جنازة وطنية مهيبة للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي
بقلوب حزينة خاشعة وعيون دامعة ودّع التونسيون، رجالا ونساء شيبا وشبابا، رئيسهم الرئيس الباجي قايد السبسي، أحد بناة النظام الجمهوري وأب الديمقراطية في تونس ما بعد الثورة الذي شاءت الأقدار أن يغيّبه الموت يوم 25 جويلية، في ذكرى إعلان الجمهورية في سنة 1957.
تونس التي تقدّر أفضال الراحل العظيم ومسيرته السياسية والنضالية الزاخرة في خدمة الدولة وتعزيز مكاسبها الحداثية ودعم إشعاعها إقيلميا ودوليّا حقّ قدرها خصّت فقيد الوطن بجنازة وطنية مهيبة تليق بمقام رجل أحبّ تونس فأحبّه شعبها.
انطلقت المرحلة الأولى للجنازة التي أمّنها الجيش الوطني واتسّمت بدقّة التنظيم في حدود الساعة العاشرة وخمسين دقيقة من صباح اليوم لمّا بارح جثمان الرئيس الطاهر مقرّ إقامته بدار السلام بقصر قرطاج مسجّى بالعلم وقد وضع على عربة عسكرية موشّحة بالراية التونسية وبإكليل من الزهور، محاطا بستّة تلاميذ من مختلف الأكاديميات العسكرية وبستّة ضبّاط مترجّلين يمثّلون الجيوش الثلاثة على أنغام طاقم الشرف. وسار خلف العربة إبنا الرئيس حافظ وخليل وشقيقه صلاح الدين قايد السبسي وأصهاره في اتجاه القاعة الكبرى للقصر حيث انتظم حفل التأبين بإشراف الرئيس المؤقّت محمّد الناصر وبحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد والوزراء وعدد من الشخصيات الوطنية وثلّة من قادة الدول الشقيقة والصديقة والوفود الأجنبية والأمين العام لجامعة الدول العربية الذين حرصوا على تحية روح الفقيد والإشادة بمكانته وبدوره وطنيا ودوليّا وتقديم التعازي لأسرة الفقيد وللشعب التونسي في هذا المصاب الجلل.
ووضع الجثمان مؤشّحا بالأوسمة التي تقلّدها الراحل على مصطبة في القاعة الكبرى على أنغام الموسيقى العسكري لينطلق موكب التأبين الذي افتتحه الرئيس المؤقّت محمّد الناصر بكلمة مؤثرة استعرض فيها خصال الراحل ومآثره في خدمة تونس
قبل أن يتداول على المنصة للمشاركة في التأبين كلّ من الرئيس الجزائري المؤقّت عبد القادر بن صالح والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السرّاج والرئيس البرتغالي مارسيلو ربيلو دو سوزا ورئيس جمهورية مالطا جورج فيلا والملك الإسباني فيليب السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبعد أن عزف طاقم الجيش الوطني نشيد الموتى قدّمت الشخصيات الحاضرة التعازي للرئيس المؤقّت ورئيس الحكومة وأسرة الفقيد وذلك قبل أن ينطلق موكب الجنازة في اتجاه مقبرة الجلاز.
وعلى امتداد عشرين كلم وطول المسلك الذي اتبعه الموكب من قصر الجمهورية بقرطاج في طريقه إلى المقبرة اصطفّت جموع حاشدة من التونسيين رغم حرارة الطقس لتوديع رئيسهم ، مردّدين تارة النشيد الوطني وتارة أخرى "الله أكبر" ترحّما على روحه الزكيّة ورافعين العلم الوطني وصور الراحل .وقبالة مدينة الثقافة بالعاصمة تصدّرت الموكب كوكبة من الخيّالة وحلّق في سماء العاصمة سرب من الطائرات كانت تنفذ ألوان الراية الوطنية ومرَّت الجنازة حذو تمثال الزعيم الحبيب بورقيبة في الشارع الرئيسي للمدينة والذي كان للباجي قايد السبسي الفضل في إعادته إلى مكانه الأصلي على إثر توليه رئاسة الجمهورية وذلك قبل أن يصل الموكب إلى مقبرة الجلاز مرورا بشارع المنصف باي.
وقد عجّت المقبرة ومحيطها بجموع المشيّعين، إجلالا لروح الرئيس الراحل. وأقيمت صلاة الجنازة بمقام أبي الحسن الشاذلي قبل أن يوارى جثمان الفقيد الطاهر في حدود الساعة الثالثة والربع بعد الزوال في تربة آل السبسي بجوار والديه وذلك بحضور أفراد أسرة الفقيد ورئيس الجمهورية المؤقّت ورئيس الحكومة وعدد من الشخصيات الوطنية.
كان للباجي قايد السبسي الذي مثّلت مسيرته رئيسا للجمهورية امتدادا لفكر الحبيب بورقيبة جنازة مهيبة لم يحض بها أبوه الروحي وملهمه المجاهد الأكبر، أوّل رئيس للجمهورية يوم 8 أفريل سنة 2000 فكأنّ تونس التي حرصت على أن تبدي لرئيسها الخامس أسمى آيات الإجلال والتقدير آثرت في الآن نفسه ومن خلاله أن توجّه تحية وفاء وإكبار إلى محرّرها وباني دولتها الحديثة.
- اكتب تعليق
- تعليق