خديجة معلَّى: أربعة تحذيرات لستّة وعشرين متسابقًا!

خديجة معلَّى: أربعة تحذيرات لستّة وعشرين متسابقًا!

كأُمٍّ مسؤولة عن ضمان سعادة بِنتيَّ، كلما تمرّ إحداهما بوعكة صحية أو بأزمة مالية عرضية أو بأي إشكال كان، يقض مضجعي التفكير في أحسن طريقة للاعتناء بها ومساعدتها على تخطي كل الصعوبات... إن شغلي الشاغل الدائم هو الوقوف بجانبهما أمام أي تحدٍ يعترض طريقهما.

وأنتَ أو أنتِ، يا من ترشحتَ أو ترشحتِ لأعلى المناصب في الدولة: رئاسة الجمهورية، لتكون مسؤولا عن أمن وأمان شعب بأسره بكل ما تحمله العبارتان من معانٍ، هل تُقدر حجم المسؤولية التي تدَّعي أنك أهل لها؟

فمثلا، هل لديك حل امشكلة مليون شاب وشابة، عاطلين عن العمل ويعيشون على حلم إيجاده، وحلمالحصول على مسكن لائق وتكوين أسرة تعيش حياة كريمة ؟... هذا إذا لم يكن العاطل عن العمل مسؤولا عن أسرة، فتراه يعيش يوميا كابوس تدبير نفقات المنزل وتعليم الأطفال وتوفير المأكل والملبس والرعاية الصحية... فكيف تضمن حل مشكلة هؤلاء؟ وهل تدرك حجم المسؤولية الضخمة التي أنت مقبل عليها؟

إهرب عزيزي، إهرب ما دام ما زال في الوقت متسع للهروب، بالطبع، هذا إن كان لديك ضمير حي...

وأنت في نزهة الترشح هذه، ولديك أمامك مليونا متقاعد عن العمل، أفنوا عمرهم في خدمة تونس، والآن لا يجدون تكلفة كمية الأدوية التي يحتاجونها لكل الأمراض المزمنة التي يعانون منها.. لا يجدون المأكل والمسكن اللائق فيعيشون مهانة لا تليق بعمرهم وبكرامتهم وبحجم تلك التضحيات التي تكبدوها طوال حياتهم، من أجل توفير حياة كريمة لعائلاتهم.

هل أنت متيقن من أن منظومة الحكم القادمة ستلبي كل احتياجات هؤلاء ليكونوا على أقل تقدير مكتفيين وغير مُهانين؟

هل تدرك عزيزي المترشح وأنت تصول وتجول في نزهة الحملة الإنتخابية والوعود والشعارات التي تطلقها أثناءها، حجم النار التي سوف تُلقي نفسك فيها؟ أرجوك إنفذ بجلدك، واهرب... قبل فوات الأوان واعتلائك كرسيا سوف يلتهب تحتك عما قريب!

وأنت تحلم بمصافحة رؤساء الدول الأخرى وإلتقاط سلفي مع المشاهير، أفق من حلمك هذا عزيزي، فلديك اقتصاد منهار، وخزينة شبه فارغة، ومديونية فاقت كل التقديرات، وفقراء في كل الجهات والأرياف، يعانون من أسعار ملتهبة، وقفة فارغة، ومن أنظمة تعليمية وصحية في الحضيض، وإرهاب فكري عشَّش في أذهان البعض وإحباط لا مثيل له وحزن جاثم على الصدور لما آلت إليه من هَوانٍ ظروفُ عيش قاسية مُهينة إلى أبعد الحدود.

هل تُدرك عزيزي المترشح خطورة ماينتظرك في حالة فوزك بكرسي الرئاسة؟

12 مليون تونسي وتونسية ينتظرون من يحل كل مشاكلهم! كيف يمكنك أن تواجه النظرات النارية في أعينهم والإحساس بالغضب والقهر وخيبة الأمل المتمكن من أفئدتهم لأنك لم ولن تستطيع أن تكون في عونهم فضلا عن عجزك عن الإيفاء بكل الوعود التي تقدمها الآن بكل استخفاف وعدم مسؤولية، بل وباستهزاء بمستقبل أجيال سوف تَلعَنُكَ إلى أبد الدهر.

فبعد فسحة الترشح الآن، وحين تعتلي عرش المسؤولية، سوف تحمل على كتفيك هموم وأحزان وأحلام 12 مليون تونسيين، فهل أنت مدرك لحجم هذه المسؤولية التي أنت مقبل عليها ؟ إنّ من مصلحتك، إن لم تكن مختلَ العقل، أن تهرب... إهرب، لأنك لو كنت تعرف خاتمتك، لما كنت بدأت ولما كنت ترشحت!

لكل هذه الأسباب وغيرها، ليست لدي القدرة على فهم أي من أهداف 26 مترشحا لرئاسة الجمهورية! إنّ تحمل مسؤولية قيادة شعب إلى برّ الأمان وضمان عيشة كريمة لكل فرد منه ليس بالمسألة السهلة. إنّها أمانةٌ سوف يَلعن التاريخ كل من خانها ومن سيخونها!

وحتى مع حسن النية والطوية والمعدن النظيف لدى بعض المترشحين، وهذا فعلا موجود ولو بنسب متفاوتة، فلن يقدروا على ترجمة نواياهم الطيبة على أرض الواقع...

إنّ عصر القائد الفذ الواحد الأحد قد ولَّى، وإنّ صراع أصحاب الأحوال الضخمة للانفراد بالتحكم في رقاب الشعب، من قصر الرئاسة ومن تحت قبة البرلمان ومن أروقة قصر الحكومة ّعلى حد سواء، بعنوان الديمقراطية وفي ظل قانون الصندوق قد انكشفت حقيقتُها، وقد خبِر الشعب زيفها بل بشاعتها طالما لم يتم تصحيح مسارها وإعادة إحكام آلياتها، لتؤول، فعلا وحقيقةً، حرية الاختيار للمواطنات والمواطنين المَعنيين مباشرة بالشأن العام، مؤثرين فيه ومتأثرين به.

إنّ تحقيق ذلك يستوجب إصلاحا تشريعيا عميقا واستحداث آليات للمراقبة وللمحاسبة، وخاصة مجالسَ إدارة لكل السلط، فتفتح قنوات إتصال وحوار وتشاور دائمة مع الشعب ليكون على بيّنة بمجريات كل أمور الدولة. كما يكون لهيئات الرقابة والمحاسبة متابعاتٌ واجتماعاتٌ وتقاريرُ دورية تُطلع الشعب على فحواها باستمرار.

بذلك فقط، يمكن أن نبدأ رسم طريق الخلاص، بالجُهد الجماعي وبالعمل الجماعي. وماعدا ذلك تخريف، تخريفٌ،تخريفْ... ياولدي!

تونس في مفترق الطريق وشعبها ذاق طعمَ الحرية وليس مستعدا أن يتخلى عنها مهما كلفه الأمر ذلك. سوف يأتي الوقت الذي يُحاسِب فيه كلَ الجناة وكل من أجرم ويجرم في حق شعبه وكل من عاث فسادا وتسبب في تفقير معظم فئاته، ومازال يتآمر لتقطيع أوصال الوطن وبيع بناته وأبنائه في سوق النخاسة!

فليعلم الجميع أنّ إرادة الشعب لا تقهر، لأنّه لو أراد الحياة، فحتى القدر ينحني إجلالا، ويستجيب! المجد للشهداء والعزة لتونس!

خديجة معلَّى

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
علي جبير - 10-09-2019 22:00

من الوهلة الاولى بدا لي المقال طويلا جدا...و كنت سأمر عليه مرار الكرام ...و لكني وجدت نفسي أقرؤه بكل تمعن ...الى أن أتيت على أكمله ....ماذا أقول ؟؟؟؟قمة في الابداع شكلا و مضمونا ...و لكن ما العمل ؟؟؟؟على الشعب باسره أن يدرك أن خطة رئيس الجمهورية مجرد وظيفة ....و أن رئيس الجمهورية مثله مثل أي موظف ...له مكتب و كتابة و مستشارين ..و لا أعتقد أنه يبخل على فعل شيئ يجلب له رضاء رؤسائه في العمل ...و من هم رؤسائه ؟؟؟هم ال12مليون المذكورين في المقال....و لكن ما أخشاه أن يكون لديه رؤساء آخرين لا يعلمهم المواطن البسيط ....و للحديث بقية

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.