عادل الأحمر: الـغــول والجــنيـة... والكاميـرا الخـفـيـة

عادل الأحمر: الـغــول والجــنيـة... والكاميـرا الخـفـيـة

أمسيت ذات أحد، مثل كل العباد، على نتائج انتخابية حيّرت البلاد: هذا يقول «لطخة» وهذا يقول: «زلزال»، وجماعة تتعوّذ من سوء المآل. ولم يخف عليّ العياش صدمته، عندما بخصوص هذا الحدث الجليل هاتفته، فقد وجدته كالبحر الهائج المائج، ليس - كما قال لي-  بسبب النتائج، ولكن بسبب ما اكتشفه في نفسه من جهل بحديقة تونس الخلفية، إذ كان قبل هذا اليوم لا يعرف من البلد إلا الواجهة الأمامية، وغابت عن أنظاره المناطق النائية المنسية، إلى أن خرجت له فجأة من الصندوق مثل غول أو جنّية!

«كنت، كما اعترف لي العيّاش بكل أريحيّة، ما نعرف م الثنايا كان «لوطوروت» والطرقات المسماة بالوطنية، وعمري ما دخلت إلى أعماق حومة عربي، أو دغاغر حي شعبي...كنت أتجوّل بين نابل والحمّامات وسوسة والمهدية، لكن لم أكن أزور منها إلا مناطقها السياحية : مناطق حلاوات، تشعّ بفرحة الحياة، فأقصد «لوتيل»، وكلّ شيء فيه رائع جميل، لكأنّك في الجنّة، تجد فيها كل ما تتمنى...وها أنا أكتشف اليوم الحديقة الخلفية، وهي في الحقيقة، لا جنينة ولا حديقة، بل مناطق مهملة منسيّة، تعيش على هامش التنمية الاقتصادية، وخرجت لنا اليوم من الصندوق، مثل ما يحدث في  الكاميرا الخفية!».

«كنت أعتقد أنّ بلادنا أكثر ما فيــها الطبقة المتوسـطة وهـي - على ما يقال-  عامل استقرار، لكنّي تأكّدت اليوم أنّها آخذة في الاندثار، أو تحوّلت أغلبيتها إلى فئة الفقراء والزوالية، بينما نزل هؤلاء تحت عتبة الفقر درجتين وشوية، فإذا بالصندوق ينطق بأصوات الجميع في صيحة قوية».

«لقد أدركت اليوم أنّني عندما أقول «أحنا التوانسة» كنت أعني نوعا معيّنا من الناس، ناس كيفي م العاصمة والمدن الكبرى أحوالهم تقريبا لا باس، وإلا أقلّ شي نصف لباس، لكن أين أنا من تونسيّي الأرياف العميقة والأحياء الشعبية، وها هم يخرجون من الصندوق مطالبين بالعدالة الاجتماعية !».

«كنت كي نحكي على التعليم في بلادي، ديما نقيس على أولادي، ولم أكن أعلم أنّ أبنائي ومن مثلهم من المتفوّقين هم الشجرة التي تخفي الغابة، وعندما كسّرها الحطّابة،  اكتشفنا خلفها فراغا رهيبا، وعالما عجيبا: ناس تقرا وتروّح والعلم ربّي يجيبو، وناس تفركس على عشرة الحاكم والولي يدفع من جيبو : «دروس خصوصية، حتّى في المواد الثانوية، وعام «الباك» يلزمو ميزانية. والتعليم العالي ماكينة متاع تخريج عاطلين: نجّح، نجّح وربّي يعمل دليل ! لكن اليوم طفطف الهمّ ، وخرجوا البطالة م الصندوق يحبّو ع الخدم !».

«ولكي لا أطيل عليك يا صديقي، أعترف لك بأنّي كنت لا أعرف من البلاد إلا الفطشاطة، واليوم ظهر كلّ شي على بلاطة، إذ أخرج الصندوق كلّ الأعوار، ومن هذا الزلزال استر يا ستّار!».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.