أخبار - 2019.10.08

راضـيـة الحـدّاد المـرأة التي قـالت »لا« للزعــيـم بــورڤيبة

راضـيـة الحـدّاد المـرأة التي قـالت »لا« للزعــيـم بــورڤيبة

لئن سجّلت راضية الحدّاد اسمها في التاريخ التونسي علما من الأعلام، فليس فقط لأنّها كانت أوّل برلمانية تونسية ولكن أيضا لأنّها عارضت بورڤيبة في فترة ما، عندما تعاطفت مع التيّار الذي غادر الحزب الاشتراكي الدستوري. ودفعت ثمن ذلك. ولكنّها بقيت صامدة لتثبت شجاعتها كسياسية فذّة لا تقبل المساومة على مبادئها.

ولع راضية الحدّاد بالسياسية لم يأت من فراغ، فهي حفيدة العربي زروق أحد رموز الحركة الإصلاحية في تونس في القرن التاسع عشر ومن بين المعارضين القلائل لمعاهدة باردو التي أرست الحماية في البلاد التونسية. كما أنّ نشأتها في عائلة برجوازية، ساهمت في إذكاء حسّها السياسي والوطني. كان والدها رجلا محافظا ينشط في العديد من الجمعيات وله حسّ وطني قويّ. لكنّه منعها من إكمال تعليمها. رغم ذلك، فقد حرصت راضية على تعليم نفسها بنفسها عبر مطالعة الكتب لتكتسب ثقافة واسعة أهّلتها فيما بعد لتعتلي مناصب عليا في الدولة. وكان أوّلها رئاسة الاتحاد القومي النسائي وهي أوّل منظمة وطنية نسائية تأسّست في جانفي 1956 لتكون رئيسة لها فيما بعد.

ولكن النضال السياسي لراضية الحدّاد بدأ قبل ذلك وتحديدا من أواسط الأربعينات، حيث شاركت بدعوة من وسيلة بن عمار التي سيتزوجها بورڤيبة، مع نساء أخريات في حملة لجمع التبرعات لفائدة الحي الزيتوني. كما انخرطت في الاتحاد الإسلامي لنساء تونس الذي أسّسته بشيرة بن مراد. وأسّست سنة 1947 بدعوة من بعض أعضاء الكشافة الإسلامية جمعية «حبيبات الكشافة». وتقول عن هذه التجربة في مذكّراتها: «لقي أوّل مصيف للبنات نظّمناه، نجاحا باهرا، كنّا ثلّة من النساء وراء ذلك المصيف: جميلة بن ميلاد وخديجة بن مصطفى وبختة الصدام وأنا. وكانت فرصة لأتخلّى عن «السفساري» نهائيا».

شاركت راضية الحدّاد في جمع التبرّعات في إطار حملة التضامن مع مساجين «الزندالة» السياسيّين وكانت تجوب الشوارع وتطرق أبوب المنازل لتوعية الناس بهذه القضية وحثّهم على تقديم المساعدة. ولم يخل هذا النشاط من مواقف محرجة، حيث تعرّضت راضية الحدّاد إلى الطرد من قبل إحدى الفرنسيات المتزوّجة من تونسي عند طرقها باب منزلها. وهي حادثة حزّت في نفسها كثيرا وذكرتها في كتابها «حديث امرأة» (دار إليسا للنشر، 1995).

انخرطت راضية الحدّاد في الحزب الدستوري الجديد سنة 1952 ومع قرب استقلال تونس بدأ التخطيط لإحداث الاتحاد القومي النسائي التونسي. وكانت راضية الحدّاد من مؤسّساته، حيث تولّت خطّة كاهية أمينة مال في أوّل هيئة للاتحاد، لتصبح سنة 1957 رئيسة له إلى حدود 1972.
راضية الحدّاد هي أيضا أوّل امرأة تونسية تدخل البرلمان التونسي، بعدما احتجّت على عدم تشريك النساء في انتخابات المجلس التأسيسي. وقد كانت تناضل من أجل تشريك النساء في الانتخابات وهو ما تحقّق في الانتخابات البلدية سنة 1957. وقد تمّ انتخابها لثلاث دورات برلمانية. كما أنّها كانت نشطة داخل الحزب الاشتراكي الدستوري، حيث انتخبت في اللجنة المركزية في الفترة بين 1968 – 1972.

التصادم مع بورڤيبة

ورغم إعجابها بشخصية بورڤيبة الفذّة وولائها له، فإنّ ذلك لم يمنعها من معارضة سياسته وانتقادها. فقد عارضت في مرحلة أولى سياسة التعاضد التي وضعها أحمد بن صالح وزكّاها بورڤيبة، رغم إيمانها بالفكر الاشتراكي، حيث أنّها لم تكن موافقة على الأساليب القمعية التي استُعملت آنذاك لفرض الاشتراكية.

لكنّها في مرحلة ثانية تعاطفت مع التيار الليبرالي في الحزب الاشتراكي الدستوري والذي كان يقوده أحمد المستيري بمساندة الباجي قايد السبسي وحسيب بن عمار في بداية السبعينات. ويُروى أنّها قالت مرّة لبورڤيبة: «أنت بطل الاستقلال وحان الوقت أن تكون بطل الديمقراطية». فراضية الحدّاد كانت ضدّ سياسية بورڤيبة الاستبدادية، خاصّة ضدّ اتحاد الطلبة في 1972.

كلّفها موقفها هذا الكثير، حيث تمّ التضييق عليها ودفعها إلى الاستقالة من الاتحاد القومي النسائي التونسي  بالإضافة إلى اتّهامها بالاستيلاء على أموال عمومية في الاتحاد. ووصل الأمر إلى حدّ الحكم عليها بالسجن في ماي 1974 مع تأجيل التنفيذ.

عن هذه الفترة العصيبة من حياتها روت راضية الحدّاد الكثير في مذكّراتها وعن كلّ الدسائس التي حيكت ضدّها لإبعادها والتشهير بها. ومن بينها، حادثة استدعائها إلى القصر الرئاسي في 1973 لحضور «مجلس الجمهورية» الذي خصّصه بورڤيبة للحديث عن فساد بعض مسؤولي الدولة وضرورة مقاومته. وقد خصّها بالذكر متّهما إيّاها بامتلاك قصر وبالإثراء غير المشروع. تقول «أحسست أنّه تمّت دعوتي لهذا الاجتماع لاتّهامي والتشهير بي»، تقول حداد. لكن المرأة لم تستسلم ودافعت عن نفسها في لقاء جمعها مع الزعيم الراحل، حيث قالت له: «سيدي الرئيس إنّ يدي نظيفتان، وإنّ أيّ نظام إذا أخذ يرتكب المظالم فإنّها نهايته». فأجابها بورڤيبة: «قل لي يا بنتي هل كنت يوما ظالما لك؟».

ورغم الظلم الذي تعرّضت له، بقيت راضية الحدّاد معجبة بشخصية بورڤيبة وقد اعترفت في كتابها «أنّه رغم طبعه السلطوي، كان دائما يستمع الى ما أقوله له، وعمل بملاحظاتي وبآرائي طيلة الوقت الذي تعاونت فيه معه»، كما أنه استشارها في مجالات خارجة عن مشمولاتها وتراجع عن قرارات أو تصريحات بعد أن بيّنت له أنها كانت خاطئة، حسب روايتها.

علاقة راضية ببورڤيبة كانت إذا علاقة شدّ وجذب، تراواحت بين الإعجاب والانتقاد، وبين التعاون والقطيعة، لكنّ الثابت أنّ المرأة كانت ذات شخصية قوية، ولا تتوانى عن إبداء رأيها كلًفها ذلك ما كلّفها.

توفيت راضية الحدّاد في 20 أكتوبر 2003 عن عمر يناهز 81 عاما لكنّها خلّفت تاريخا حافلا بالإنجازات والمواقف السياسية. وتكريما لها، أطلق البرلمان التونسي اسم «راضية حداد» على قاعة الجلسات العامة القديمة في البرلمان والتي تمّت فيها المصادقة على دستور 1959 وجاء ذلك بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمرأة التونسية يوم 13 أوت 2015.

حنان الأندلسي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.