الصحبي الوهايبي: طـــوم وجيـــري
امرأة تتوجّع عند طبيب الأسنان، جاءت تخلع ضرسا مسوّسا؛ فلمّا أنهى الطّبيب عمله، حشرت إصبعها في فمها، تتحسّس المكان، ثمّ صاحت: «ما هذا الذي فعلتَ يا دكتور؟ لقد خلعتَ ضرسين اثنين سليمين، وتركتَ الضّرس المريض!»؛ والطّبيب يهوّن: «أوه! على مهلك، لا تجزعي أيّتها السّيّدة، إنّنا نقترب منه!»... بَاتَ الوطن بلا أنياب ولا أضراس؛ ولكن، هوّنوا عليكم! الحكومة تقترب من الضّرس المسوّس!... والسّوس هو العثّ، وواحدته سوسة؛ ومعاذ الله أن نقصد بذلك تلك المدينة التي تبقى أحلى المدن التّونسية وأجملَها، ولو أنّ كثيرا من تلك المدن قد خبا بريقها وذهبَ ألَقُها، لسياسات عمرانيّة هي أشبه بالسكّين الحافي في خدّ الوردة. ومن المعروف أنّ أكثر العثّ أعمى، يكره النّــــور؛ ولعلّه لا يـــريد أن يرى الخراب الذي يخلّفه وراءه؛ كذلك لا ينظر كثير من الحـــكّام وراءهم، ولعلّهم مثل العثّ، لا يسمعون إلاّ رَجْعَ الصّــــوت في الخشب المجوّف... والسّوســــة تعني أيضا نباتا عشبيّا مخشــــوشبا يُصنع منه شراب عرق السّــــوس؛ ولكن عرقَ السُّوس لا يُســـكِر وشرابَ السّياسة مُسكِـــر... وأمّا السَّوَسُ فهو داء يأخذ الدّابــة في قوائمها أو يكون في عَجُزِها بين الورك والفخذ فيورث ضعـــف الرِّجْل حتّى تخور؛ وكذلك يفعل العثّ في كلّ قاعدة سيــــاسيّة، كلّما هرمتْ، نخرها، حتّى تصير كالعمـــلاق على رِجْلين من صلصال؛ هل ترون ذلك العملاق الواقف على رِجْلين من صلصـــال؟... ويقال سَوِسَ الحَبُّ أو ساس أي وقع فيه ما يأكلــــه وينخــره فلا يَنبتُ ولا يُنبتُ أبدا؛ كهذا الحَبّ الذي يبذرون.
*****
كتـب سيـــاسيّ فخور بإنجــــازات بـلاده: «إنّ بلادي تقرع بعنف باب الانتماء إلى نادي الدّول المتقدّمة». حتّى المتسوّلين والمحتاجين وعابري السّبيل يقرعون الأبواب. الثّابت الذي يجهله الرّجل أو يتجاهله أنّ ذلك الباب لن يُفتح «على هذه الرنّة» فتلك أبواب لا تُفتح مِنّة أو بإذن ولكنّها تُغتصب اغتصابا وتُقتحم اقتحاما... والأبواب أنواع وأصناف؛ فهناك باب البيت لأهـــل البيت، وباب الله للمساكين والمحتاجين، وباب العرش للمقرّبين والأولياء وأصحاب الحظوة، وباب السّجن، وباب النِّقاش وهو لا يُفتح إلاّ لِيُغلق؛ وهناك باب المفاوضات وهو عادة يُغلق قبل أن تبدأ؛ وهناك سياسة الباب المفتوح، وسياسة الباب المغلق؛ وهناك باب بمفتاح وباب بدون مفتاح لبيت مستباح؛ وهناك الباب الذي سِيَان أغلقتَ أم فتحتَ، كحال ذلك السّجين الذي وجد باب السّجن مفتوحا دون حارس أو رقيب فلم يهرب وظلّ قابعا في مكانه فلمّا سأله الحارس: «لماذا لم تهرب وقد كان الباب أمامك مفتوحا على مصراعيه؟» أجاب: «إلى أين أهرب؟ من سجني الصّغير إلى سجن أكبر؟»؛ وهناك الباب المخلوع والباب الخاطئ؛ وأخشى ما أخشى أن تكون بلادك يا سيّدي تقرع الباب الخاطئ فتفعل مثل ذلك السّكّير الذي سأل زوجته: «ماذا فعلتِ يا امرأة بباب المرحاض؟ كلّما فتحتـــه أتبوّل اشتعل الضّوء» فزعقــــت المـــرأة: «يا للهول. كنت إذن تتبوّل في الثلاّجة»... وكُلُّ باب يفصل بين عالمين اثنين متباعدين متنافرين ويفضي إلى اتّجاهين مختلفين؟ فأنت تفتح الباب لتدخل أو لتخرج وهما فعلان مختلفان كلّ الاختلاف. فتثبّتْ، ثبّتَ الله أجرك من أيّ جهة تقرعُ بلادُك البابَ بكلّ عنف، كما تقول... تعبتْ حكــــومتنا مـــن طـــرق الأبواب، فلا تحمّلوها ما لا طاقة لها به ولا تقسوْا عليها كما قســـت أمّ جحا على ابنها وكانا ينتقلان من دار إلى دار فحمّلته عفشها ونفشها وما زالت تكدّس على ظهره وهو بارك على ركبتيه حتّى قالــــت: «لم يبق غير هذه الرّحى. سأحملها عنك». فقال لها: «لا. بل ضعيها على ظهري يا أمّي فأنا قاعد بارك لن أقوم بها أو بدونها». كذلك الحكومة باركة كاركة بك أو بدونك... سياسة السّلطة هناك مثل الذي يحاول أن يُطعّم شجرة زقّوم بعـــود برتقال؛ فهل رأيت شجـــرة زقّوم تثمر برتقالا؟ أو كمن يحـــاول أن يناسل بــين أسد ودجـــاجة؛ فهـــل رأيت دجاجة تفرّخ أسودا؟ اللّهم إلاّ في هـــذه البلاد، بـــلادِ كلّ عجيـــب وغريب. كثيرة هي الهِررة التي تحكي صولات الأسود مثل القطّ «طوم»... هــل مــــازلت تتذكّر القطّ «طوم»؟ كبر «طوم» و«علّـــق الصبّاط»، كما تقــــولون...لم يعـــد هنـــاك إلاّ الفأر «جيري. وحده بقــــي يرتع في السّاحة.
بقلم الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق