أخبار - 2019.08.12

عادل الأحمر: كيف ما قال أولاد أحــمـــد!

عادل الأحمر:  كيف ما قال أولاد أحــمـــد!

ذات يوم من أيّام الصيفية، وفي قايلة حنانية، شعلت فيها النار، وارتفع فيها المحرار، حتى تجاوز الأربعين، فلكأنّ باب جهنّم قد فتح في الحين، إذن في ذلك اليوم الشديد، لقيت العيّاش دون سابق مواعيد، فاتفقنا على أن نطفئ نارنا المشتعلة، بكؤوس مفرشكة، في ظلّ مكيّف حنون، يقيك عذاب هذا الطقس المجنون. ولما عادت إلينا الروح بعد ركود، ودبّ فينا مجدّدا دبيب الوجود، تهنا في الحديث والحديث ذو شجون، قادنا من شؤون إلى شؤون، حتى  رسونا على بحر السياسة وانتخابات البرلمان، ولا خرافة طبعا من دون بنت السلطان، فوجدت صديقي عندما  تطرّقنا إلى هذا الموضوع، لا يعرف كوعا من بوع، إذ اختلطت أمامه السبل، وكلّ حزب ينادي بأنّه هو الحلّ، وفي برنامجه يكمن الأمل، وأنّه المنقذ للبلاد، وسبيل الرشاد... ولكن كيف للعيّاش أن يفرّق – كما قال لي-  بين كلّ هذه الأحزاب، وكلّها تردّد نفس الأغنية في القرار وفي الجواب؟

ولمّا رأيت حيرة صديقي وتردّده ، قرّرت باسم الصداقة أن أساعده، وذلك بأن أعرض عليه من مقوّمات هذه الأحزاب بعض المشاطر، حتى يختار ما يعجبه عن قناعة وطيب خاطر. وعندما وافق العيّاش على فكرتي، بادرته دون مقدمات بأولى أسئلتي: «ما قولك يا صديقي في حزب ديني، منهجي يقيني، جماعتو تخاف ربي، وماعندها ما تخبّي، قدوتها السلف الصالح، وبه تقضى المصالح ؟»، فأجابني  العيّاش على الفور : «حزب ديني ؟ هذا الأمر  بصراحة لا يعنيني. فالدين دين الناس الكلّ، ولا يمكن أن يحتكره حزب أو حركة أو مجموعة عمل.  ثم كيف يتّفق الدين مع السياسة ؟ فهذه كذب وتبلعيط ونفاق، والدين صدق واستقامة وأخلاق. وإذا خيّرت الدين خسرت السياسة، لأنّه سيمنعك من ارتكاب أي خساسة،  قد يضطر إليها الساسة ، لتحقيق غرض مشبوه ، أو أمر مكروه.  أما إذا فضّلت السياسة على الدين، فاعلم علم اليقين، أنّك معرّض للحيد عن تعاليمه السمحة في كل آن وحين، وابك وقتها على الدين !».

وإزاء احتراز صاحبي، قلت له : «طيّب ! إن لم تكن مع حزب ديني، فما رأيك إذن في حزب يساري، أفكاره ماركسية، وبرامجه ثورية، يسوّي بين الغني والفقير، وعلى درب العدالة الاجتماعية يسير، يؤمم الخيرات، ويوزّع دون حيف نتاج الثروات؟».  أجاب العيّاش : «صحيح يا رفيق، أنّ أفكار اليسار لديها عندي بريق، لكنها اليوم قد تجاوزها الزمن، ولم يراجعها أصحابها عندنا بل حافظوا على نفس الدغمائيات والسنن، بينما العالم يسرع إلى مزيد من الليبيرالية، مقابل فشل التجارب الشيوعية،  ولا نزال  ننتظر منهم إلى هذا الحين، جوابا عن سؤال لينين : ما العمل ؟ وكيف الحلّ ؟».

قلت: «إن لم ترض بهذا ولا بذاك لحكم البلاد، فما قولك إذن في حزب ليبيرالي يحرر الاقتصاد، ويشجّع استثمار الأفراد، فتكثر المشاريع، ويتحقّق نموّ سريع، وتدور عجلة التشغيل باستمرار، ويعمّ الرخاء والازدهار ؟». فأجابني العيّاش : «هذه الجنّة الليبيرالية -  ولو فيها بقلاوة -  لا تغريني يا شيخ، لأنّ الماء فيها مسيّب ع البطيخ، وحوت ياكل حوت، والزوالي فيها يموت، ويرضى بالفتات، بينما تنعم فئات موسرة بجلّ الخيرات».

وعندما لاحظت عدم اقتناعه مثل حالي،بالاتجاه الليبيرالي،قلت للعيّاش:»وهل ستعترض أيضا على حزب ديمقراطي اشتراكي،يوفق بين مبادرة المال الخاص،والإبقاء على دور الدولة الاجتماعي في بعض مجالات الاختصاص ؟». فأجابني صاحبي هازئا: «هل تقول اشتراكي «كقولك أمّي تراكي»، على رأي الشاعر الحبيب الزناد، عندما عمّ التعاضد أرجاء البلاد ؟ أم هي اشتراكية محلولة في ماء الرأسمالية ؟ صديقي ، أنا لا أومن بالحلول التوفيقية، لأن التوفيق هنا تلفيق ، ويا شفيق فيق».  ولما أعيتني مع العيّاش الحيلة ، ولم تنفع معه أي وسيلة، قلت له: «لم يبق لك يا صديقي العنيد، إلا حلّ وحيد»، قال : «وما هو ؟»،  قلت : «حزب من أحزاب النزعة اللائيكية الحداثية، الوسطية التقدمية، ففيها مجال واسع للأخذ من كل شيء بطرف، كما قال عمك الجاحظ المهفّ».  فضحك العيّاش حتى استلقى ثم قال : «هذا ليس حزبا، هذا شكشوكة نابلية، أو قل إقامة إسبانية، يجد فيها الحريف كل ما يأخذه معه من طعام إن كانت له شهية ... ولا فائدة يا صاحبي في إرهاق نفسك بمزيد الطرح والتفسير والتعليل، فقد قرّ قراري الآن ولن يكون له بديل». فقلت : «وما اختيارك ؟»، فأجاب: «سأعمل بنصيحة شاعرنا أولاد أحمد، إذ قال بكلّ حزم وجدّ : «صوت لنفسك في اللحظة الحاسمة».  ولذلك سأضع في الصندوق ، ورقة مكتـوب عليها م اللوطة ومن فوق :   محمد بن عبد الله العيّاش، وكان ألغـــاو  هالصوت راو ما يقلقناش».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.