالسيوم وغيرها كثير؛ وقد يكون الخوف من الألم سببا في أن يُحجم المريض فيمسك؛ وأمّا أصل العلّة فكثرة الطعام وخاصّة الأطعمة الدّسمة، وإدخال الطّعام على الطّعام؛ وأمّا العلاج فيستوجب مُجاهَدة السّبب قبل مداراة الأعراض، كأنْ تستبدل وزيرا بوزير ومديرا بمدير؛ وأمّا الوقاية فتستوجب قليلا من الحكمة وضبط النّفس وكبح الشّهوات ولجم الرّغبات، وتلك ميزة نادرا مـــا تتوفّر في النّخبة الحاكمة، ولعلّها لم تقرأ للقمان الحكيم وهو يعظ ولده: «يا بنيّ، إنّ البِطْنة تُذهب الفِطنة»؛ فهي تكاد تغصّ باللّقمة تردفها باللّقمـــة، وليس أنفع مــن لقيمات صغيرة تخفّف العبء على المعدة؛ وليس أنفع من أن تغادر الطّعام وأنــت تشتهيه. عن النّبيّ محمّد، صلى الله عليــه وسلّم: «من قلّ طعامه، صحّ بدنه، وصفا قلبه، ومن كثر طعــامه سقم بدنه وقسا قلبه»؛ وقال أيضا: «لا تُمِيتوا القلوب بكثرة الطّعام والشّــراب، فإنّ القلوب تمــوت كالزّرع إذا كثر عليه المـــاء» (والحكومة مسيبه المــاء على البطّيــخ)...

مجموعة من الأطفال السّود، أو لنقل من الأطفال البيض حتّى لا نُرمى بالعنصريّة ونحن منها براء، يجلسون على الشّاطئ ويشكّلون حلقة ويمدّون سيقانهم حتّى تداخلت؛ فلمّا أرادوا أن يغادروا، لم يستطيعــــوا أن يفكّوها، ساق هـذا في ساق ذاك، وساق ذاك في ساق هذا؛ فحاروا واستعصى عليهـــم الأمر؛ وهم على حالهم تلك، مرّ بهم عجوز يتوكّأ على عكّازه، فاستجـــاروا به بصوت واحـــد: «يا بابا، وَحِلْنا ولا ندري كيف نسلّك أرجلـنا من بعضها، فهل تقدر أن تساعدنا؟»، فقال: «بسيطة! يا أولاد الحلال»، ورفع عكّازه يهوي به على ظهورهم، فانفضّـــوا راكضــــين. من يسلّك حال الحـــكومة إنْ وَحَلَــتْ؟...

في حديقـــة حيـــوانات، في بـلاد بعيـــدة، قال الضّبـــع يسأل: «أيّتها الزّرافة العزيزة، نحــن على أبواب العطلة، فأيـــن ستقضّيـن عطلتك؟»؛ قـــالت الزّرافة: «لي عنق طويل، ولزوجي عنـق طويل، ولأطفالي أعناق طويلة، ونحن نحبّ أن نتمتّع بعطلتنا دون أن نثير انتباه أحد، لذلك سنذهب إلى أحراش أفريقيا، بين مئات الزّرافات هناك»؛ وعاد الضّبع يسأل: «وأنت أيّها الدّبّ القطبيّ، إلى أين ستذهب؟»؛ وأجاب الدّبّ: «لي فرو ناعم يثير الانتباه، ولعشيري مثلــه، ولصغـــاري فــراء ناعمـــة أيضا؛ ولأنّنا نحبّ عطلة هادئة لا تثير أحدا، فقد عزمنا أن نذهب إلى القطب الشّمالي نروّح عن النّفس أسبوعين أو ثلاثة، حيث الدّببة تشبهنا ولا تختلف عنّا في شيء»: «وأنــت أيّها التّمساح العزيز، أين تقضّي عطلتك؟»؛ فقال التّمساح المهــذّب: «لي جَلْغَةٌ واسعة كبيرة، ولزوجي جلغة أكبر، ولصغاري جـلاغ كبيرة، لا تطبقهـا أبــدا، ونحن عائلة تحبّ السّتر، ونريـــد أن نتمتّـــع بالعطلة، دون أن نثـــير فضول أحد، لذلك سنذهب إلى تونس بين أهلنا وذوينا هناك!».

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.