أدب وفنون - 2019.07.10

»فتــــوى«... فيلم جريء يُعرِّي التطـــرّف والتعــصّـــب الديــني

»فتــــوى«... فيلم جريء يُعرِّي التطـــرّف والتعــصّـــب الديــني

حصد فيلم فتوى لمخرجه محمود بن محمود العديد من الجوائز في مختلف المهرجانات والتظاهرات السينمائية، لعلّ أهمّها حصوله على جائزة التانيت الذهبي في الدورة الأخيرة من أيام قرطاج السينمائية وجائزة أفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي بالإضافة إلى تتويجه بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان السينما الأفريقية بخريبقة (المغرب). الفيلم هو إنتاج تونسي بلجيكي مشترك أبطاله أحمد الحفيان وغالية بن علي وسارة الحناشي، وبمشاركة رمزي عزيز، محمد ساسي غربال وجمال المداني.

التّطرّف الديني يدمّر النسيج الاجتماعي، ويغتال روح المجتمع. فكرة جوهرية أوَّليّة نستخلصها بعد مشاهدتنا لفيلم «فتوى»، الذي استطاع من خلاله مخرج العمل تعرية المسكوت عنه حول خبايا ودهاليز عالم الجماعات الإسلامية المتطرّفة التي تتّخذ من الدين مطيّة لتحقيق أهداف خفيّة مغلّفة.

تدور أحداث الفيلم حول إبراهيم ناظور (احمد الحفيان) الذي يجد نفسه مضطّرا إلى العودة إلى أرض الوطن ليحضر جنازة ابنه الذي قضى في حادث دراجة نارية مروّع. ورغم أنّ التحقيقات البوليسية اثبتت ان الحادث كان نتيجة الإفراط في السرعة، إلّا أنّ حادثة تصادم العائلة مع أصدقاء ابنهم المتوفّي ورفضهم القاطع لحضور الأم في الجنازة، لاعتبارها عوراء، أثار شكوك الأب الذي قرّر أن يحقّق بنفسه في موت ابنه المستراب. ومع تتالي الأحداث يكتشف الأب أن ابنه مات مقتولا بعد أن خرج عن طوع الجماعة المتطرّفة التي انخرط فيها ثمّ أمرت فيما بعد باغتياله. لتصل الأحداث إلى ذروتها وتنتهي بمقتل الأب على يد نفس الجماعة بعد أن كشف مخطّطاتهم.

طرح سينمائي جريء غرق في المباشرتية والتلقين...

فيلم فتوى يأتي في سياق انكباب السينما العربية والعالمية على معالجة ظاهرة التطرّف والإرهاب من خلال أعمال سينمائية حاولت تشريح هذه الظاهرة وطرحت علامات استفهام حول آفة خطيرة استطاعت التسرّب إلى مجتمعنا وساهمت في تدمير عديد الأسر وتخريبها.

لابدّ من الإشارة الى أنّ هذا العمل يستلهم ولا ينقل، يستوحي ولا يكرّر مجموعة من الأحداث التي طبعت التاريخ الحديث للبلاد، حيث كان الصراع على أشدّه بين القوى التقدمية والقوى الرجعية التي تنادي بالعنف والكراهية. مخرج العمل حاول أن يقدّم طرحا متجدّدا لمسألة التطرف والإرهاب من خلال رؤية سينمائية تدين الدغمائية والجمود الفكري والعقدي، وتنبذ التعصّب والعنف المادّي وتدعو إلى التسامح والجدل الفكري.

من الناحية الفنية التقنية، نجح الفيلم نسبيا في تقديم تجربة بصرية بالغة التميّز (إضاءة، صورة، مونتاج) أضفت جمالية سردية وساهمت في تماسك البناء الدرامي للأحداث. حيث نجح مخرج العمل في منح المكان وظيفة تصويرية وتعبيرية من خلال التلاعب بحركة وزوايا الكاميرا وتغيير نوعية الإضاءة بالإضافة إلى تباين أﺣﺠﺎم اﻟﻠﻘﻄﺎت البصرية، في حركة من المدّ والجزر بين عالمين متنافرين لإيصال التناقض الحادّ بين الرجعية والجمود الفكري من ناحية، والتحرّر الفكري وحرية الاختلاف من ناحية أخرى. فمع حضور المتشدّدين والتكفيريين ينحسر المكان ويضيق (شقة الإرهابي، محل الإنترنت، الأزقّة الضيّقة للمدينة العتيقة...) كما تخفت الإضاءة وتغيب الموسيقى التصويرية عن تلك المشاهد، بينما يتّسع المكان وتحضر الإضاءة بقوّة حتّى في المشاهد الداخلية وتؤثث الموسيقى الشريط الصوتي للفيلم عندما يتعلق الأمر بالحداثيين المتحرّرين والتقدميّين.

ولكن بالرغم من هذه النقاط المضيئة في الفيلم، لم يخل العمل كغيره من الأعمال الدرامية من بعض الهنّات والنقائص، حيث سقط المخرج في فخّ المباشراتية الفجّة في الطرح وفي أسر المبالغات النمطية المجافية للواقع في الكثير من الأحيان، الشيء الذي أفقد الفيلم وهجه الفنّي وطغــى عليه الأسلوب التلقيني المملّ. وهـــذا ما دعّمه الحوار الذي طغى على اللغة السينمائية، وجاء فضفاضا مترهّلا دون عمق وبلا روح. فخطاب كلّ من التقدميين والرجعيين كان نمطيًا وتقليديا طيلة الفيلم، وغابت عنه الجدلية والمنطق، كما أنّ أغلب الشخصيات كانت نمطية وسطحية، وإن كان هناك تميّز نسبيّ لآداء الممثل أحمد الحفيان، بالإضافة إلى عدم الاشتغال على الأبعاد النفسية والاجتماعية لتركيبتها، ممّا انعكس سلبا على مردود الممثّلين وأوجد حالة من الجمود وخللا ملحوظاً في العلاقة بين الشخصيات الرئيسية.

وممّا لا شكّ فيه فقد استطاع الفيلم بجرأته تعرية المسكوت عنه من خلال تناول ظاهرة الإرهاب ومحاولة معالجتها في شكل درامي قد يكون له أثر إيجابي في مواجهة تفشّي الظاهرة، إلى جانب إبراز النتائج السيّئة والعواقب الوخيمة لحالة الجمود الذي أصاب الحياة الفكرية والاجتماعية في المجتمعات العربية الاسلامية، نتيجة غلق باب الاجتهاد والتحديث في الإسلام، الشيء الذي أدّى إلى مزيد من التعصّب والانغلاق على الذات وفتح الباب أمام فتاوي التكفير التي خرجت من سياق الفتوى إلى دعوة صريحة إلى إراقة الدماء والتحريض على العنف والكراهية. فيلم فتوى هو خلاصة رؤية سينمائية وموقف واضح ضدّ كلّ مظاهر التطرّف والتعصّب التي تهدّد الهوية الثقافية للمجتمعات الإسلامية، ودعوة من المخرج إلى فتح الـسبل أمام العقل وتحريره من كلّ القيود لإدراك وجوه الضعف والخلل في نفوسنا ومنهجنا حتّى يتسنّى لنا تجديد فكرنا وتصحيح مسيرتنا.

ناظم الوسلاتي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.